إنها غريزة فطرية لديمومة الحياة، واستمرار النسل، ليس هذا فحسب، بل إنها مقصودة بذاتها، فهي متعة إنسانية راقية، محاطة بالكثير من الأدب والذوق وليست شهوة حيوانية بهيمية مجردة، ولقد ارتقى بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى مرتبة أن تكون من الصدقات، وأن يذكر عليها اسم الله جل وعلا، وكان من سنة الأنبياء أن جعل الله –سبحانه وتعالى- لهم أزواجاً وذرية، قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّة) [الرعد: من الآية38]. وهناك أشياء تؤثر في اندفاع الإنسان نحو الشهوة: أولاً : المشاهدة والنظر، فكثرة النظر وإدمانه يشحذ الرغبة والشهوة عند الجنسين؛ ولهذا قال الله جل وعلا: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [النور: من الآية30]، وقال سبحانه وتعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُن) [النور: من الآية31]. إن النظر هو البداية، وفي هذا يقول الشاعر: كُلُّ الْحوَادِثِ مبْدَاهَا مِنْ النَّظَرِ وَمُعْظمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ وَالْمَرْءُ مَا دَامَ ذَا عَيْنٍ يُقَلِّبُهَا في أَعيُنِ الْعِيْنِ مَوْقوفٌ عَلَى الْخَطَرِ كَمْ نَظْرَةٍ فَعَلَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا فِعْلَ السِّهَامِ بِلا قَوْسٍ وَلَا وَتَرِ يَسُرُّ مُقلتَه مَا ضَرّ مُهْجَتَهُ لا مَرْحَبًا بِسُرُورٍ عَادَ بِالضَّرَرِ ثانياً: العادة، اعتياد الإنسان على المكالمات، أو المشاهدات، أو ممارسة ما يسمى بالعادة السرية، بحيث تتحول من تصريف للشهوة، أو تخفيف من حدتها، إلى نوع من البحث عن اللذة وإثارتها، وقد تحدث مشكلة للفتاة بزوال بكارتها أحياناً، وغالباً ما يصحبها عند الأولاد والبنات شعور مفرط بالمهانة واحتقار الذات، والغريب أن هذا الشعور لا يحدث عندما تقع البنت أو الولد في الكذب مثلاً، أو الغيبة والنميمة، أو عقوق الوالدين؛ مما يدل على أنه شعور نفسي، أكثر منه شعوراً إيمانياً. ثالثاً: العلاقة غير الشرعية، وذلك بوجود ارتباطات عاطفية تتطور إلى خرجات، وخلوات، وهنا يتم ابتزاز الفتاة بالتسجيل عليها، أو التصوير، أو ما أشبه ذلك؛ لمزيد من الإذعان والاستغلال. الحلول أولاً: بناء النفس بناءً شرعياً أخلاقياً، والمجاهدة في ذلك؛ فإن الله جل وعلا جبل الإنسان على المجاهدة، ووعده بالعون، والمؤمن يقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ؛ هذا هو الشق الأول، والثاني: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، ويقول الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت: من الآية69]، ويقول جل وتعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) [العنكبوت:9]، فتحتاج الفتاة إلى: مجاهدة، وصبر، ومصابرة، وطول نفس... (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200] . والله -سبحانه وتعالى- للمؤمن الصادق خير معين. ثانياً: بناء النفس عملياً وحياتياً، بالخبرات والقراءة والعمل وتنمية المواهب والابتكار والإبداع، والأعمال النافعة، ورفع مستوى هذه القوى المدخرة، والاهتمام القوي بالأعمال التي تستنزف الوقت والجهد، وتكون نافعة للإنسان في دينه أو دنياه. ثالثاً: الاستغفار؛ فإن الله جل جلاله وعد المستغفرين بالمغفرة، وقال سبحانه وتعالى: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: من الآية53]، وقال جل وعلا: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:135] . ومن لزم الاستغفار، جعل الله -سبحانه وتعالى- له من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب. رابعاً: الإشباع الحلال بالزواج، وتيسير أسبابه، قضاءً على الفراغ العاطفي لدى الجنسين، وحفظاً لهما من المؤثرات والمثيرات المختلفة. خامساً: عدم اللعب بالنار؛ فإن لمسةً ملتهبة من شاب لفتاة يمكن أن تساهم في تغيير مصيرها، خصوصاً إذا استطاعت هذه اللمسة أن تلهب مشاعرها، وتحرك الأحاسيس الكامنة بداخلها، وتحولها إلى قارة مكتشفة؛ ليصبح جسدها منطقة للمتعة ترسو على شواطئها سفن الرجال، أو قطعة مكشوفة من الحلوى يتهافت عليها الراغبون؛ ولذلك أقول -للفتاة الكريمة-: احذري الكأس الأولى فهي مسمومة، ولا تقبلي الابتزاز، بأي حال من الأحوال. إن هذا الشاب غير مستعد لأن يفضحك؛ لأن فضيحتك فضيحة له هو أيضاً، وحتى لو عمل ما عمل، فإن هذا لا يضيرك؛ فإياك أن تُذعني لما يقول. سلمان بن فهد العودة