الأحداث أثار بيان الاستقالة من حركة فتح المذيل بتواقيع أسماء الكثير من القيادات المحلية، الكثير من الاهتمام الإعلامي ، ورغم أن الاستقالات احتوت على الكثير من الأسماء الوهمية والمركبة ، إلا أن البيان احتوى على تحليل دقيق للازمة التي تعايشها حركة فتح ، ولا يمكن فصله عن الأحداث المتتالية في الضفة وغزة، وأهمها : 1- حل فتح لنفسها في مدينة جنين بسبب سوء تعامل اللجنة المركزية مع إقليم جنين 2- إطلاق النار على عدد من المسئولين والإعلاميين 3- التخريب المتعمد لعدد من الوزارات والمكاتب الإعلامية 4- بيانات التخوين والتشهير بالعديد من الأسماء البارزة 5- الاعتداء على مقري الاستخبارات العسكرية والشرطة الفلسطينية في غزة 6- خروج مظاهرة فتحاوية في غزة تندد بأعضاء اللجنة المركزية في الحركة المظاهر وقد تمثلت مظاهر الخلاف داخل حركة فتح بالأشكال التالية: 1- حجب أو إعطاء الثقة لحكومة أبو مازن 2- تبني العمليات من قبل كتائب شهداء الأقصى، ثم نفي ذلك من قبل حركة فتح 3- خلاف فيمن يمثل حركة فتح في حوار القاهرة وحدود التعاطي مع ذات الحوار أو مع بقية الفصائل 4- خلاف الاختصاص بين القدومي ونييل شعث حول تمثيل الخارجية 5- خلاف السيطرة على الأجهزة الأمنية وتنافس هذه الأجهزة فيما بينها 6- مطالبات الإصلاح داخل حركة فتح ، كما سمعنا على لسان العديد من المسئولين والمحتجين والتي توجها بيان الاستقالة الأخير جذور الأزمات اولا : حقبة النشوء والثورة 1965-1993 لقد مكنت الدعوة الى الكفاح المسلح وتحرير فلسطين حركة فتح سنة 1965 إلى سرعة الانتشار وقوة الحضور ، وتبدى الفعل العسكري كبديل واقعي وعملي أكثر استقطابا من الجدل الفكري ، ولكن الغياب التهديفي لدى الحركة ، افرز ازمات متوالية داخلية سنة 1972 بعد تبني الحركة (للدولة الفلسطينية العلمانية) ، وسنة 1974 بعد تبني(البرنامج المرحلي لتحرير فلسطين) ، تلاه انشقاق في سنة 1983 بعد(القبول بقرارت مجلس الأمن المعترفة بإسرائيل) ثانيا :حقبة السلطة والثروة (اوسلو) 1993-2001 امتازت هذه الحقية بثلاث أزمات : أ- تمركز الصلاحيات بيد مؤسسة الرئاسة نتاج القوة الدستورية والتنظيمية مؤسسا لها الشرعية التاريخية التي يتمتع بها(ياسرعرفات) ب- ازدواجية الصلاحيات وتضارب القرارات بين أجسام ومؤسسات(منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وحركة فتح) ، مما خلق تشابكا ثلاثي الأبعاد ب- انتقال حركة فتح من الثورية إلى السلطوية ، أحدث أضرارا في فهم فتح لذاتها وفهم الشعب الفلسطيني لها .. افرز كل ذلك أزمة قيادة فلسطينية دائمة الاضطراب،لا يضبط قرارها عمل مؤسسي بل هي اقرب لمحاكاة نفوذ وإرضاء شخوص ومراكز قوى يلعبها ويمسك خيوطها الرئيس ياسرعرفات رئيس حركة فتح والمنظمة وكذلك السلطة. ثالثا : حقبة توراث السلطة والثروة (مابعد اوسلو)2001 عجل في بروزهاعدة معطيات : أولا : احتمالية تغييب أو غياب عرفات : بفعل عوامل الطبيعة أو الاستجابة للضغوط الاميركية والإسرائيلية لتغيير القيادة الفلسطينية ، ولاشك أن إبقاء عرفات محاصرا ومعزولا يفتح شهية الكثيرين لوراثته بين متقرب من الاميركان طامعا بالدعم واخر متبني لنهج المقاومة مدركا انه السبيل الوحيد لحماية فتح من التشظي ثانيا : تآكل السلطة ، إما نتاج العجز المالي أو في حال فرض حلول أحادية إسرائيلية أو في حال التورط باتفاقات أمنية جديدة تجعلها في مواجهة مع الحركات المقاومة . ثالثا : فقدان اليسار الصهيوني للحلول الدنيا : التي تلامس ما راهنت حركة فتح على تحصيله ولعل وثيقة "جنيف" ، تؤكد أن الحلول الممكنة إسرائيليا مستحيلة التطبيق فلسطينيا ، وهذا يحصر حركة فتح في خيار إما التساوق التام مع المطالب الإسرائيلية للحفاظ على امتيازاتها أو الانخراط الكلي في فعاليات المقاومة . رابعا : تصاعد قوة حركة حماس : ورغم صحة مؤشرات ذلك الشعبية وأسبابه الموضوعية إلا انه يستخدم الآن لتخويف السلطة لتسريع التغيير داخل حركة فتح لصالح التساوق التام مع مشاريع الإجماع الصهيوني . مراكز القوى أولا:قوة ياسر عرفات: لازال عرفات يتمتع بقوة شعبية ومكانة تاريخية عززتها الضغوط الإسرائيلية والاميركية عليه، رغم أنها أضرت بمصداقيته الدولية و أفقدته السيطرة جزئيا على أدواته الأمنية والمالية، وهو رغم جراحه إلا انه لازال المسيطر والأقوى في لعبة التصارع التي تستهدف أساسا صلاحياته وزعامته وسيسعى مستقبلا لتأكيد قبضته من خلال عدة إجراءات تتعلق بهيبة السلطة واحترام قرارته المنتهكة في الكثير من المواقع ، رغم اضطراره مستقبلا لإجراء إصلاحات في تنظيم حركة فتح ولو كانت شكلية ثانيا: قوة محمد دحلان: يعتمد العقيد محمد دحلان المنكاف لمعسكر الرئيس عرفات على علاقات دولية وقدرة مالية وسيطرة على جهاز الوقائي في غزة، والمؤشرات الإعلامية تحمله الكثير من الأحداث المتركزة في قطاع غزة أمثلة ( المظاهرات المنددة ببعض أعضاء اللجنة المركزية، بيان الاستقالة الوهمي، الاعتداء على مقرات الشرطة والاستخبارات )، لكن (دحلان) الذي تشيع الدوائر الإسرائيلية عن ثقة بقدرته على تسلم غزة بعد رحيل قواتها، إلا انه لا يمكنه لها السيطرة على غزة ناهيك عن صعوبة وراثته لزعامة السلطة لعدة اعتبارات: 1- الدعم الاميركي والإسرائيلي يضر به بدل أن ينفعه لدى الشارع لفلسطيني، بل إن هذا الدعم لا يمكن الاعتماد عليه جديا. 2- قوة( دحلان) محدودة في جغرافيا محدودة من قطاع غزة، ومرهونة بقدرته على تلبية مطالب اقتصادية واجتماعية، لا يقوى عليه ،إلا إذا ساعده المصريون في تأكيد زعامته في القطاع بعد انسحاب إسرائيل . 3- القوى الإسلامية والوطنية الأخرى لن تناصره وستقف ضده - ولو شعبيا - إذا ما تبين أن سيطرته تعني وقف مقاومتها وقمعها 4- دحلان لاعب مهم ولكن المتنافسون ضده كثر في غزة، أما في الضفة فان قوته اضعف واللاعبون أكثر وربما أهم ثالثا: قوة كتائب شهداء الأقصى: تتمتع هذه القوة بوزن معنوي وشرعي أقوى من الأجهزة الأمنية كونها تقاوم الاحتلال من جهة وشبابها من الثائرين على النهج التقليدي في حركة فتح، ولكن هذه القوة تعاني من إشكالات تحول دون تمتعها بقوة ضاغطة بسبب تعدد مجموعاتها وضعف تمويلها وعدم اتفاق السلطة مع كل عملياتها، ونجاح السلطة في السيطرة على بعض فعالياتها بما ينسجم مع الموقف السياسي والقبول الدولي ، وعليه فان هذه القوة تحظى بالقوة المعنوية دون شك ، إلا أن أدائها مرتبط بالمقاومة، وهي رغم تشتتها إلا أنها ترصد كقوة لصالح مؤسسة الرئاسة ، وفي حالة غياب عرفات ، فان هذه القوة سيحاول كل طرف استمالتها لصالحه ليؤكد وطنية أهدافه ، ونظرا لتشتت هذه القوة فان جزء لا باس به منها سينخرط في لعبة التصارع ، وجزء آخر سيحاول حرف التصارع الداخلي من خلال عمليات نوعية ضد الاحتلال . رابعا : قوة تنظيم حركة (فتح) : تعاني هذه القوة من تماهي قرارها مع السلطة وارتباط رجالاتها بمؤسساتها ، بالإضافة إلى غياب رموزها بفعل السجون ولذا فقدت هذه المؤسسة الكثير من قدرة تأثيرها ، ورغم الأصوات الكثيرة المنادية فيها للتغيير وضرورة تفعيل مؤسساتها ، إلا أن أصواتها موزعة بين طامع بالسلطة وحريص على الحركة ، وحتى الإصلاحات المتوقعة فيها فإنها ستبقى شكلية ولن تصل للحدود الجوهرية، مما يرشح توزعها في حال استفحال الأزمة وتأكد غياب عرفات لصالح محاور مختلفة أو انزواء البعض أو التحاق آخرين بركب الحركات الأخرى ، ورغم كل ذلك فان هذه المؤسسة من الممكن أن تكون فاعلة في حالة انخراطها كليا بالمقاومة و رضاها بقيادة جماعية فلسطينية ، أما تمسكها بالسلطة و التسوية وأنصاف المقاومة فسيكون دون شك عامل فتنة دائم لها ومرضي فقط لبعض فئاتها . خامسا : قوة الأجهزة الأمنية: تبقى هذه القوة مؤثرة على الرغم من ضرب بناها وتعددها بل وتضاربها ، لأنها قوة تضم في جنابتها كوادر حركة فتح الذين يملكون السلاح والمال ، ويتعزز ولاء هذه الكوادر لصالح هذه الأجهزة في ضوء الضعف الذي تعاني منه البنية الحركية ، وستبقى هذه القوة في حوزة ونفوذ مؤسسة الرئاسة رغم تأكل السيطرة التامة عليها، ولكن في حال استفحال الأزمة وغياب (الرئيس عرفات) فان هذه القوة ستتوزع بين محاور كثيرة تحاول استمالتها . فاعلية هذه القوة اكبر في غزة بعكس الضفة ، نظرا لكون القوات في غزة لازالت منظمة ومسلحة ، بينما في الضفة فالظروف مختلفة مع تشتت جغرافيتها وقلة سلاحها ، والغلبة هناك ستكون للولاء الحركي على الولاء العسكري. سادسا :قوة الجغرافيا والقبيلة : يؤثر الثقل الجغرافي و الوزن العائلي بشكل اكبر على حركة فتح اكثرمن غيرها من الحركات الفلسطينية ، وهذه القوة رغم أهميتها في التحشيد الشعبي للمؤسسة الحركية إلا أنها ستكون عاملا مغذيا للتصارع الفتحاوي الداخلي ، نظرا لان الاستقواء من أي طرف به يمكّن العنصر القبلي والجغرافي من التحكم بالحركي والعسكري بدل أن يحدث العكس ، بما يبقي التصارع قائما ذاهبا في مطالبه إلى أقصى الحدود . المحاذير لقد أثبتت حركة فتح قدرة على التوحد على قاعدة المقاومة، ولاشك أن معاناتها وتفاعل انقساماتها وتجاذباتها بدأت فعليا بعد اتفاقية اوسلو وسلخها عن واجبها التحريري الجوهري لصالح البناء الوطني الوهمي، وهنا يجب التنبه إلى التالي: 1- اللعبة الإسرائيلية التي تحرض ذاك وتغري ذاك، وجل أهدافها جعل التصارع داخل حركة فتح مدخلا للفتنة الفلسطينية الكلية من جهة وتحضير الأرضية لزعامة بديلة متساوقة تماما مع مطالبها الأمنية وحلولها الأحادية . 2- حرص الدور العربي وتحديدا المصري على ائتلاف الشمل الفلسطيني، والحذر من المطالب الاميركية التي تريد لهذا الدور إن يكون ممرا يحضر إما لتذكية مراكز القوى أو استحداث قيادة قابلة ومستسلمة للمطالب الإسرائيلية وتحديدا الأمنية لأنها مفتاح للفتنة من باب آخر. 3 - الحذر من لعبة التخويف من حركة حماس، التي تمارسها إسرائيل بقصد تذكية الاقتتال الداخلي وحرف الفلسطينيين عن وحدتهم ومقاومتهم، وبالمقابل يجب على حركة حماس تأكيد حرصها على المقاومة والوحدة قبالة الدعاية الإسرائيلية التي تظهرها وكأنها حريصة على السلطة . 4- جعل الانسحاب الإسرائيلي من مستوطنات غزة –إن حدث- فرصة لتأكيد قدرة الفلسطينيين على التوحد المقاوم القادر على صنع الانتصار،ومن الممكن هنا تقليد التجربة اللبنانية على غرار بقاء المقاومة تمارس دورها في ردع العدوان ، وبقاء السلطة عنوان للحوار مع المجتمع الدولي في حماية ظهر المقاومة . 5- قطع الطريق على الفوضى المحتملة بالشروع في حوار وطني شامل مع جميع القوى الفلسطينية لإدارة الحياة،وتعزيزالعمل المقاوم المشترك في بعض المحطات . لقاء دحلان –عرفات لقاء (دحلان – عرفات) لا ينفي الأزمة بل يشير بجلاء إلى عمقها، وهو لن يخرج عن البرتوكول التقليدي الذي يفيد كل طرف،فقد حرص دحلان وكذلك عرفات على عدم إشاعة ما يضمر للآخر إعلاميا ، وتحديدا دحلان الذي يدرك قوة وشرعية عرفات التي قواها الحصار الإسرائيلي، واللقاء الأخير الذي جرى بعد مطالبات داخلية ومن معسكر الطرفين ، وهو برأينا يؤكد الأزمة ولا يحلها لعدة أسباب : الأول :اللقاء يعزز من موقع دحلان وكأنه ند لعرفات ، وفي المقابل يعزز موقف عرفات بأنه القائد الذي يأتي إليه الجميع . الثاني :الأزمة كما سبق وأوضحنا اكبر من لقاءات وتوزيع ابتسامات ، ولعل غمز دحلان عن اللجنة المركزية لحركة فتح بعد اللقاء يشير إلى فشل اللقاء وليس العكس الثالث : الأزمة مركبة ويختلط فيها الهم البرنامجي والإصلاح الإداري والمصالح الشخصية وكل ذلك تلعب فيه مراكز وتؤثر فيه دول، واللقاء بحد ذاته ليس حلا الأفق أزمة حركة فتح مؤكد تسارعها والتعجيل بها سيكون على أشده في عدة حالات : 1- تغييب أو غياب عرفات 2- انهيار السلطة 2- التوافق مع اطروحات شارون الأحادية 3- تبني السلطة رسميا لاتفاقية( جنيف ) أو مشابه لها. إن التقليل من مخاطر هذا التصارع ضروري لان تداعياته على الداخل الفلسطيني خطيرة و قد يكون ذلك ضمن التالي: 1- إجراء إصلاح داخلي يؤكد وضوح البرنامج التحريري لحركة فتح قبل أن يفرز وارثين لان الأزمة هي برنامج وليست مناصب 2- تصدير التصارع الداخلي لأسباب هامشية إلى مقاومة لمكونات الاحتلال صاحب الأسباب الجوهرية 3- الرضى بقيادة جماعية فلسطينية على قاعدة القواسم المشتركة بقي أن نقول إن عدم حل هذا التصارع والخروج من دائرة فوضى القرار والموقف في حركة فتح ، سيؤدي حتما إلى انقسام حركة فتح إلى ثلاث دوائر واحدة منعزلة سلبيا عن الموقف والهم الوطني وأخرى منحازة لمقاومة فاعلة ومتشابكة مع غيرها ، وأخيرة منحازة لتسوية متطرفة بتنازلاتها إبراهيم أبو الهيجاء كاتب وباحث فلسطيني