خلاصة رد الفعل الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية وحكومتها وحركة فتح التي تقودها على العمل الإرهابي الذي ارتكبه المستوطنون اليهود غير الشرعيين في قرية دوما بالضفة الغربيةالمحتلة فجر اليوم الأخير من شهر يوليوز 2015 هي حرمان الشعب الفلسطيني من حقه المشروع في الدفاع عن النفس، وليس في ذلك أي عزاء لأهالي دوما. لقد لخص نائب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب رد الفعل ذاك بقوله ل"صوت إسرائيل" يوم الثلاثاء الماضي إن السلطة الفلسطينية لن "تدعم ارتكاب اعتداءات (فلسطينية طبعا) على أهداف إسرائيلية" وسوف "تواصل التصدي لكل من يحاول إفشال توجهها السياسي". وفي مقال له في اليوم ذاته لخص مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات "مسارات" برام الله هاني المصري "الرد الرسمي الفلسطيني" بأن "كل ما يهمه أكثر من أي شيء آخر" هو "تجنب المواجهة" مع الاحتلال ودولته، قبل أن يستدرك بقوله إنه "لا مفر من خوض المواجهة" لأن "سياسة تجنب المواجهة المفروضة على الفلسطينيين من جانب قيادتهم" سوف تقود إلى "استمرار وتوسيع الجرائم والاعتداءات ضد الفلسطينيين". طبعا كان للمنظمة وحكومتها وفتح ردهم. ف"على الصعيد المحلي"، كما قال عضو مركزية فتح محمود العالول، "قمنا بتشكيل عدد من لجان الحراسة في بعض القرى الفلسطينية المقامة على نقاط حساسة مع الاحتلال الإسرائيلي"، لكنه لم يوضح ما هي وسائل الدفاع التي وضعت في أيدي مثل هذه اللجان وما إذا كانت مجرد حراس مجردين من أي سلاح في مواجهة مليشيات المستوطنين المسلحين والمدربين على السلاح. والمفارقة أن حركة فتح – - التي، كما كتب القيادي في الحركة نبيل عمرو، "اندمجت بلا ضوابط" اندماجا "مطلقا" في المنظمة والسلطة الملتزمتان ب"التنسيق الأمني" مع دولة الاحتلال ضد أي مقاومة لها – - هي التي تدعو إلى تأليف لجان الحراسة. ومن حديث لهذا الكاتب مع ضباط أمن أثناء زيارة تضامنية مع أهالي دوما يوم الخميس الماضي يتضح أن الإعلان عن تأليف "لجان الحراسة" لا ترجمة ملموسة له على أرض الواقع، وأن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية تخشى استغلالا جنائيا لها إذا ما سمح بتأليف مثل هذه اللجان من دون تنسيق معها، بينما عبر بعض الأهالي عن خشيتهم من استغلال أجهزة الأمن الفلسطينية لهذه اللجان من أجل مراقبة أي مقاومة محلية فعلية للاحتلال ومستوطنيه، لكن معظمهم لا يرى فيها أكثر من صفارة إنذار يتم إطلاقها بصوت بشري للتحذير من هجمات المستوطنين حتى "يغير" الله الحال الفلسطيني بحال أفضل. وقال المتحدث الرسمي باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية اللواء عدنان الضميري إن "الأمن الفلسطيني ومنظومة العدالة الفلسطينية" سوف يلاحقون "عصابات الإرهاب والمستوطنين المسؤولين عن الاعتداءات على المواطنين … بالإجراءات القانونية"، من دون أن يوضح ما إذا كان المقصود بهذه الإجراءات الفلسطينية أم الإسرائيلية أو الدولية منها. ومن دون أن يوضح الضميري كذلك ما هو الدور المناط بقوى الأمن الوطني التي يعادل عديدها عديد جيوش عربية وغير عربية والتي تلتهم الحصة الأكبر من ميزانية السلطة بحجة حماية الشعب الفلسطيني، وهذه مسؤولية اقتصرت حتى الآن على حماية الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال المباشر من نفسه ولم تستطع تجاوز "التنسيق الأمني" مع الاحتلال ودولته ومستوطنيه لتحميه منهم، بينما يستمر هذا "التنسيق" في مطاردة أي مقاومة فعلية للاحتلال يمكنها أن تكون في الأقل رادعا لإرهاب مستوطنيه. أما خارجيا فقد أعلن "الرد الرسمي الفلسطيني" مخاطبته للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والمفوضية العليا لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان في الأممالمتحدة بشأن جريمة عائلة الدوابشة في قرية دوما ومطالبته بالتحقيق فيها. كما وضعت "دولة فلسطين" هذه الجريمة على جدول أعمال اللجنة الوزارية لمبادرة السلام العربية في الجامعة العربية التي اجتمعت في القاهرة يوم الأربعاء الماضي بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقرر وزراء الخارجية العرب المشاركون في الاجتماع "إجراء مشاورات عربية ودولية لطرح مشروع قرار أمام مجلس الأمن (الدولي) بشأن الجرائم الإرهابية للمجموعات الاستيطانية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني" كما قال الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي لأنه "يتعين في هذه المرحلة التفكير جديا في توفير حماية دولية حقيقية للشعب الفلسطيني"، وقرروا أيضا "دعوة المجتمع الدولي إلى وضع المجموعات الاستيطانية الإسرائيلية على قوائم المنظمات الإرهابية وملاحقة أعضائها أمام المحاكم الدولية". لكن كل أطراف "الرد الرسمي الفلسطيني" يدركون تماما الطريق الدولي المسدود الذي يواجهه مطلبهم القديم المتجدد بتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني، فهذا المطلب لم يلق إلا آذانا دولية صماء منذ النكبة الفلسطينية عام 1948 ومنذ احتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967. إن دعوة مسؤولة الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني "السلطات الإسرائيلية" إلى "اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية السكان المحليين"، أي عرب فلسطين، ومطالبة المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون لها "بتقديم مرتكبي هذا العمل الإرهابي إلى العدالة"، ليستا إلا دعوة ومطالبة تندرجان في سياق "الإدانة اللفظية" التي "لم تعد مقبولة" لأن "المطلوب" هو "خطوات عملية تؤدي إلى محاسبة المجرمين وإنهاء الاحتلال" كما قال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، ما يسوغ الاتهامات الموجهة ل"الرد الرسمي" داخليا وخارجيا بعدم الجدية وعدم الجدوى. لقد حمّل الرئيس عباس في كلمته أمام اجتماع لجنة متابعة مبادرة السلام العربية "الحكومة الإسرائيلية … المسؤولية كاملة عن الجرائم التي يرتكبها المستوطنون" لكنه لم يعدّها "شريكا" فيها إلا "إذا لم تقم الحكومة الإسرائيلية باستدعاء مرتكبي جريمة عائلة الدوابشة والتحقيق معهم ومعاقبتهم"! غير أن رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو وافق لأول مرة على تطبيق الاعتقال الإداري من دون محاكمة على اليهود المشتبه في تطرفهم، واعتقل أحد الجناة في جريمة دوما وبدأ التحقيق فيها، وهاتف الرئيس عباس معزيا ومستنكرا، وزار عائلة دوابشة الذين يعالجون في المستشفى كما فعل رئيس دولة الاحتلال رؤوفين ريفلين، ووصفت حكومته رسميا حرق العائلة بأنه "هجوم إرهابي من كل ناحية"، ووصف رئيس المعارضة في الكنيست يتسحاق هيرتسوغ جريمة دوما بأنها "إرهاب من أسوأ الأنواع"، ووعد منسق الاحتلال في الضفة الغربية الجنرال يوآف موردخاي علنا ب"اننا سوف نعثر على المسؤولين عن هذا الهجوم ونجلبهم للعدالة"، وشبه الاستاذ في الجامعة العبرية شلومو فيشر الجناة بأعضاء "الدولة الإسلامية – داعش" حتى يتجنب وصفهم بالنازيين. ومن الواضح أن كل ذلك يسقط الشرط الذي وضعه عباس لاعتبار دولة الاحتلال "شريكا" في جريمة دوما الإرهابية، كما أنه يستبق أي إجراء في المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة الجناة في دولة الاحتلال، كما طالب الاتحاد الأوروبي وأمين عام الأممالمتحدة… والرئيس عباس. غير أن رئيس مجلس قروي دوما عبد السلام أبو علان عبر عن نبض الشارع الفلسطيني وقناعته برفضه مثل هذا الخطاب الذي يفصل بين إرهاب دولة الاحتلال وبين إرهاب مستوطنيها في مستعمرات الضفة الغربية عندما قال إن مثل هذه "الاعتداءات تنفذها مجموعات منظمة تقف خلفها بنية هرمية إرهابية… بينما تمر دوريات الجيش الإسرائيلي وكأنها لا تراها". فالمستعمرات الاستيطانية التي تضم الآن ثلاثة أرباع مليون مستوطن في الضفة الغربيةالمحتلة عام 1967 وبخاصة في القدس اقيمت بقرارات من حكومات دولة الاحتلال وما زالت "تنمو" ديموغرافيا وتتوسع جغرافيا كحواضن حيوية للتطرف والإرهاب والعنصرية بحيث باتت هي "صانعة الملوك" والسياسات في انتخابات دولة الاحتلال ليتحول مستوطنوها إلى وزراء ونواب وقادة في الجيش وصناع قرارات. ودولة الاحتلال الإسرائيلي هي المستعمرة الاستيطانية الأكبر التي نجحت الحركة الصهيونية في إقامتها حتى الآن، ولا يسع الذاكرة الوطنية الفلسطينية إلا أن تقارن بين الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد عرب فلسطين من أجل إقامتها وبين الأعمال الإرهابية التي ترتكبها عصابات المستوطنين اليوم لاستكمال تهويد فلسطين. أما الأصوات الدولية والعربية والفلسطينية التي تطالب دولة الاحتلال وحكومتها وجيشها ب"حماية السكان المحليين" من عرب فلسطين فإنها تبدو فاقدة الذاكرة في أحسن الأحوال أو متواطئة في أسوأها حين تتوقع أن تكون العصابات الإرهابية الصهيونية التي تحولت إلى جيش اليوم أكثر حرصا من جيش الانتداب البريطاني على حمايتهم، أو حين تتوهم أو تحاول ايهام الآخرين بأن الاحتلال والاستعمار الاستيطاني بالقوة القاهرة يمكن أن ينتهيا بغير القوة والمقاومة. إن القيادة الفلسطينية التي "تتجنب المواجهة" مع الاحتلال ودولته على الأرض و"تواصل التصدي لكل من يحاول إفشال توجهها السياسي" قد أسقطت البندقية التي كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يحملها بيد من أجل ممارسة شعبه لحقه المشروع في الدفاع عن النفس بعد أن كسرت دولة الاحتلال يده التي كانت تحمل غصن الزيتون. ولا أحد من الفلسطينيين يحمّل الرئيس عباس فوق طاقته ليطالبه بدور صلاح الدين الأيوبي أو بدور الثائر تشي جيفارا في الظروف العربية والدولية السلبية الراهنة، لكن الرئيس الفلسطيني وقيادته مطالبون بان لا يلعبوا دور قوة فصل بين شعبهم وبين الاحتلال ودولته وهم مطالبون بأن يطلقوا العنان لشعبهم كي يمارس حقه المشروع في الدفاع عن النفس. واستمرار هذه القيادة في حرمان شعبها من حقه المشروع في الدفاع عن نفسه يوسع الفجوة بينها وبين شعبها ونتائجه عكسية على القضية الفلسطينية، فهذه السياسة هي "أقصر الطرق لحدوث الانفجار الداخلي والفوضى والفلتان الأمني … وإلى اعتماد المقاومة المسلحة التي ستصبح الرد الوحيد الذي يشفي الغليل" كما كتب هاني المصري.