احتفى باحثون، خلال ندوة علمية نظمت السبت 31 أكتوبر 2015 بكلميم، بحدث المسيرة الخضراء، واضعين هذه اللحظة الفارقة في المسار السياسي للمملكة تحت مجهر التشريح الاجتماعي والتاريخي والسياسي، ليخلصوا إلى أنها صارت تمثل تراثا لاماديا للمغاربة واستعادة لذاكرة الهجرات التي عرفها المغرب عبر التاريخ. وتوقف الأساتذة المتدخلون، في هذه الندوة التي نظمت بمناسبة تخليد الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء، عند النصوص الدقيقة التي تحفل بها الوثائق التاريخية المغربية وتلك المحفوظة في سجلات الاستعمارين الفرنسي والإسباني، والتي تؤكد علميا وبجلاء مغربية الصحراء وروابط القبائل الصحراوية الوثيقة مع العرش العلوي. وهكذا، ذهب نائب مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، عبد العاطي لحلو، إلى أنه يمكن نعت حدث المسيرة الخضراء التاريخي اليوم بالتراث اللامادي للمغرب والمغاربة، معتبرا المسيرة امتدادا للمقاومة المغربية بصيغة أخرى. كما اعتبر، في مداخلة بعنوان "قراءة سوسيولوجية وأنتروبولوجية..40 سنة بعد المسيرة الخضراء"، أن المسيرة تلتقي مع الهجرة النبوية والهجرات القبلية التي اتجهت نحو المغرب قادمة إليه من الشرق وهجرات الأندلسيين في كونها تنطوي على إرادة "لتأسيس مجتمع جديد ومعانقة زمن البدء"، واستعادة "للذات ولذاكرة الهجرات التي عرفها المغرب عبر تاريخه". وتوقف الأستاذ لحلو عند ما طبع المسيرة من تمازج إثني وعرقي وثقافي غير مسبوق بين سكان المدن وسكان البوادي، وحضور الروح الشعبية المغربية في الحط والترحال وما اقتضته من صبر وروح تضامن وتآزر بين المتطوعين. ولفت الانتباه إلى "جانب آخر استطاعت المسيرة الخضراء أن تذكي شعلته هو الجانب الإبداعي حيث انخرط الفنانون والكتاب في إنتاج روايات وفنون تشكيلية وأغان كلاسيكية وأشعار تركت بصمات جليلة على الثقافة المغربية في الربع الأخير من القرن الماضي". من جانبه، أخذ الأستاذ نور الدين بلحداد، المتخصص في تاريخ الصحراء المغربية، الحضور في رحلة بين فصول غير مشهورة للعموم من تاريخ المغرب، تؤكد التلاحم بين قيادة الأمة (الملوك العلويون) وساكنة الصحراء، ذاكرا كل مرة أحد هذه الفصول أو المحطات بنصها كما وردت في إحدى الوثائق التاريخية أو الكتب المتخصصة. كما استحضر الباحث كيف أن القبائل الصحراوية شكلت وفدا لتجديد البيعة للملك الراحل محمد بن يوسف (محمد الخامس) سنة 1927 رغم الحواجز والعراقيل التي كان يضعها الاستعمار، متسائلا ما الذي سيجعل هذه الوفود تتحمل مشقة السفر والتهديدات وأحيانا إغراءات المستعمر، غير الوطنية الصادقة وتعلق ساكنة الصحراء بالعرش. من ناحيته، ركز الباحث في العلوم السياسية، سعيد بوشاكوك، في مداخلته على آليات تنمية المجال الترابي في الأقاليم الجنوبية، معتبرا أن ذلك يستلزم تأهيل العنصر البشري والتكامل الإداري والانتقال من التسيير العمودي إلى التدبير التشاركي وتحويل المنطقة إلى منطقة جذب ترابي. واعتبر، في مداخلة بعنوان "الجهوية وتنمية المجال الترابي للصحراء"، أن مفهوم الجذب الترابي يتجسد في العمل على تشجيع الاستثمارات وجلب رؤوس الأموال وتحريك إنتاج الثروة وتوزيع ثمارها بشكل عادل بين الساكنة. (ومع/ بتصرف)