من المفيد ونحن على أعتاب مرحلة جديدة انتقل فيها التفويض الشعبي لحزب العدالة والتنمية من تدبير الشأن الوطني إلى الشأن المحلي أن نستحضر أطروحة المؤتمر الوطني السابع، الاطروحة القائلة: "شراكة فعالة من أجل البناء الديمقراطي"، وهي الأطروحة التي جاءت تواكب التصور السياسي لمرحلة ما بعد 2011 حيث انتقل الحزب من المعارضة إلى الاغلبية، مما طرح معه آنذاك سؤال مركزي آنذاك: هل أصبحت أطروحة المؤتمر الوطني السادس -المبنية على تحليل للواقع السياسي الذي عرفته بلادنا منذ سنة 2003 المحكوم بسيناريو تراجعي عن المسار الديمقراطي وظهور مؤشرات كبرى على بدايات تغول نزوع تحكمي – ملائمة لتحليل الواقع السياسي لما بعد الربيع المغربي ؟ لقد كان الجواب نعم ولا في نفس الوقت ،فالواقع الجديد آنذاك والمتميز بإقرار دستور متقدم وانتقال الحزب بعد انتخابات 2011 التي بوأته مكان الصدارة، موقع الحزب جعل من غير الملائم مواصلة الحديث عن "النضال الديمقراطي" باعتباره الجواب السياسي الملائم لواقع سياسي تراجع فيه الوضع الديمقراطي والحقوقي في البلاد وبدا البعض فيه يسعى لاستنساخ النموذج التونسي التحكمي. وفي المقابل فإن الواقع المذكور لا يعني أن النضال الديمقراطي قد انتهى فرغم إقرار الدستور الجديد وانتخابات 2011 ونتائجها وحمولتها الديمقراطية وكونها خطوة في المسار الصحيح، فإن عوائق البناء الديمقراطي لم ترتفع كلها، وذلك يعني أن مسار النضال الديمقراطي سيتواصل من خلال موقع التدبير الحكومي خاصة وأن المرحلة هي مرحلة تنزيل مقتضيات الدستور ومقتضياته المتقدمة. أما المستوى الثاني من الأطروحة فيتعلق بمفهوم الشراكة. لقد أكدت الأطروحة أن البناء الديمقراطي هو مسؤولية مشتركة، فمن جهة لا يتصور إصلاح من دون الملكية، ومن دون شراكة مع مكونات المجتمع السياسي ومن دون شراكة مع المجتمع المدني، ومن دون شراكة مع الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين. غير أن الشراكة كمقاربة سياسية ومنهج في تدبير العلاقة مع مختلف الفاعلين لا تمليها فقط اعتبارات تكتيكية مرتبطة بالحاجة الى أغلبية سياسية بحكم أن النظام الانتخابي القائم على الاقتراع اللائحي النسبي، أن هذا المعطى معطى حاضر وله اعتباره. إن الشراكة عند حزب العدالة والتنمية "عقيدة" سياسية – واستخدم هذا المصطلح لبيان عمق اقتناع الحزب بمنهج التعاون على الاصلاح باعتباره ثابتا منهجيا في تفكيره الى جانب ثابت اخر وهو التدرج في الاصلاح – . هي كذلك لأن الحزب مقتنع بأن الاصلاح لن يتحقق فقط من خلال هيمنة حزب وحيد مهما كانت قوته التنظيمية وامتداده الجماهيري وقربه من المواطنين ونظافة وصلاح قياداته ورموزه وأعضائه، بل إن الاصلاح يتحقق حين يتحول إلى دينامية سياسية واجتماعية تتجاوز حزبا معينا كي تتحول إلى ثقافة مشتركة تخترق مفاصل الدولة والأحزاب والمجتمع المدني والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين. وهذا لن يتحقق إلا اذا كانت الاداة الحزبية تتملك وتمارس قيم النزاهة وقيم الديمقراطية، وتحولت إلى إطار حقيقي لإنتاج الأفكار الإصلاحية والأطر القادرة على تنزيلها، وإلا اذا أصبحت رافعة تجر الحياة السياسية والحزبية إلى أعلى . لقد اقترح الاستاذ عبد الله بها رحمه الله، -وهو يراجع معنا مشروع الاطروحة قبيل المؤتمر الوطني السابع-، إضافة كلمة "فعالة" لعنوان الأطروحة الذي اقترحته لجنة الصياغة وهو: "شراكة في البناء الديمقراطي: من اجل التنمية والكرامة والعدالة الاجتماعية"، وبرر الأستاذ عبد الله بها رحمه الله ذلك، بمعطيين: أولهما: أن مهام البناء الديمقراطي لا تنفي استمرار موجبات النضال الديمقراطي وثانيهما: الدور الريادي للحزب في هذا البناء والمسؤولية الملقاة على عاتقه في هذا الاتجاه. واليوم يصبح من اللازم استحضار هذه الأبعاد بعد انتخابات يوم 04 شتنبر والخلاصات والرسائل التي يتعين استخلاصها، منها : - كرست بوضوح أن الإرادة السياسية في المغرب قد اختارت دون تردد تعميق مسار الاصلاح والمضي به الى نهاياته وتكريس الخيار الديمقراطي ومواصلة مقتضياته على مستوى البناء المؤسساتي بالرغم من سياقات المحيط غير الملائمة ومواصلة الإنصات والتجاوب مع تطلعات المواطنين نحو مغرب أفضل . اليوم تحسب للقرار السياسي نقطة إضافية في رصيد مصداقيتها حين أطلقت منذ خطاب 09 مارس 2011 دورة اصلاحية جديدة، من خلال سحب الدولة لتدخلها المعهود في العملية الانتخابية وصناعتها بطريقة قسرية، ولزومها الحياد الكامل خلال كل مراحل العملية الانتخابية رغم ما ينعت به أحيانا سلوكها هذا بكونه حيادا سلبيا. - تحرير عملية التنافس السياسي حيث لم تعد السلطة السياسية في حاجة الى احزاب "وظيفية " أو "ادارية " للاضطلاع بدور ضابط الايقاع وضمان التوازن، أو إلى حزب "تحكمي" جاء كي يعبر بوضوح منذ اليوم وبفجاجة أن وظيفته هي مواجهة الخطر الذي يمثله حزب العدالة والتنمية، وإلى التدخل من أجل تحديد حجم مشاركة هذا الأخير من اجل ضمان " التوازن " المذكور، وبالتبع تهافتت بعض "التحاليل" التي عادت لتتحدث بشكل مغرض عن مخاطر "اكتساح" حزب العدالة والتنمية للمدن وكون نتائج الانتخابات تشكل "خطرا على القواعد الضمنية التي تستند إليها العلاقة بين الحزب الإسلامي والقصر. وان لامتداد الشعبي للحزب مشكل حقيقي للقصر الذي يريد نظام تعددية حزبية متحكم فيه" كما جاء ذلك على لسان جريدة " لوموند" الفرنسية. - أكد الناخبون أنهم في مستوى الشراكة وأنهم عنصر فاعل فيها. لقد أرسل الناخبون رسالة واضحة مفادها: أن الشعب هو الاخر قد جدد توجهه الذي عبر عنه خلال سنة 2011 من خلال ثورة الصناديق، أي أنه يزكي خيار الاصلاح في نطاق الاستقرار. لقد وجه مجددا رسالة من خلال ثورة الصناديق الثانية إلى أدوات التحكم وبيادقه وطرده شر طردة من حواضر المملكة الأقل تأثرا بعوامل الإفساد الانتخابي في انتظار أن يلاحقه إلى هوامش المدن والى العالم القروي، وهو الاستحقاق السياسي والنضالي للمرحلة القادمة ونقترح ان يكون محور اطروحة الحزب في مؤتمره الثامن الى جانب تعزيز مسار البناء الديمقراطي - ورسالة اخرى أساسية مرتبطة بالرسالة هي: لقد طردنا الفساد من الباب فلا ترجعوه من النافذة وعليكم ان تحترموا ارادتنا . جواب حزب العدالة والتنمية: رسالتكم وصلت وجوابنا عليها: اننا حيثما اعطيتمونا الصدارة فإننا سنحرص على أن نكون في التدبير، ولن نتنازل عنه ولو اقتضى الحال أن نرجع للمعارضة، وفي هذه الحالة سنقول لكم: لقد أعطيتمونا تفويضا ناقصا، واتفقنا في تكوين تحالف لأن شركاءنا السياسيين لم يفهموا رسالتكم، ولم يقرؤوها جيدا ومن ثم لم يحترموا إرادتكم، ونحن متأكدون أنكم ستلقنونهم درسا في الانتخابات القادمة وستندمون على تصويتكم المتردد وتفويضكم الناقص. وفي المقابل فانه اذا كان على الحزب ان يحترم إرادة الناخبين فإن على هؤلاء ان ينتبهوا الى أن حزب العدالة والتنمية قد اختار منهج الشراكة، ليس فقط كتكتيك انتخابي لتكوين أغلبيات لضمان التسيير، بل باعتباره منهجا ثابتا في تفكيره وتدبيره، ويرفض نهج الهيمنة ويؤمن أنه جاء كي يكون رافعة للجودة والتنافس وإفساح المجال للكفاءات والإرادات الخيرة، ومقتضاه التطبيقي خلال هذه المرحلة الانفتاح على الأقلية وإشراكها في التدبير والانفتاح على المعارضة حتى لو لم تدخل التسيير الجماعي، والأريحية في تدبير التحالفات وعدم الدخول في حسابات صغيرة، كل مع الصرامة في احترام التفويض الشعبي والوفاء لإرادة الناخبين. فكما أننا نسعى أن نكون رافعة سياسية من خلال تجربة التسيير تمكن من اعادة المعنى للسياسة وتعيد الاعتبار للصوت الانتخابي … انه اذن الشراكة الفعالة للبناء الديمقراطي على الصعيد الجماعي !