مع بداية الدخول المدرسي الحالي يكون إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين قد استكمل سنته السادسة، وسط حديث عن إخفاق في بلوغ الأهداف التي سطرتها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي سنة ,2003 والتي وضعت ضمن أهدافها التعميم في أفق سنة .2012 وفي هذا الإطار يعتبر الأستاذ أحمد بوكوس، عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن تدريس الأمازيغية حقق أشواطا مهمة وسط اختلالات عديدة، معتبرا أن الأرقام التي قدمتها الوزارة الوصية تؤكد الإخفاق في الأهداف المسطرة، وأن الاستقلالية اللغوية للمغرب تحتم الاهتمام باللغتين العربية والأمازيغية والثقافة الناتجة عنهما. برسم السنة الدراسية الحالية يكون إدماج اللغة الأمازيغية في منظومة التربية والتعليم قد أكمل سنته السادسة بعد انطلاقته سنة ,2003 كيف تقيمون حصيلة هذا الإدماج؟ حتى نتمكن من قياس الفرق بين ما كانت عليه الأمازيغية في المنظومة التربوية قبل الدخول المدرسي لسنة 2003/2004 والحالة التي هي عليها الآن، لابد من القول بكل بساطة إنه قبل سنة 2003 لم يكن هناك أثر للأمازيغية لغة أو ثقافة في المدرسة المغربية، إلا أنه على مستوى الجامعة، كان بعض الأساتذة يؤطرون بحوث الإجازة، وما كان يسمى دبلوم الدراسات العليا، وكذلك الدكتوراه فيما بعد، وكانت هناك بعض الفعاليات التي أخذت على عاتقها تأطير بحوث حول الأمازيغية، غير أن هذا العمل كان يقام به في إطار مهام شعب لم تكن اللغة والثقافة الأمازيغيتين من اختصاصها، وكانت الشعب التي تقوم بهذا الدور هي شعب اللغات، واللغات الأجنبية بالخصوص، وقليلة هي الأبحاث التي تم إعدادها في إطار مهام شعبة اللغة العربية وآدابها، كانت هذه هي الوضعية قبل سنة .2003 لكن إذا عدنا ورأينا كيف كانت وضعية الأمازيغية على مستوى منظومة التربية والتكوين في المغرب في فترة الحماية، لابد أن نذكر بدروس اللهجات الأمازيغية والدارجة الفصحى بالإضافة إلى اللغة العربية، كان يؤطرها أساتذة فرنسيون، والمستفيدون منها فرنسيون ومسؤولو إدارة الحماية، وكان فيها مغاربة كذلك استفادوا من هذه الدروس، وحين أحرز المغرب على استقلاله، وتم الشروع في تأسيس الجامعة المغربية توقفت هذه الدروس المتعلقة باللغة والثقافة الأمازيغيتين، وكذا المتعلقة بالدارجة المغربية، فمنذ سنة 1957 و1958 إلى حدود سنوات السبعينيات يمكن القول إنه كان هناك غياب أو تغييب للدراسات الأمازيغية على مستوى الجامعة المغربية، أما على مستوى التعليم الابتدائي فلم يكن هناك أي شيء يذكر. الآن، ومنذ إنشاء المعهد، أصبح تدريس الأمازيغية واقعا، والإرادة السياسية عبر عنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وكان المرحوم الحسن الثاني هو الذي أعلن في خطاب العرش لسنة 1994 عن إمكانية تنظيم دروس في اللهجات الأمازيغية، غير أنه لم يكن هناك تدبير ملموس على مستوى الواقع، إلى أن جاء خطاب العرش لسنة ,2001 ثم خطاب أجدير لنفس السنة، حينها أصبح الحديث على تدريس الأمازيغية، غير أنني أريد تصحيح أمر، هو أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين في بند 115و 116 يوجد الحديث على الانفتاح على الأمازيغية، وفي بند ,115 معناه أن بإمكان الأساتذة الاستعانة بالأمازيغية في المناطق التي تتواجد بها ساكنة ناطقة بالأمازيغية، والتي يوجد فيها متعلمون لا يتقنون اللغة العربية، أي بإمكان الأساتذة توظيف الأمازيغية تيسيرا لتعلم اللغة العربية، وهذه هي وظيفة الأمازيغية كما جاءت في الميثاق، ولكن في البند 116 هناك حديث عن إنشاء بعض المراكز لتحديث اللغة الأمازيغية على المستوى الجامعي، بمعنى أن مقاربة الميثاق مبنية على الحاجة أو الضرورة، وهو من جهة ثانية موكول لإرادة الساهرين على منظومة التربية والتكوين على المستوى الجهوي دون إلزام أو إجبار. ويمكن أن نضيف إلى هذه الوضعية عدم وجود أساتذة مكونين وحوامل بيداغوجية وبرامج بمعنى أن البداية كانت من الصفر، لكن وزير التربية الوطنية آنذاك باتفاق مع محمد شفيق عميد المعهد آنذاك وباستشارة مع مدراء مراكز البحث في المعهد، كان الرأي السائد هو أن نشرف في عملية تدريس الأمازيغية، وبالموازاة نقوم بالمهام الأخرى، بما فيها عملية التكوين وإعداد الحوامل البيداغوجية، وصياغة المنهاج ....وانطلق تدريس الأمازيغية في 317 مدرسة. هل يتوفر المعهد على خريطة رقمية لحصيلة الأمازيغية؟ الأرقام التي نتوفر عليها، والتي تعود إلى وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، تؤكد وجود بطء في تعميم تدريس اللغة الأمازيغية على مستوى المدارس والمستويات، وبالأرقام كان عدد المدارس التي يشملها تدريس الأمازيغية سنة 2009 حوالي 3400 مدرسة، من أصل 7054 مدرسة مستقلة ومجموعة مدارس، ويبلغ عدد التلاميذ الذين يتلقون دروس اللغة الأمازيغية ما مجموعه 521 ألفا و521 تلميذا وتلميذة، من أصل 3 ملايين و492 ألفا و312 تلميذا وتلميذة. وتتوزع الأرقام المشار إليها آنفا بين 186 ألفا و983 تلميذا وتلميذة في السنة الأولى من التعليم الابتدائي، و139 ألفا و 433 في السنة الثانية، و92 ألفا و226 في السنة الثالثة، و55 ألفا و822 في السنة الرابعة، وفي السنة الخامسة من التعليم الأساسي يبلغ العدد 31 ألفا و ,708 وفي السنة السادسة من التعليم الابتدائي يبلغ العدد ما مجموعه 15 ألفا و,8 وفي المجموع 521 ألفا و180 تلميذا وتلميذة يتلقون الدروس في المستوى الابتدائي. من جهة ثانية يبلغ عدد الأطر التي تم تكوينها إلى غاية ,2009 ما مجموعه 12000 من الأساتذة، و300 من المفتشين و558 من المديرين، و75 من الأساتذة المكونين بمراكز تكوين أساتذة التعليم الابتدائي. هذه الأرقام تدل على عدم تحقيق الأهداف المسطرة منذ إبرام الاتفاقية بين المعهد ووزارة التربية والتعليم، ما هي طبيعة الاختلالات التي تقف وراء هذا؟ أجَل هناك اختلالات، فعلى مستوى التعميم، في الوقت الحالي، أي في سنة 2009 في عدد من المدارس الذي لا يفوق 8 في المائة من المدارس إجمالا، أي أن 8 في المائة فقط من المدارس هي التي تستقبل تدريس الأمازيغية، وهو ما يعني أن 92 في المائة من المدارس لا تدرس فيها الأمازيغية، هذا واقع، والواقع كذلك يفرض القول بأن عدد التلاميذ وصل إلى 500 ألف حسب وزارة التربية الوطنية، وهي نسبة ضئيلة، وحين أقول ضئيلة بالنسبة إلى عدد المدارس وبالنسبة إلى عدد المتعلمين فهذا بالقياس مع توقعات وزارة التربية والتعليم نفسها، توقعات سنة 2003 / 2004 كانت تتحدث على أنه في سنة 2012 ستتم تغطية جميع المدارس على مستوى التعليم الابتدائي، ونحن مقبلون على سنة ,2012 ولم نستطع تحقيق الأهداف التي رسمتها الوزارة نفسها. والجانب الثاني من حيث الاختلالات الواردة في مجال تدريس الأمازيغية هو مستوى الموارد البشرية، فهي ضعيفة من حيث الكم ومن حيث تكوينها، فمن حيث الكم جل الأساتذة غير متخصصين، ومعناه أن أستاذا يدرس اللغة الفرنسية أو العربية أو الرياضيات ...، وبجانب هذه المادة يدرس اللغة الأمازيغية، وهذا هو الوضع بشكل عام على مستوى التعليم الابتدائي، لا يوجد أستاذ متخصص، وتبين أنه في غياب الأستاذ المتخصص سيصعب على الوزارة أن توجد الموارد البشرية التربوية الكافية لتحمل هذا العبء، وهذه مهمة صعبة جدا، خاصة وأن الأساتذة الذين يدرسون الأمازيغية حاليا في جزء كبير يبلغ 90 إلى 95 في المائة منهم لم يتلقوا تكوينا في اللغة والثقافة الأمازيغيتين أثناء مرورهم من مراكز التكوين، يعني ينقصهم التكوين الأساسي، وهم مكونون في مواد أخرى، ويتم تكوينهم في إطار ما يسمى بالتكوين المستمر، الذي تقوم به بعض الأكاديميات الجهوية في 3 دورات تكوينية في السنة، مدته 5 أيام، هذا معطى أول، والمعطى الثاني، أن عددا لا بأس به من الأكاديميات الجهوي لا تنظم الدورات التكوينية لفائدة الأساتذة. ما هي الاختلالات التي تواجه إدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية؟ فأما بالنسبة للتعميم فعلى المستوى العمودي الذي يعني المستويات، وصل تعليم الأمازيغية إلى المستوى السادس في المدرسة الابتدائية، وأنشئت كذلك بعض المسالك على مستوى بعض الجامعات، منها جامعة ابن زهر بأكادير وجامعة سايس بفاس، وجامعة محمد الأول بوجدة، ويوجد درس بتطوان، وتوجد بعض المشاريع الأخرى. الإشكال على مستوى الجامعة هو عدم وجود أساتذة متخصصين، وهنا نواجه من جديد إشكال الموارد البشرية، فالأساتذة المؤطرون لمسالك الأمازيغية يتم جلبهم من شعب أخرى، فنجد أستاذا متخصصا في اللغة العربية وآدابها، أو اللغة الإنجليزية وآدابها، أو اللغة الفرنسية وآدابها، أو حتى اللغة الإسبانية وآدابها، وهناك بعض الأساتذة من مسالك علم الاجتماع والجغرافيا ... ولا توجد سوى حالة وحيدة على مستوى الجامعة لأستاذ متخصص في اللغة الأمازيغية، ولديه ما يسمى بالرقم الاستدلالي، ولديه ما يسمى بالمنصب المالي، وهو معطى للكلية على أساس أنه سيدرس اللغة الأمازيغية. وعلى مستوى الماستر هناك مستويان، هناك ما يسمى بالدراسات الأساسية، وهناك ماستر، ويوجد في أكادير إجازة الدراسات الأساسية، وكذلك الماستر، أما في فاس سايس فهناك مسلك الإجازة فقط، وفي وجدة إجازة الدراسات الأساسية، وهنا مشكل في المنافذ لتوظيفهم ما بعد التخرج من سلك الماستر أو الدكتوراه، وهو ما سيطرح إشكال توظيفهم، فبالنسبة للإجازة المتخصصة فيمكن توظيفهم في التعليم بعد المرور من تكوين يلقن في المدارس العليا للأساتذة أو أو في كلية علوم التربية، ففي هذه الأخيرة على مستوى الدكتورة لا يوجد تخصص الأمازيغية على مستوى الوثائق، وهو ما يعني أن الطالب الحامل للإجازة أو الماستر في الدراسات الأمازيغية لا يسمح له بالتسجيل في الدكتوراه أو الماستر، بحكم أن الاعتماد الذي أعطي لكلية علوم التربية لم يتم التنصيص فيه على اللغة والثقافة الأمازيغية، في حين أن الجامعة في أكادير سلمت شواهد لهؤلاء الطلبة تتضمن تخصص الأمازيغية. هذا على المستوى العمودي، أما على المستوى الأفقي فقد أظهرته الأرقام التي قدمتها قبل قليل، والتي تبرز محدودية اعتماد الأمازيغية على مستوى المدارس وعلى مستوى عدد التلاميذ بالمقارنة مع ما سطرته الوزارة الوصية سنة .2003 أبرم المعهد اتفاقية سنة 2003 يتم بموجبها الشروع في تدريس الأمازيغية، وبموازاة هذا يتم إعداد الحوامل التربوية والمناهج وغيرها، فظهرت هذه الاختلالات التي ذكرتموها، ما هي الأسباب الكامنة وراء هذه الاختلالات؟ قبل أن أتحدث عن الاختلالات لا بد من أن أشدد على أمر مهم جدا، هو أن بعض المدارس التي تتوفر فيها الشروط، أستاذ مكون ومنهاج وحوامل تربوية، يمر التدريس في شروط جيدة، بشهادة الأساتذة والمفتشين وباحثي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذين يتفقدون أحوال تدريس الأمازيغية، وتمر دروس اللغة الأمازيغية والثقافة الأمازيغية في أجواء جيدة. إلا أنه في عدد من المدارس توجد اختلالات عديدة، ففي بعض المدارس تدرس الأمازيغية في المستوى الأول، ولا يتم تدريسها في المستوى الثاني، أو تتوقف في المستوى الثالث من التعليم الابتدائي ولا تكون في المستوى الرابع والخامس والسادس، هذه بعض الاختلالات الموجودة في بعض المدارس. والاختلالات الأساسية تعود أسبابها الرئيسية إلى ضعف الموارد البشرية بالدرجة الأولى، وليس إلى الإرادة السياسية، التي يتم التأكيد عليها في العديد من المناسبات من قبل المسؤولين، لكن على مستوى الموارد البشرية هناك نقص كبير في الموارد، على مستوى الأساتذة والمفتشين وكذا المكونين في مراكز التكوين، وقلة الموارد البشرية تشكل الحلقة الضعيفة في هذا المسلسل. ثم هناك ضعف التكوين لهذه الموارد البشرية، بسبب أن عددا من الأكاديميات لا تنظم دوراتها التكوينية، بالرغم من أن الوزارة تصدر مذكرات وزارية، إحداها تقول على إن الأكاديميات ملزمة بتنظيم ثلاث دورات تكوينية في السنة، لكن عددا منها لا تنظم ولو دورة تكوينية واحدة خلال السنة. معلوم أن الانطلاقة كانت متسرعة، ألا تعود هذه الاختلالات إلى سوء التخطيط والسرعة في تنزيل قرار إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتعليم؟ لا شك أن الانطلاقة لم تتم في ظروف مواتية وجيدة، وهذا أكيد، لكن ثمة وجهة نظر أخرى تقول ما مفاده أنه من الأفيد أن ننطلق ولو أن الظروف كلها غير مواتية ثم نصحح أثناء المسار، فنصحح معضلة تكوين الأساتذة، ونصحح معضلة الحوامل البيداغوجية، ومعضلة المنهاج والبرامج ...، يعني أن نصلح في هذه الاختلالات ونحن نتقدم في المسلسل، وأعتقد في نظري أن هذه مقاربة صائبة، لأنه إذا انتظرنا توفر الشروط كاملة، فإن الشروط لا يمكن أن تكتمل في لحظة معينة، وأعطي مثال التعريب، فتعريب لغة التدريس بالمغرب، والذي هو مبدأ أساسي في الاستقلالية اللغوية والثقافية للبلد، فالمغرب أحرز على الاستقلال السياسي ويبحث عن الاستقلال الاقتصادي، فلابد له من أن يستقل كذلك من الناحية اللغوية والثقافية من هيمنة اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية، وهذا شيء مشروع، فأي دولة حديثة لديها مصداقية لابد أن تحقق هذا المبدأ. لقد كان التعريب قرارا سياسيا وجيها، إلا أن الظروف التي شرعت فيه الدولة في مسلسل التعريب لم تكن مواتية في ذلك الوقت، لعدم تأهيل الأساتذة والحوامل البيداغوجية، والتعريب حقق مجموعة من المكاسب الآن، بالرغم من وجود مجموعة من الاختلالات، وهناك مشاكل، إلا أنه إذا توفرت الإرادة السياسية وأعطيت الإمكانية للغة العربية بأن تجدد على مستوى المعجم في مجال التكنولوجيا وتم تكوين الأساتذة في إطار المناهج التربوية والديداكتيكية الحديثة، إذا كانت هناك مؤسسة وطنية تعطاها الإمكانيات لتخدم اللغة العربية مثل أكاديمية اللغة العربية، فإن الأكيد أن هذه الاختلالات كلها سيتم تجاوزها، وهذا أكيد باعتبار الضعف لا يكمن في اللغة العربية، فنحن كدولة وكمؤسسات ومجتمع ومواطنين من يقوي اللغة ومن يضعفها، وهذه المثال صالح في مجال تدريس الأمازيغية. فإذا كنا مقتنعين بأن اللغة الأمازيغية هي لغة الوطن ولغة الشعب المغربي وجزء أساسي من التراث المغربي والهوية المغربية إلى جانب المكونات الأخرى، فإذا كنا مقتنعين بهذا الأمر لابد أن نوفر الشرط، فالاستقلالية اللغوية للمغرب تحتم الاهتمام باللغتين العربية والأمازيغية والثقافة الناتجة عنهما. قام المعهد في الآونة الأخيرة بتنظيم ندوة حول معيرة اللغة الأمازيغية، ومن خلال البحوث الميدانية يتأكد أن هناك مشاكل تواجه المعيرة بين الأقطاب الثلاث للأمازيغية (ترفيت وتشلحيت وتمازيغت )؟ فعلا سبق للمعهد أن نظم يوما دراسيا حول إشكالية معيرة الأمازيغية، لماذا معيرة الأمازيغية، فاللغة الأمازيغية هي مجموعة من اللهجات تتقاسم مجموعة من البنيات الصوتية على مستوى النطق وعلى مستوى الصرف والمعجم والتركيب ... هناك بنيات مشتركة بين هذه اللهجات، وهو ما يجعل وجود تواصل نسبي بين متكلمي اللهجات الثلاث أو الأربع أمرا قائما. وللحد من هامش الاختلافات والحد من صعوبة التواصل نعطي الأسبقية للبنيات المشتركة بين اللهجات الثلاث، وتعتبر الصيغ المتقاربة الأكثر حاجة إلى المعيرة، أما على مستوى الإبداع الأدبي فالتغيرات الواقعة تعبر عن الغنى اللغوي. المعيرة هي تقريب البنيات لتوحيد اللغة، وقد بدأنا بالحرف، وقد قمنا باختيار حرف تفيناغ، ويمكن أن يناقش هذا الأمر، لكن كيفما كان الخط لابد من تنميطه، حتى ولو أخذنا الحرف العربي لا بد من إدخال مجموعة من التقنيات عليه ليؤدي دوره في ظل التغيرات الصوتية الخاصة بالأمازيغية، عملنا اختيار حرف تيفيناغ وقمنا بتنميطه ليؤدي دوره في هذه التغيرات، والهدف العام من المعيرة هو صياغة لغة مشتركة موحدة وموحدة بناء على البنيات المشتركة بين اللهجات المختلفة. وفق ما قدمتم، كيف ترون آفاق الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين وما هي المقترحات التي يتقدم بها المعهد لبعض الاختلالات الواردة حاليا؟ نحن قبل الاقتراحات نثمن ما تم إنجازه في مسار إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين إلى حد الآن، لأنه فيه تصالح مع العائلات التي اختارت تكوين أبنائها في المدرسة المغربية وليس المدارس الأجنبية، والتي تشتغل بلغات أخرى، ومن المهم جدا أن يكون خريجو المدرسة المغربية متمكنين من اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية بلدنا، ولغة ديننا واللغة المشتركة والموحدة وهي اللغة التي تمكن المغاربة من التواصل مع الأمة العربية والإسلامية، وهذا شيء أساسي ومهم جدا، وإلى جانب اللغة العربية والتمكن من اللغة العربية لابد من التمكن من اللغة والثقافة الأمازيغيتين، أعتبر أنا شخصيا أن هذين رافدان أساسيان للهوية المغربية، والمواطن المغربي الحق هو المتمكن من هاتين اللغتين ومن الثقافات التي تنتجها هاتان اللغتان. من جهة ثانية لا بد من إلزامية تدريس اللغة الأمازيغية لكافة المغاربة، حتى نوفر مبدأ تكافؤ الفرص بين اللغات الوطنية، وبين الثقافات الوطنية، ومن جهة ثالثة إذا اعتبرنا أن المدرسة هي أداة لتكوين المواطن الصالح، الذي يسعى إلى تحقيق رغباته وحاجياته، وفي نفس الوقت يحمل هما وطنيا لتنمية بلده وتنمية الشعب المغربي عموما، لا يمكن إلا أن نوفر له الشروط الكفيلة لتعلم اللغة العربية وثقافتها، وتعلم اللغة الأمازيغية وثقافتها. هذا من الناحية المبدئية، ولكن حتى تتيسر هذه الأمور لابد من شروط، والشرط الأساسي هنا هو الوضوح، يعني وجود رؤية واضحة تبين ما موقع اللغة الأمازيغية في المدرسة المغربية؟ وما هي الأهداف المتوخاة من تدريس وتعليم الأمازيغية؟ وحين تكون هذه الرؤية واضحة يكون المطلوب هو أجرأتها على مستوى إعداد الإطار القانوني من مراسيم ومذكرات وزارية تؤطر عملية التدريس، حتى لا تكون الأمازيغية عرضة لإرادة البعض ورفض البعض الآخر. وعلى مستوى الموارد البشرية، يستحيل تحقيق تعميم التعليم، لا أفقيا ولا عموديا، إذا لم توفر الوزارة الموارد البشرية الكافية، إذ لابد من المناصب المالية، وإيجاد منافذ لخريجي الماستر والإجازة والدكتوراه بعد تلقي التكوين في مجالي البيداغوجيا والديداكتيك، لأنهم من سيتولى تدريس الأمازيغية فيما بعد. هذه كلها هي الشروط الأساسية، ثم هناك شروط أخرى تقنية من قبيل تدبير استعمال الزمن وتدبير إيجاد الحوامل البيداغوجية، وإعادة النظر في منهاج تدريس اللغة الأمازيغية، وهي أمور تقنية، غير أن هذه كلها منظومة من المعطيات التي تتكامل فيما بينها.