الاعتذار الرسمي الذي قدّمه الاتحاد السعودي لكرة القدم عن خوض مباراته مع فلسطين في الضفة المحتلة قطع قولَ كل خطيب ووضع حدا لسجال إعلامي تواصل طوال الأسابيع الماضية بسبب إصرار السلطة الفلسطينية على إقامة مباراة المنتخب الفلسطيني مع المنتخب السعودي ضمن تصفيات مونديال 2018على أرض ملعب فيصل الحسيني في مدينة رام الله، وهو الأمر الذي رأى فيه الاتحاد السعودي تطبيعا مع الاحتلال الاسرائيلي بسبب اضطرار أعضاء المنتخب السعودي المرور عبر حواجز جيش الاحتلال والخضوع لإجراءاته وصولاً إلى الضفة المحتلة، إضافة إلى تردي الأوضاع الأمنية بسبب تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بُعيد اشتعال شرارة انتفاضة القدس مطلع شهر أكتوبر الماضي. قرار الاتحاد السعودي كان ذو نكهة سياسية بامتياز، كونه جاء متوافقا مع الموقف السياسي للمملكة السعودية الرافض لكافة أشكال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو الموقف الذي يؤيده الشعب السعودي ومن خلفه جميع الشعوب العربية والإسلامية التي ترى في التطبيع مع دولة الاحتلال قبل إقامة دولة فلسطينية مستقلة هو مكافأة مجانية للاحتلال على اغتصابه لأرض فلسطين وتشريده لملايين اللاجئين الفلسطينيين. إصرار السلطة الفلسطينية على قدوم المنتخب السعودي للضفة المحتلة في ظل الاحتلال هو استمرار للدعوات المتكررة التي أطلقتها قيادات السلطة للعرب والمسلمين خلال الأشهر الماضية بضرورة زيارة مدينة القدس والمسجد الأقصى بذريعة دعم صمود المدينة في مواجهة الاحتلال، وإذا بالزيارات توفر دعما سياسيا للاحتلال وليس للفلسطينيين، ما دفع المصلين في المسجد الأقصى في إحدى تلك الزيارات إلى منع إحدى الشخصيات العربية الزائرة من إلقاء خطبة الجمعة فوق منبر المسجد الأقصى. الخلاف الرياضي الفلسطيني السعودي على مكان المباراة كاد أن يصبح خلافا سياسيا لولا الأنباء التي تواردت حول تدخل محمود قام به الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي في اللحظة الأخيرة باتصاله مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والتوافق على إنهاء الأزمة بنقل المباراة إلى الأردن، وهي الخطوة التي إن تبين صحتها فإنها تكون قد منعت تدهورا في العلاقات الفلسطينية السعودية، خاصة وأن المملكة السعودية داعما سياسياً مهما للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وكذلك لخزينة السلطة الفلسطينية التي لا تستطيع الصمود في مواجهة عقوبات إسرائيلية محتملة ضدها رداً على تواصل انتفاضة القدس. الاتحاد السعودي باعتذاره عن المشاركة في المباراة حال الإصرار على إقامتها في الضفة المحتلة خاطر وعن قصد بتعريض منتخبه لخسارة رياضية بثلاثة أهداف لصالح المنتخب الفلسطيني، لكن المملكة السعودية بكل تأكيد اكتسبت احترام ومحبة كافة أبناء الشعب الفلسطيني الذي انتفض دفاعا عن المسجد الأقصى المبارك، ويرى في القرار السعودي دعما معنويا لانتفاضته المستمرة والتي قدم خلالها عشرات الشهداء وآلاف الجرحى والمعتقلين من خيرة الشباب الفلسطيني، بعكس المواقف السياسية المفاجئة التي اتخذتها بعض الدول العربية بدعم دولة الاحتلال علنا ولأول مرة في الأممالمتحدة رغم تصعيد جيش الاحتلال ومستوطنيه انتهاكاتهم الجسيمة بحق الشعب الفلسطيني والمسجد الأقصى المبارك. لا شك بأن الموقف السعودي الرافض للتطبيع مع الاحتلال يستوجب الشكر والتقدير من كافة أبناء الشعب الفلسطيني المقاوم، ويؤكد في ذات الوقت على الدور البارز للمملكة العربية السعودية في مؤازرة الشعوب العربية التي تتوق لنيل حريتها بعيدا عن سياسة الذل والخنوع والتي أصبحت في نظر البعض للأسف الشديد خيارا وحيدا للحياة تحت حراب الاحتلال.