تعديل مدونة الأسرة بشكل يمنح المرأة حقوقا متساوية مع الرجل في ما يتصل بانعقاد الزواج وفسخه، وفي العلاقة مع الأطفال، وكذا في مجال الإرث، وذلك وفقا للفصل 19 من الدستور والمادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة». هذه الفقرة الاستفزازية هي من توصيات عديدة تقدم بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان خلال بداية الأسبوع، وهو ما أثار موجة عارمة من السخط والغضب في أوساط فئات واسعة من الشعب المغربي، وفي أوساط العلماء والمثقفين والسياسيين الملتزمين بثقافة المجتمع والمتشبعين بخصوصيته. الملاحظة الأولى، هي أن الأساس الدستوري الذي يوهم المجلس بالاستناد عليه، واضح في رفض مثل هذه التوصية، تقول المادة 19: «يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها». ويبدو بأن المجموعة التي تسير هذه المؤسسة لم تقرأ الفقرة الأخيرة من هذا الفصل:»وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها». ومن المعلوم أن من ثوابت المملكة الأساسية: الدين الإسلامي، ففي الفصل الثالث من الدستور، نقرأ «الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية»،، كما أنه من المعلوم أن مدونة الأسرة من القوانين الأساسية في البلاد التي جاءت بعد نقاش مجتمعي واسع تحت إشراف الملك بصفته أميرا للمؤمنين الذي قال في إحدى خطبه الافتتاحية للبرلمان: «إنني بصفتي أميرا للمؤمنين لا يمكنني أن أحل حراما أو أحرم حلالا»، وبناء عليه فيظهر بأن هناك خرقا سافرا للدستور وافتئاتا عليه من طرف واضعي هذه التوصية، ومحاولة لخلق الفتنة في المجتمع وتطاول على ثوابت البلاد وتجاوز لمؤسسة إمارة المؤمنين بما ترمز إليه من رعاية للشأن الديني وامتلاك سلطة التحريم في القضايا الخلافية الكبرى من منطلق ثوابت الأمة الجامعة. الملاحظة الثانية، وتتعلق بالمادة 16 من اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة التي صادق عليها المغرب، كما رفع التحفظ المتعلق بهذه المادة وأرفق تحفظه بإعلان تفسيري يشرح بمقتضاها فلسفة المساواة كما يراها كدولة ذات سيادة لها خصوصياتها الدينية والثقافية والحضارية..هذه المادة من الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة تتناقض مع الدستور المغربي الذي تنص المادة 43 منه على ما يلي: «عرش المغرب وحقوقه الدستورية تنتقل بالوراثة إلى الولد الذكر الأكبر سنا من ذرية جلالة الملك محمد السادس، ثم إلى ابنه الأكبر سنا، وهكذا ما تعاقبوا» بمعنى أن الدستور يحصر ولاية العهد في الذكور دون الإناث، وهو ما يعتبر بمثابة تمييز واضح ضد المرأة بالمنطق الحقوقي الجامد..وهو ما يعني أن توصية المجلس تخفي وراءها محاولة تغيير طبيعة النظام السياسي والدستوري للمملكة!! الملاحظة الثالثة، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يسعى من خلال هذه التوصية إلى خلق نقاش مغلوط داخل المجتمع يجر المحافظين إلى صراع هوياتي، يخفي وراءه محاولة الهروب إلى الأمام وعدم مناقشة وضعية المجلس نفسه من الناحية القانونية، فمنذ 20 شتنبر المنصرم؛ انتهت ولاية المجلس من الناحية القانونية، وليس مطلوبا منه إطلاق توصيات ذات طبيعة إيديولوجية في الوقت الميت، وهو ما يمكن تفسيره محاولة جديدة تتضاف إلى محاولات سابقة ترمي إلى جر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران ومن ورائه الحزب إلى معارك إيديولوجية فارغة تسهل تقديم حزب العدالة والتنمية في الخارج كحزب معاد لقيم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا. الذي ينبغي أن يقال في هذا السياق هو أن ولاية المجلس انتهت من الناحية القانونية، ومن الضروري إخراج القانون الجديد المنظم لهذه المؤسسة الوطنية التي ظلت تركيبتها تفتقر إلى التعددية الفكرية والمذهبية كما ذهبت إلى ذلك مبادئ باريس لسنة 1993. وفي رأي العديد من القانونيين ، فإن أعضاء المجلس برمتهم ورؤساء اللجان الجهوية باستثناء رئيس المجلس والأمين العام، أصبحوا في وضعية غير قانونية ، في غياب ظهائر تعيين جديدة من تاريخ 20 شتنبر 2015 . وعليه ، تكون أعمالهم وتصرفاتهم باطلة وغير شرعية وما يستحقونه من تعويضات من تاريخ انتهاء مدة ولايتهم لا أساس قانوني لها ووجب استردادها لخزينة الدولة. وحتى لئن كانت ولاية رئيس المجلس وأمينه العام مازالت سارية، فإنه أمام هذا الوضع لايجوز لهما إصدار تقارير أو إبداء آراء استشارية للملك أو للحكومة، مادام الأعضاء الذين يشكلون معهم المجلس أصبحوا في وضعية غير قانونية، وذلك انسجاما مع المادة 32 من الظهير المحدث للمجلس التي تنص أن المجلس يتألف، علاوة على الرئيس والأمين العام، من ثلاثين (30) عضوا، المستوفين للمؤهلات المنصوص عليها في المادة الثالثة والثلاثين، وتبعا لذلك يجوز لهما فقط تصريف الأمور الجارية من تسيير إداري ومالي إلى حين تعيين مجلس جديد، فإما الإبقاء على نفس الأعضاء أو تعيين أعضاء جدد. هكذا يتضح إذن بأن بعض التوصيات الاستفزازية تخفي وراءها مصالح شخصية، بالإضافة إلى خلفيتها الإيديولوجية البعيدة عن ثقافة المجتمع وتقاليده..