1- تشهد العلاقات المغربية السويدية توثراً هذه الأيام، فما تعليقكم على ما جرى؟ الأمر يتعلق بمشروع قانون تقدمت به الأغلبية الحكومية في البرلمان السويدي للاعتراف بالكيان الوهمي في تندوف. وإذا كان الاعتراف الحكومي لم يتم بعد، فإنه بات "شبه مؤكد" نظراً لتوفر المشروع على الأغلبية التي ستكفل له المصادقة دون أدنى عناء. إضافة إلى ذلك يتم التحضير لملتقى دولي كبير سينظم في شهر أكتوبر لدعم الكيان المزعوم والمطالبة بالاعتراف الدولي به، وهو نشاط يتم تحت إشراف رئيس الحكومة ستفان لوفين، الذي ينتمي إلى الاشتراكيين الديمقراطيين. ومعروف أن هذا الحزب وحليفه الحكومي حزب الخضر يدعمون الانفصاليين مُذْ كانوا في المعارضة، بل إنهم أدرجوا الاعتراف بالكيان الهلامي في تندوف ضمن برنامجهم الانتخابي سنة 2014، وهو ما يتم تنفيذه اليوم. وكان علينا إعلان حالة الاستنفار، ليس الآن، ولكن منذ وصولهم إلى سدة الحكم في هذا البلد منذ سنة ونيّف. وساعتها كان على الأقل يمكن "إقناعهم" باحترام ساكنة الصحراء وعدم تقرير مصيرها بدلاً عنها، لأن الاعتراف حكم نهائي من جهة لا تملك ذلك. بالإضافة إلى انتفاء شروط القانون الدولي للاعتراف بالكيان الوهمي وعلى رأسها الأرض، والشعب، والحكومة الفعلية. فالأرض تحت سيادة المغرب، وساكنة الصحراء لا تشكل شعباً مختلفاً عن إخوانهم في بقية المغرب، وقبائل الصحراء تتحدث الحسّانية التي يتحدث بها الناس في طانطان وسيدي إفني، وما يسمى "البوليساريو"لا يعدو كونه تنظيماً مسلحاً خاضعاً لإملاءات النظام الجزائري. وإعلانه عن "دولة" من جانب أحادي لا يختلف عن إعلان تنظيم "داعش" دولة فوق أراضي الشام والعراق. ورغم خطورة ما يجري، وحتى إذا افترضنا أسوأ السناريوهات ممثلاً في الاعتراف الرسمي، وهو ما سيقع غالباً، علينا أن نبتعد عن ردود الأفعال التي قد تضر قضيتنا الوطنية أكثر مما تفيدها.. فالسويد بلد يملك قراره ولا يتأثر بالضغوطات وقد خَبِره العالم في قضايا شائكة قبل هذه لا داعي لمقارنتنا بها. وعلينا أن نتوجه إلى المستقبل مُسلّحين باستراتيجية حقيقية للحيلولة دون انتقال العدوى إلى الدول الإسكندنافية أو الأوربية إجمالاً. ولن يتأتى ذلك إلا بالاعتراف بالأخطاء وجرد مكامِن الخلل بكل تَجرّد للوطن، وبالصراحة والشجاعة اللازمتين ودون مواربة أو محاباة لأن الوطن فوق كل الحسابات. وبعيداً عن التقليل من فداحة ما يحدث، يجب استحضار معطيين هامين. الأول أن ما يجري اليوم هو ثمرةٌ لعمل طويل الأمد وفي العمق قامت به الدبلوماسية الجزائرية ونفذته "عرائس" الانفصاليين، ولا يعكس بالضرورة الحقيقة على أرض الواقع اليوم. والمعطى الثاني مكمل للأول، وهو أن هذا الحدث لا يجب أن يُخفي حالة الاحتضار التي يعيشها ما يسمى "البوليساريو" والاحتقان الذي تعرفه المخيمات والانشقاقات في صفوف الانفصاليين، إلى جانب الشلل والتآكل في النظام العسكري الجزائري، والغليان الشعبي الذي تعيشه جارتنا "الشقيقة". 2- هل للدول الإسكندنافية موقف من المغرب أم أن الأمر يرجع إلى ثغرات في المقاربة الدبلوماسية المغربية في هذه الدول؟ الدول الإسكندنافية لديها تعاطف كبير مع كل ما يمت بصلة إلى قضايا حقوق الإنسان وتقرير المصير، وهذا معروف لدى القاصي والداني. ولكن تسجيل الخصوم للنقاط لا يعني قوة حجتهم بقدر ما يميط اللثام عن أعطاب دبلوماسيتنا وقد تحدث جلالة الملك عن بعضها في خطاب العرش الأخير. ويمكن أن نقسم الاختلالات منهجياً إلى مستويين تدبيري وإستراتيجي. أما الأول فأبرز مثال يُجليه هو شُغُور منصب السفير بالعاصمة السويديةستوكهولم منذ ما يزيد عن السنة! وذلك بعد تعيين السفير السابق والياً على العيون، وهو بالمناسبة ينحدر من أقاليمنا الجنوبية. وهذا الشغور في موقع استراتيجي يُمثّل لوحده خطأ فادحاً إذا نظرنا إلى مكانة هذا البلد السياسية والاقتصادية وما يُشكله بالنسبة للانفصاليين والدبلوماسية الجزائرية كبؤرة عمل ذات أولوية منذ ما يزيد عن عِقْد من الزمن على الأقل. أما الخطأ الاستراتيجي فيمكن اختزاله في غياب رؤية طويلة المدى لنسف مخططات الخصوم وتحصين الموقف الوطني، من خلال عمل مُتواصل وطويل النّفس تقوم به الأحزاب والهيئات الحقوقية والمجتمع المدني، بدعم سياسي من البرلمانيين وإسناد تكتيكي ولوجستكي من السفارة والخارجية. ولتفصيل هذا الأمر يمكن أن نضرب مثلاً على ذلك بتعبئة الأحزاب اليوم للتوجه إلى ستوكهولم ومحاولة استدراك ما يمكن تداركه بعدما وقعت الواقعة، فهذا عمل يدخل في نطاق ردود الفعل أو ما سميته في مقالات سابقة بالدبلوماسية "الاستدراكية" في مقابل الدبلوماسية الاستباقية أو الاحترافية عموماً. ورد الفعل غالباً ما تغلب عليه العاطفة، وقد لا يكون له أثر في تغيير موقف مبني على تراكمات وقطع أشواطاً في مسار طويل. إذ لا يخفى على أي متتبع أن البرلمان السويدي صوت منذ 2012، وباقتراح من أحزاب اليسار والخُضْر التي كانت في المعارضة آنذاك، على توصية تطالب الحكومة اليمينية بالاعتراف بالكيان الوهمي في تندوف. فلو كان هناك تخطيط استراتيجي لاعتبرنا ذلك صفّارة إنذار لإطلاق مبادرة شاملة تجاه هذا البلد بمؤسساته وأحزابه ومجتمعه المدني، بدل الانتظار ثلاث سنوات للتحرك. وأخشى أن تمر زيارة السويد وتعود "الأحزاب" والدبلوماسية العامة والرسمية إلى عادتها القديمة. وفي المقابل لدى خصومنا، نجد الخارجية الجزائرية، التي لا تمل من ادعاء حِيادٍ مزعوم، أعلنت على لسان وزيرها الحالي في الخارجية منذ نهاية العام الماضي، أن 2015 ستكون سنة الحسم في قضية الصحراء. وهذا يعني أن النظام العسكري في الجزائر كان قد استكمل مراحل مخططه الاستراتجي ضد وحدتنا الترابية مما أعطاه الثقة في المعطيات التي يملكها، وبالتالي سمح لوزيره رمتان العمامرة الإعلان بكل "جرأة" وبشكل قطعي عن الحسم. والسؤال المطروح، ماذا فعلت دبلوماسيتنا بكل مسمياتها في مواجهة هذه الخطة التي يبدو أن ما يحدث في السويد واحدة من نتائجها؟ 3- هناك حديث عن زيارة وفود حزبية إلى السويد، فما الذي يمكن أن تقوم به الدبلوماسية الحزبية في مثل هذه الأزمات؟ من المفترض أن تكون لكل حزب لجنة للخارجية أو الدبلوماسية، ومن المفترض كذلك أن تقوم هذه الأحزاب بالتعريف بقضيتنا الوطنية وكشف مؤامرة الجزائر خلال لقاءاتها الخارجية مع الأحزاب الصديقة أو التي تتقاسم معها المرجعية أو الإيديولوجية. ولكن يبقى ذلك عملاً مُنبَتّاً ومُتفرقاً على أهميته، فمعلوم أن عزف الموسيقيين ألحاناً فردية معيّنة، رغم مهاراتهم وجودة آلاتهم، فإن ذلك لا يعطينا سيمفونية. وغياب استراتيجية شاملة وتصوّر متكامل لأدوار مختلف الفاعلين، بل غياب حتى كتاب أبيض لدى الخارجية عن الموضوع، يجعل الأحزاب التي تهتم بالملف لا تملك المعطيات الراهنة ولا تتفاعل مع الأحداث في الوقت المناسب، ولا تعرف المطلوب منها من الناحية العملية التفصيلية وليس في العموميات. وعلى سبيل المثال، هناك ملتقى سياسي سنوي يقام في جزيرة "كاتلاند" بالسويد يعتبر أهم تجمع سياسي بهذا البلد، ويستغله الانفصاليون، بتوجيه وتخطيط من النظام الجزائري، للترويج لأطروحة الانفصال، بينما تغيب عنه الأحزاب المغربية، وكان بإمكان خارجية بلدنا أن تُعرف بخطورة هذا الملتقى وتَجمَع الأحزاب في الوقت المناسب لوضع خطة للعمل، وليس في الوقت "بدل الضائع". أما أن تتعامل مع الأحزاب بمنطق "الإطفائيين" الذين يُستدعون في آخر لحظة لإخماد الحرائق، فهذا لا يؤدي إلاّ إلى النتائج التي نراها اليوم. بل قد يكون له مفعول عكسي لأنه قد يوحي إلى الأحزاب السويدية أن الأحزاب المغربية لا تملك قرارها ويتم تحريكها من جهات رسمية تحت الطلب، وهو ما قد يفقدها المصداقية في بلد "أولوفبالمي"، الذي يوصف بأنه أفضل ديمقراطية اجتماعية على الأرض. ولكن هذا لا يعفي الأحزاب من مسؤولياتها، فلديها العديد من الآليات والاختصاصات الدستورية التي لا يتم استغلالها. فاللجنتان البرلمانيتان المكلفتان بالشؤون الخارجية، من المفترض أن يكون لديهما برنامج يستغرق مُدّة الانتداب، ومن المفترض أن تشتغلا على الملف الحيوي للمغرب طيلة السنة ودون توقف مع البرلمانيين في السويد وعبر العالم. والواقع أننا لا نسمع لهاتين اللجنتين خبراً إلا مرة أو مرتين في السنة بمناسبة اجتماع إخباري مع الوزير. وفوق ذلك لدينا جمعيات صداقة برلمانية مع دول العالم ولا نرى أثراً لاشتغالها. أظن أن الأحزاب لا زالت تتعامل مع قضيتنا الوطنية الأولى بحذر موروث عن الحقبة التي كان يعتبر فيها الملف سيادياً ولا يجوز الاقتراب منه. وهذا المبرر انتفى نهائياً مع خطاب جلالة الملك بمناسبة افتتاحه إحدى الدورات البرلمانية السابقة، والذي دعا فيه بكل وضوح البرلمانيين وكل الفاعلين في الحقلين السياسي والمدني إلى الدفاع عن وحدتنا الوطنية و"عدم انتظار أية إشارة".