لا تعليم بدون تربية إن مهمة التعليم ترتبط بشكل وثيق مع التربية، إذ لا يمكن تخيل الأولى دون الثانية. فالمدرس إذن يلقن مادة ما، لغة عربية كانت أو رياضيات أو فيزياء أو غيرها، لكنه في الوقت نفسه مربي و مؤدب لتلامذته، بل ربما كانت مهمة التربية في بعض الأحيان أكثر أهمية و أشد خطورة، خاصة حين يضعف سلطان الأسرة أو تتخلى عن واجبها في تقويم ما قد يعتري أخلاق الطفل و المراهق من اعوجاج. لكن يظهر أن بعض الأشخاص، من الذين ولجوا ميدان التعليم، هم أبعد الناس عن التربية و أمورها. قد يكون مقبولا أن يبقى المدرس محايدا في مسألة التربية هذه، مكتفيا بتلقين المادة التي يدرسها، لكن من غير المقبول تماما أن يتحول هو نفسه إلى معول يهدم أخلاق تلامذته، فيربيهم على أسوأ الأخلاق و أقذر الصفات. و هكذا، من حين لآخر يتناقل الإخوة الأساتذة خبر مدرس هنا أو هناك لا يتورع عن مضايقة بعض الفتيات بقسمه و دعوتهن إلى إقامة علاقة غير شرعية. و أذكر فقط للتنبيه، أن هذه الظاهرة المشينة ليست حكرا على التعليم العالي، إذ طالما سُمع عن أحداث مشابهة بالتعليم الثانوي بل و بالإعدادي أيضا. و إذا كان المدرس هو في الوقت نفسه معلما و مربيا، و دوره في توجيه المتعلمين إلى حميد الخصال شيء أساسي، فينبغي الرجوع إلى أصل مهمة المدرس لاستجلاء الأمر و توضيحه. أليس المدرس أولا و قبل كل شيء مربيا يتسلم أبناء الآخرين من أجل تعليمهم و تربيتهم؟ فإذا استغل المدرس المزعوم هذه الأمانة و بدل أن يربي تلامذته على الحياء و مكارم الأخلاق، بادر إلى محاولة إشباع نزواته و ميوله المنحرفة، مستغلا في ذلك وضيفته التعليمية، كان كما يقول الشاعر: و راعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب؟ إن هؤلاء الدخلاء على ميدان التعليم، المفسدين للدور الحيوي لهذه الفئة في المساعدة على تكوين المواطن الصالح، لا زالوا لحسن الحظ قليلين بين هذا الخضم من العاملين المخلصين للسمو بأخلاق تلامذتنا. لكن، و كما يقول المثل المغربي حوتة واحدة كتخنز الشواري، و نخشى أن تطغى صورة الأستاذ الفاسد أخلاقيا على صورة الأستاذ الذي يحترم تلامذته و يعتبر نفسه في مقام الأب بالنسبة لهم، و إن لم يكن بينه و بينهم فارق في السن كبير. و اذكر في هذا المقام ما قاله الشافعي لأبي عبد الصمد مؤدب أولاد هارون الرشيد، عندما طُلب منه أن يوصيه بهم، فقال له ليكن ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاحك نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما تستحسنه، و القبيح عندهم ما تكرهه. ولا ريب أن المدرس المتخلق أحب إلى القلوب و أقرب إلى النفوس، لكن للمدرس الفاسد أعوانا من شياطين الجن و الإنس يساعدونه على الوصول إلى مآربه العفنة. هنا ينبغي أن يكون تدخل الأسر لحماية بناتهن. فليجعل الأب و الأم لأولادهم و لبناتهم ساعة يحاورونهم فيها و يستمعون لهم، فهذا يدخل بالتأكيد في نطاق مسؤولية الأبوين عن أولادهم. فإذا كان الجميع متفقا على مسؤولية الوالدين في توفير المأكل والمسكن و الملبس لأطفالهم، أفلا يتم الاتفاق نفسه على ضرورة حماية أخلاق فلذات أكبادهم من كل ما يخدشها؟ خاليد الرافعي أستاذ بالمدرسة العليا لأساتذة التعليم التقني