خطورة الاعتراف هي أن السويد ستسغل محيطها القريب، الدانمارك والنرويج وبقية الدول الاسكندنافية لكي تخلق سابقة وتحرك عقارب الساعة نحو الوراء.. وهو ما يشكل :أولا تراجعا عن... توجه الاتحاد الأوربي، كمؤسسات وليس كنزوعات إيديولوجية موزعة بين اليمين واليسار والوسط والليبراليين والمحافظين والمتطرفين من الأجنحة كلها. ويعاكس المسعى الدولي حول اعتماد مقاربة جديدة تقطع مع الجمود، وفي هذا لا يمكن للسويد أن تنكر ما قدمه المغرب وما دافع عنه باستشراف للمستقبل، وفي إعادة نظر عميقة حول المنزلق الذي أدى إليه التعنت الجزائري والانفصالي بخصوص المقترح الخاص بالحكم الذاتي.. 1-سيكون من غير اللائق أن نعتبر أن القرار السويدي، بإعادة النظر في التعامل مع القضية الوطنية، كان مفاجئا..! فنحن أمام مسلسل بدأ منذ ما لا يقل عن 7 سنوات، وظل محصورا في مواقف حزبية يقودها جزء من اليسار، وتياراته. فالجميع يعرف أن مقترح الاعتراف بالدولة الصحراوية الوهمية،كان واردا منذ 2012، عندما تقدمت مجموعة اليسار الراديكالية والخضر والحزب الاشتراكي الديموقراطي السويدي بمقترح الى البرلمان للاعتراف بجمهورية الوهم. وقد كان البرلمان قد رفض، وعادت نفس التكتلات لكي تجعل من الشعار موضوعا انتخابيا في 2014، وأصبح اليسار المعارض هو المسؤول وصاحب القرار في دولة السويد. وعاد طرح الموضوع من جديد.. وقبل ذلك كان تصعيد الموقف من طرف الاشتراكيين واليسار نقطة ثابتة في جدول الاعمال.. فقد صوت السويديون ضد اتفاق الصيد البحري والاتفاقية الفلاحية بين الاتحاد الأوربي وبلادنا عند دراسة الموضوع من طرف اللجنة الأوربية ولم يتحرك المغرب.. وتحرك النشطاء البرلمانيون السويديون في البرلمان الأوربي لتدبيج تقرير ضد الوحدة المغربية ولم يتحرك المغرب.. وظلت السويد الدولة الوحيدة التي تعاقب شركاتها لأنها تتعامل مع المغرب في صحرائه، أو أن سفنها تشتغل في المياه الإقليمية.. ولم يتحرك المغرب! وراسلت السويد مجلس الأمن، داعية إلى توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل حقوق الانسان.. ولم يتحرك المغرب.. ولما تحركت السويد في أفق الاعتراف بالبوليساريو، جاء الرد المغربي حازما وقويا..؟ إذن: إذن لقد كان التلويح بالاعتراف هو الأخطر، وهو الذي حرك المغرب، وليست حرب السويد الاقتصادية مهما كان درجة بشاعتها. والواضح أن المغرب يستشعر خطورة الجمع بين الآلية الاقتصادية والدبلوماسية لدى السويد في حربها ضدنا.. 2- لم تعترف السويد بعد، لكن كان على المغرب الاستباق وخوض المعركة قبل أن تقع فأس الاعتراف في رأس الدبلوماسية.. ومن المحقق أن الاعتراف بذاته ليس هو المأساة، لأن المغرب قاد معارك كثيرة ونجح في مجملها عندما أعطى ما يستحق من المجهود للعمل الديبلوماسي الوطني. والاعتراف بحد ذاته كان موضوع التحركات المغربية ، في دول كانت أكثر عداء في أمريكا اللاتينية وفي القارة الأسيوية. لكن الذي تريده السويد اليوم هو أن تخلق توازيا بين القضية الفلسطينية، التي نجحت فيها نجاحا لا يمكن للمغرب أن يغفله، وبين القضية الوطنية وتقديم بلادنا على أساس أنها دولة احتلال.. أخلاقيا وسياسيا السويد تهين المغرب، لكنها ديبلوماسية تريد أن تعود بالقضية الوطنية الى المربع الأول: أي ما قبل مقترح الحكم الذاتي، ما قبل 1991 ووقف إطلاق النار! فمن جهة، هناك تحول عميق في القرار السويدي، بما هو قرار يقطع مع سياسة الحياد في زمن الحرب، وعدم الانحياز في زمن السلم. وفي كلتا الحالتين، فقد كانت السويد مطالبة بأن تضع القضية المعروضة على رأيها العام في سياقها الصحيح، باعتبارها قضية نزاع مفتعل من بقايا الزمن البارد في العلاقات الدولية. ثانيا، لا يمكن للدولة أن تساير الاحزاب في علاقتها، فقط لأن الإيديولوجيا أصبحت مهنة من لا فهم ولا استراتيجية له. خطورة الاعتراف هي أن السويد ستسغل محيطها القريب، الدانمارك والنرويج وبقية الدول الاسكندنافية لكي تخلق سابقة وتحرك عقارب الساعة نحو الوراء.. وهو ما يشكل :أولا تراجعا عن... توجه الاتحاد الأوربي، كمؤسسات وليس كنزوعات إيديولوجية موزعة بين اليمين واليسار والوسط والليبراليين والمحافظين والمتطرفين من الأجنحة كلها. ويعاكس المسعى الدولي حول اعتماد مقاربة جديدة تقطع مع الجمود، وفي هذا لا يمكن للسويد أن تنكر ما قدمه المغرب وما دافع عنه باستشراف للمستقبل، وفي إعادة نظر عميقة حول المنزلق الذي أدى إليه التعنت الجزائري والانفصالي بخصوص المقترح الخاص بالحكم الذاتي.. ثانيا ، إن الأداة الاقتصادية التي استماتت في استعمالها، يمكن أن تغري دولا أخرى، ويمكن في الحالة هاته أن يتجه جزء من أوربا الشمالية أساسا، عن جهل أو عن استدراج سويدي، نحو نفس الحصار الاقتصادي ضد المغرب.. مع العلم أن الجذر الذي تبني عليه السويد مواقفها ليس هو المنافسة الاقتصادية ولا التنافس الاقتصادي، فنحن لسنا منافسين لها، بل الجدع الرئيس هو موقف العداء للوحدة الترابية، ومجهود المغرب يجب أن يتوجه الى هذا الجدع بدون انشغالات هامشية قد تعطي نتائج عسكية.. 3- يصعب على بلاد سائرة في طريق الإنماء الديموقراطي أن تتفهم الموقف السويدي، وهي تقف الى جانب الانفصاليين ،وقوى العسكر في الشقيقة الجزائر. فالموقع الطبيعي لدولة نموذج في العالم الديموقراطي هو أن تحصن الحلفاء الديموقراطيين في المنطقة. فلن يكون الفهم القديم لتقرير المصير مبررا لكي تجعل من لينين خادما في قصر المرادية، ولا غيفارا حارسا للسجون في مخيمات تندوف. هناك قراءة تاريخية تفرض على الدولة السويدية أن تتفهم تركيبة الصراع في المنطقة.. كيف يستقيم دفاعها عن الحق وعن الديموقراطية إذا هي كانت تشجع الدول التي لم تتقدم، ولو بوصة، على الطريق الصحيح؟ 4- في جميع التجارب، والسويد التي خاضت آخر حرب لها منذ قرنين، 1815، تعرف ذلك ولا شك، لا يكون تشجيع الاضطراب بوابة لتنمية الديموقراطية وحقوق الانسان، بل العكس هو الصحيح. والسويد تعرف أن تشجيع دولة وهمية في منطقة فوق برميل بارود، ليس طريقة لتحريض التاريخ على العقلانية. بل يمكن القول إنها بوابة الجحيم الشمال إفريقي المفتوح! 5- لن يكون الانفصال أزمة مغاربية أو حالة عربية وإسلامية أو شمال افريقية بحتة. أمام السويد دول من صميم الخارطة الأوربية (اسبانيا- تركيا وإيرلندا..) وهي دول سيكون من صالح المغرب أن يتعامل معها كدرع أوروبي لحمايته من الدعوة السويدية للاعتراف بالدول الوهمية. نحن نعرف اليوم التطورات الكاطالانية التي تهدد الوحدة السيادية لإسبانيا، والتي تطورت مواقف دولها ويسارييها واشتراكييها بناء على مصلحتهم الوطنية/. 6 -الحدود التي ندافع عنها في الدول العربية ، الحدود الوطنية لتلك الدول.. تمتد الآن الى .. الصحراء. وهذا ما يجب أن يقوم به المغرب، فهو أرسل جيشه وأبناءه المغاوير الى مناطق ملتهبة، دفاعا عن مشترك عربي، ودفاعا عن حدود دول يعتبرها شقيقة. ومطلوب منها، بعد أن أثبتت أنها قادرة على التأثير في الدولة السويدية، أن تعلن موقفا واضحا من النزاع مع استوكهولم.. 7- السويد دولة ديموقراطية وتقدم نموذجا ناجحا، تقرأه كل الحساسيات السياسية في الغرب قبل العالِم الباحث عن نقطة ضوء تحت سماء الديموقراطية. وبهذا فهي تقدم مثالا وتملك القوة الاخلاقية التي تجعلها تتكلم عن الديموقراطية العالمية. ولا يمكن أن نغفل نحن قوة النموذج السويدي، بدون أن نستصغر أنفسنا أو نقلل من السيادة والشعور بالاعتزاز، فالسويد، يجب أن تعرف على لسان المغاربة .ومن يناصرهم هناك في القارة الأوربية والعالم، أنه لا يليق بها أن تستصغر السيادة المغربية، وأنها تنعم بما تنعم به لأنها قطعت مع فكرة الامبراطورية في آخر حرب مع الدانمارك. وأننا نحن نعاني من عقدة التوسع والهيمنة من طرف جيراننا.. 8- من حق السويد أن تعلن أنها لا تفهمنا: إذا كنا لم نقم بما يكفي للحضور في بلادها وتكريس الدفاع عن قضيتنا. ومن حقها أن تستنكر:أين السفير الذي سيحدثنا عن قضيتكم منذ سنتين؟، أي منذ بدأت تباشير صعود الخضر والاشتراكيين الى سدة الحكم؟ وعلينا أن نفهم أن ذلك قد يكون عدم اعتراف بها، وقد عشنا تجارب من هذا القبيل مع دول كبيرة كالهند مثلا والتي تراجعت عن الاعتراف بعد وصول عبد الرحمان اليوسفي الى الوزارة الأولى.. كيف يعقل أن 90 دولة فقط توجد فيها تمثيلية مغربية من أصل 190؟ ونريد من هذا الفراغ الواسع أن يظل فراغا ولا يملأه الأعداء؟ 9-اختار المغرب أن يتوجه اليسار لكي يكلم صنوه اليسار، وذلك لشعور بأن المشترك السياسي يمكنه أن يشكل أداة ديبلوماسية. ومن حسن حظنا أن اليسار في المغرب، بنسبة عالية، ولد من رحم حركة التحرير الشعبية، وأن الآباء المؤسسين، الأحياء منهم والأموات، هم أيضا الآباء المؤسسون للوطنية المغربية، أولئك الذين دافعوا عن عودة الشرعية السياسية عبر محمد الخامس طيب الله ثراه، وعن الاستقلال الوطني والوحدة الترابية.. ويكون من المفيد أن تستشعر كل الاطراف ضرورة الابتعاد عن كل ما من شأنه إضعاف قوى اليسار لفائدة هذا المشروع أو ذاك، لأن فيه إضعافا لدوره الوطني وإضعافا لمجهوده، وإضعافا للمشروع الوطني برمته. -10 الوحدة الديموقراطية.. لقد تحرك المغرب بناء على ما كان عبد الرحيم بوعبيد يحلم به:نعم نحن صف واحد كالجدار المرصوص، لكننا صف يجب أن يتحرك، وهو كان يقصد رحمه الله الدينامية الديموقراطية التي يعتمد عليها الوطنيون في رفع أصواتهم (كن ديموقراطيا .. وارفع رأسك). والواضح أننا لا نواجه إلا بما نقدمه من عناصر إيجابية في مسيرتنا وبما نقدمه كقناعات ديموقراطية، سواء في حل مشكلة السلطة لدينا أو في الرد على استهداف وحدتنا الوطنية، وستظل الديموقراطية هي حليفنا الأول والأخير..