لا بد للمتتبع لخوض العدول في الآونة الأخيرة أشكالا نضالية مختلفة... من التساؤل عن السر في ذلك، وعن وضعيتهم، ومستوى تعامل المسؤولين مع مطالبهم، وخاصة وزارة العدل... ثم لا بد للمتأمل في فقرات بلاغ وزارة العدل، الذي أشارت إليه جريدة التجديد في عددها 918 الصادر يوم الخميس الماضي، المصادف للإضراب الوطني للعدول، أن يزداد تساؤله وبحثه في هذا الموضوع ؟ وابتداء يجب الاعتراف من باب الإنصاف بفتح الوزارة لباب الحوار مع العدول كما جاء في بلاغها وتعاونها المستمر مع ممثليهم في حل كثير من القضايا في مختلف الدوائر القضائية، وكذا تنسيقها معهم لإخراج مشروع قانون تعديل خطة العدالة، الذي أخذ مساره التنظيمي للصدور حسب بلاغ الوزارة لكن ببطء شديد، كما يعلق العدول. إذن لماذا هذا التوتر والتصعيد والبلاغات المتضادة؟ المسألة باختصار أن العدول لهم تحفظات على الصيغة النهائية لمشروع القانون في بعض ما اشتمل عليه، وفي فصول كانت محل خلاف بين اللجنة الوزارية ولجنة العدول لم تدرج بمشروع القانون، وسجل العدول تحفظهم على عدم إدراجها وظلوا متمسكين بها. وأهم ما لوحظ على مشروع القانون في ما اشتمل عليه: 1 أن توقيف العدل المتابع جنائيا أمام غرفة الجنايات سنة قبل صدور الحكم عليه أمر قاس، ويتنافى مع مبدإ البراءة الأصلية وقاعدة المتهم بريء حتى تثبت إدانته ... 2 أن هيئة العدول التي نص المشروع على إحداثها تكاد تكون فارغة مما يعطيها هيبة وفعالية، وهو المقصود من المطالبة بالهيئة قانونا، أن يكون لها بعض السلطة ولو معنويا حتى تتمكن من مشاركة الجهات الوصية في تنظيم المهنة، وإلا كانت كالآلة المعطوبة... أما ما لم يشمله مشروع القانون ويتمسك به العدول، فأهمه: 1 حق إحداث صندوق للإيداع كالتوثيق العصري ضمانا للأموال التي يمكن أن تودع لدى العدل بموجب قوانين حديثة كقانون الملكية المشتركة، ومدونة تحصيل الضرائب، ومدونة التسجيل... 2 الحق التوثيقي، وهو منح العدول كالتوثيق العصري نسبة من المداخيل التي يدرونها على خزينة الدولة، وتخصيص تلك النسبة للعمل الاجتماعي والتكافلي للعدول. 3 الحق في تأسيس الشركات، وهو مبدئيا حق مكتسب بحكم توثيق العدول لسائر المعاملات إلا ما كان خارجا عن التعامل... 4 حق ممارسة المهنة في إطار شركة مهنية، وهو حق مكتسب كذلك بحكم أن القانون الحالي يفيده في الفصل 1 من المرسوم، الذي ينص على أن مكاتب العدول تتكون من عدلين على الأقل... وقد يقال إن الاحتجاج على وزارة العدل بعد خروج القانون من يدها غير ذي جدوى، ولهذا القول ولا شك وجه من الصواب... لكن احتجاج العدول يمكن قراءته على ثلاثة مستويات: الأول: أن المقصود به ليس وزارة العدل وحدها، وإنما باقي المؤسسات المعنية، كوزارة المالية مثلا والأمانة العامة للحكومة وغيرهما... الثاني: أنه اتجه إلى وزارة العدل، خاصة باعتبارها الوصي على المهنة، وباعتبار ما يمكن أن تقوم به من دور فعال في استدراك ما يمكن استدراكه، ولو خرج القانون من يدها، وقد سبق وعد بذلك للعدول من أعلى مستوى بالوزارة، كما صرح بذلك مرارا النقيب الوطني لهيئة العدول. الثالث: أن من مقاصده إثارة انتباه سائر المعنيين للملف المطلبي للعدول قصد تفهمه ومؤازرته، وخاصة نواب الأمة الذين يعلق عليهم السادة العدول آمالا كبيرة لإنصافهم عند عرض مشروع قانونهم على البرلمان. وهذا هو السياق الصحيح الذي يفسر احتجاج العدول، أنهم وجدوا أنفسهم بعد حوالي عشر سنوات من الانتظار أمام مشروع قانون لا يفي بكل طموحاتهم، ومازال ينطوي على ما يهدد أمنهم واستقرارهم، ويخلو من مقتضيات الحداثة ومواكبة التطورات، مما أثار السخط والتذمر في صفوفهم، ولم يسلم منه حتى ممثلوهم الذين اعتبرهم البعض متواطئين في هذا المسار... بل لقد ذهب بهم اليأس أبعد من ذلك، إذ اعتبر بعضهم أن هناك من يدفع بالخطة إلى التقزيم لصالح التوثيق العصري، ومنهم من اعتبر أنه في إطار اتجاهات علمانية، هناك من يدفع بها في اتجاه القضاء عليها كمؤسسة الوكيل الشرعي... وحينما يسيطر اليأس على النفوس فلا حد لشكوكها ومخاوفها، ولا ضمان لمنع ما قد يترتب عن ذلك من أضرار إلا أن يعاودها الأمان والاطمئنان... وهذا هو واجب المسؤولين الآن، أن يمنحوا لخمسة آلاف قيم على هذه المؤسسة، التي هي من رموز حضارتنا وهويتنا... ما يشعرهم بالأمان اللازم لاستقرار أي قطاع وأي مجتمع... وإذا كانت وزارة العدل كما جاء في بلاغها تفتح باب الحوار، وتحرص على مصالح العدول وتحسين أوضاعهم المادية والمعنوية باعتبارهم من مساعدي القضاء، مع الحرص على تأمين مصالح المواطنين... فإن العدول، الذين يثمنون هذه التصريحات، لا يمكنهم ولا ينبغي لهم أن يغلقوا باب الحوار، ولا أن يكونوا ضد المصلحة العامة... غير أنهم يريدون أن يروا نتائج ملموسة للحوار، وإلا فإن حوارا بلا نتائج كلا حوار أصلا... وإذا كانت القاعدة العامة لعلاقة الوزارة بالعدول وممثليهم هي الحوار والتشاور والتعاون في السنوات الأخيرة، وأن غير ذلك استثناء سرعان ما يزول بفضل حنكة الوزارة وتفهمها وحكمتها، وكذا وعي السادة العدول وانضباطهم وتقديرهم للمصلحة العامة، فإن الواجب الآن تأكيد هذه القاعدة ونزع فتيل التوتر والتصعيد خدمة للصالح العام، فهل من تفهم وحكمة يستجيبان لهذا النداء، وهل من وعي وتقدير يشجعان تلك الاستجابة؟ جواد بنامغار عدل بهيئة العدول بالقنيطرة باحث بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس