عبرت الحركات الإسلامية في أكثر من مناسبة عن أنها ضد خيار التقسيم والتجزيء في الوطن العربي، ويمكن استحضار موقفها من تقسيم تيمور الشرقية وانفصال شمال السودان عن جنوبه. ويؤطر موقف هذه الحركات مرتكزات فكرية ومقاصدية. تكشف محاولة البحث في أدبيات الحركات الإسلامية التي تناولت موضوع الصحراء، غياب كتابات لحركات تعبر صراحة عن موقفها من النزاع المفتعل باستثناء حركة التوحيد والإصلاح المغربية، لكن تبرز إنتاجات غزيرة تؤصل لمفهوم الوحدة بشكل عام ورفض لكل تقسيم أو تجزيء. وتوجد تصريحات كثيرة لقياديين إسلاميين في مختلف الدول العربية تتجه في مجملها إلى التعبير عن موقف رافض لخطوات الانفصال، وداعم للموقف المغربي، كعباسي مدني الأمين العام السابق لجبهة الإنقاذ الجزائرية الذي قال في إحدى حواراته مع جريدة فرنكفونية سنة 2004 "إن الصحراء المغربية وما يحدث مجرد مزايدات"، وأيضا علي بلحاج الوجه البارز في جبهة الإنقاذ الذي أكد مغربية الصحراء في حوار مع مجلة "الوطن العربي" سنة 2009. وفي هذا الصدد، يقول محمد جبرون الباحث في التاريخ والفكر الإسلامي، إنه يجب الإقرار بداية أن أدبيات الحركة الإسلامية في هذا الباب "ضعيفة"، وتكاد تكون "منعدمة" باستثناء بعض الإسهامات القليلة، واعتبر المتحدث في تصريح ليومية "التجديد"، أن أي حديث في هذا المقام هو على سبيل التأسيس والطلب، وليس وصفا أو استدعاء للموجود. خيار الوحدة يعتبر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية في تصريح ليومية "التجديد"، أن مفهوم الوحدة هو الذي يحكم الحركات الإسلامية في بناء موقفها من قضية الصحراء، وأن كل خطوة نحو الوحدة خطوة إسلامية وكل اتجاه نحو التقسيم هو غير ذلك، مشددا على أن السير نحو الوحدة مقصد من مقاصد الإسلام. وأضاف الغنوشي أن موضوع الصحراء إشكالي وحساس وأن حل النزاع هو وحدة المغرب العربي، مؤكدا أن النزاع تعبير عن فشل الوحدة المغاربية. في نفس الاتجاه يذهب سمير بودينار رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية بوجدة، إلى التأكيد على أن الحركات الإسلامية في موقفها العام منحازة مبدئيا إلى خيار الوحدة على أساس مبدأ الأمة وتمثلاته فكريا وسياسيا. ويشير بودينار إلى أنه حتى مع وجود بعض الاستثناءات المحدودة في مواقف بعض هذه الحركات خاصة في المراحل الحرجة من وجودها في السلطة (الجزائر في حكومات ما بعد التسعينات مثلا) فإن هذا الموقف العام يظل سمة في تعاملها مع قضايا التجزئة والانفصال. بل إنه من المفارقات أن يتم استبعاد مساهمة بعض هذه الحركات مع دورها المعروف في تأسيس بعض تجارب الوحدة ثقافيا واجتماعيا (الإمارات العربية مثلا)، يضيف المتحدث. ويخلص بودينار إلى أن مواقف الحركات الإسلامية من قضية الصحراء المغربية كانت امتدادا لهذا الخط الوحدوي، موضحا أن المغرب حاول في مرحلة ما استثمار مواقف بعضها في الإقليم لصالح وحدته (الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في التسعين أيام الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله). ولازالت مواقف البعض الآخر إيجابية جدا في هذا السياق (تونس وليبيا وموريتانيا). إسلاميو المغرب وفيما يخص إسلاميي المغرب، فقد أجمع جبرون ثلاث مرتكزات فكرية قال إنها تؤسس لموقف أخلاقي للحركة الإسلامية المغربية من الوحدة الترابية وقضية الصحراء: أولا؛ من لم يهتم بأمور المسلمين فهو ليس منهم: فقضية الصحراء القضية الأولى لعموم المغاربة المسلمين، وهي أمر من أمورهم الحيوية، فلا يمكن والحالة هاته الغفلة عنها وإهمالها، ومن مقتضيات الإسلام الاهتمام والعناية بشؤون الأمة وقضاياها، ومن هذه الناحية يمكن أن يشكل هذا المبدأ الشرعي أصلا للموقف أو من بين الأصول.. ثانيا؛ الأصل المقاصدي: إن عرض المسلم وممتلكاته المالية وغير المالية مقصود حمايتها بالشريعة، فلا يمكن والحالة هاته إهمالها والتفريط فيها، ولما كانت قضية الصحراء تدخل في هذا الباب فهي من الأملاك العمومية، والحقوق التاريخية للأمة المغربية ومن هذه الناحية وجب الدفاع عنها وتحصينها بما يلزم، والسعي إلى ذلك سعي شرعي. ثالثا؛ وحدة الأمة: تعتبر وحدة المسلمين والتعاون بينهم أصلا من أصول الاجتماع السياسي الإسلامي، فإذا كانت الأمة تفرق شملها وتعددت أوطانها بسبب عوامل وظروف تاريخية مختلفة، فليس معقولا اليوم التفريط فيما تبقى من وحدة بمنطق الإسلام والشريعة، ومن ثم يكون السعي للتجزئة والانقسام منكر أخلاقيا، وبالمقابل السعي للوحدة والتكاثف معروفا وبرا.. مسؤولية الإسلاميين يذهب بودينار بعيدا في استحضار دور الحركات الإسلامي المغربية في ملف الصحراء، إذ يعتبر أنها مؤهلة لمساهمات مهمة في هذه القضية مبدئيا بالتأكيد على أبعادها الدينية والأخلاقية والوطنية والقومية المغيبة في كثير من الأحيان. كما تظهر حاجة هذه الحركات –حسب المتحدث- إلى تطوير خطاب سياسي برؤية ذات مضامين استراتيجية واقتصادية واجتماعية للتعامل مع الملف على مستويات التدبير الواقعي يستصحب مبادئها ومؤهلاتها تلك.