يعتبر قطاع الصيد البحري عاملا من عوامل التنمية والتطور في المغرب، حيث يشغل في مجموعه ما يفوق 400 ألف شخص. وينقسم القطاع إلى صيد تقليدي (هو الصيد بواسطة القوارب الصغيرة التي لا تتعدى حمولتها الخامة طنين)، وصيد ساحلي (هو الصيد بواسطة قوارب تتعدى حمولتها الخام طنين، ولا يتعدى نطاق إبحارها 12 ميلا بحريا)، وصيد في أعالي البحار (هو الصيد الذي يمكن أن تتعدى فيه القوارب حاجز 30 ميلا في عمق البحر). ويساهم الصيد الساحلي والتقليدي بنسبة 88 % تقريبا من الإنتاج الوطني، وتعد سواحل أكادير وآسفي والصويرة والدار البيضاء إضافة إلى سواحل الأقاليم الجنوبية أهم مواقع الصيد في المغرب. وتتوزع الكميات المفرغة بمختلف أسواق السمك ومراكز فرز السمك الصناعي إلى الأنواع التالية: السمك السطحي، والسمك الأبيض، والرخويات، والقشريات والصدفيات، وتخصص الكميات المفرغة لاستعمالات شتى كالاستهلاك، والتصدير والتصبير، وصناعة دقيق السمك ومشتقاته، والتمليح، والطُعم. إلا أن هذا القطاع يواجه مشكل الاستغلال المكثف والمفرط للموارد البحرية، وهو أمر يعود أساسا إلى السياسات المتبعة في تدبير هذه الموارد، والتي لم تنجح في التوفيق بين القدرات الذاتية في مجال الصيد وإمكانيات توفير المخزون، مما أدى إلى حصول خلل واضح في توفير فرص العمل للبحارة من جهة، وفي حجم مداخيل هذا القطاع. في هذا الملف، تتناول «التجديد» عدة أبعاد للموضوع، مقدمة ورقة حول الوضع الاجتماعي للصيادين وحالة البطالة التي أصبح يعيشها أزيد من 10 آلاف إثر تنفيذ قرار الراحة البيولوجية وحظر صيد الرخويات، كما حاورنا الكاتب العام للنقابة الوطنية لضباط وبحارة الصيد في أعالي البحار، واستقينا تصريحات عدد من الفاعلين في القطاع لمعرفة نظرتهم إلى قضاياه الحيوية. أدت التدابير الحكومية المتخذة في قطاع الصيد البحري، منذ سنوات خلت، إلى حصول نوع من الاضطراب في السياسة المعتمدة في ملف الصيد البحري، ازدادت وضوحا بسبب القرار الذي اتخذه وزير الصيد البحري، والقاضي بتمديد مدة صيد الرخويات إلى غاية نهاية شهر أبريل المقبل، وهو ما لم يقبله الصيادون في أعالي البحار الذين دخلوا في اعتصامات واحتجاجات ما تزال متواصلة. أطول راحة تعتبر الفترة التي أعلنها وزير الصيد البحري للتوقف عن الصيد، والتي ستستمر إلى غاية أبريل المقبل، اعتبارا من شتنبر الماضي، أطول فترات توقف نشاط الصيد في التاريخ البحري للمغرب، وقد عزا الوزير الإجراء إلى النقص الحاد في الأخطبوط، الذي كان قد نبه إليه المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري. وهي خطوة تهدف من وجهة نظر وزارة الصيد إلى الحفاظ على هذا الصنف من الرخويات الذي عانى من الصيد المفرط، كنتيجة مباشرة للسياسة المعتمدة في القطاع، إذ تسجل العديد من التجاوزات لبعض المتنفذين بقطاعات مسؤولة بالدولة (موضوع الامتيازات في رخص الصيد). وأثار القرار سالف الذكر غضب الصيادين المغاربة بأعالي البحار، الذين احتجوا عليه ورفضوه جملة وتفصيلا، نظرا لما ألحقه بهم من بطالة جبرية، قرروا على إثرها الرحيل إلى الرباط مشيا على الأقدام للاعتصام أمام وزارة الصيد البحري في يوم عيد الأضحى الماضي، وهو الاعتصام الذي قوبل بتدخل عنيف لقوات الأمن أدى إلى إصابة العديد منهم، لينقل الاعتصام نفسه إلى مدينة أكادير وتتواصل أشكال الاحتجاج من هناك. وقد انتصرت وزارة الصيد البحري في مقاربتها لموضوع معالجة ظاهرة ثروة الأخطبوط، التي تراجعت بنسبة وصلت إلى ما بين 60% و80 % عما كانت منذ سنوات قليلة مضت، لخيار يظهر أنه وحيد، وهو المتمثل في فرض الراحة البيولوجية، علما أن هذه الوسيلة وحدها أصبحت أضرارها واضحة، خاصة على مستوى الصيادين الذين يصبحون بغير عمل، ويبدو أن الوزارة لم تعتمد لحد الآن آليات أخرى أكثر فعالية وقدرة على المحافظة في الوقت نفسه على الثروة السمكية الوطنية، وعلى مصالح جميع المتدخلين من مستثمرين ويد عاملة. وكان وزير الصيد البحري الطيب غافس قد صرح لبعض المصادر الصحافية في رده على الاتهامات الموجهة إليه بعدم القدرة على إدارة ملف الصيد البحري وعلى حل المشاكل العالقة به، وقال في سياق تعليقه على الأشكال الاحتجاجية التي تخوضها النقابة الوطنية لضباط وبحارة الصيد في أعالي البحار: «إنهم (في إشارة إلى البحارة) إن كانوا عشرات أو مئات، فإن السمك ملك للمغاربة جميعا»، وهو ما زاد من حدة التوتر بين النقابة والوزارة، على اعتبار أن ملكية الدولة للثروة السمكية لا تعني تشريد الصيادين والإلقاء بهم إلى بحر البطالة. فتح الملف فهل يغلق؟ استطاعت النقابة الوطنية لضباط وبحارة الصيد في أعالي البحار، التي قادت أبرز الاحتجاجات ضد السياسة المتبعة في مجال الصيد البحري، إعادة فتح ملف هذا القطاع من جديد، وخاصة على مستوى مستقبل مخزون المملكة من الأخطبوط، الأمر الذي دفع وزير الصيد البحري إلى الإجابة عن أسئلة المهتمين والمتتبعين، ليعلن أن تدهور مخزون المملكة من هذه المادة، التي باتت مهددة بالزوال، راجع من جهة أولى إلى التكاثر غير المنظم لعدد القوارب، ومن جهة ثانية إلى حصة 80 ألف طن المسموح بها بالنسبة لفروع الصيد البحري الثلاث: الصيد بأعالي البحار والصيد الساحلي والصيد التقليدي، خلال سنة ,2002 في وقت كان فيه المعهد الوطني للدراسات البحرية ينصح باعتماد سقف 50 ألف طن، ومن جهة ثالثة إلى التكاثر الجامح لعدد الوحدات الخاصة بالتجميد بكل من الداخلة والعيون. أما الجمعية المهنية لأرباب مراكب الصيد في أعالي البحار فقد أكدت انخراطها في الجهود المبذولة لتقويم الوضعية، موضحة أن توقف النشاط في هذه الحالة الطارئة، لم يؤثر على العلاقات بين المشغلين والعاملين وأن البحارة تلقوا كامل مستحقاتهم. وعمدت وزارة الصيد البحري في إطار تفاعلاتها مع وضعية الصيادين إلى مساعدة البحارة الموجودين حاليا في حالة عطالة، فقررت في يناير الماضي الترخيص لمائة وخمسين مركبا باستئناف نشاطها في صيد أنواع أخرى غير الأخطبوط، وذلك خلال الفترة ما بين 10 فبراير الجاري و15 أبريل المقبل، شريطة أن تقع المنطقة المرخص بالصيد فيها ما وراء 30 ميلا، وألا تتجاوز كل عملية صيد ساعتين بهدف التقليص من حجم مصايد الأخطبوط. غير أن هذا الإجراء احتجت عليه النقابة الوطنية لضباط وبحارة الصيد في أعالي البحار، واعتبرته مجرد هروب إلى الأمام، وغير قادر على التخفيف من حدة المشكل المادي للصيادين. أما أرباب مراكب الصيد المنضوون تحت لواء الجمعية المهنية لأرباب مراكب الصيد في أعالي البحار بالمغرب فعبروا عن اقتناعهم بأن من شأن استئناف صيد الأخطبوط في ماي القادم، وكذا التدابير المتخذة لمواكبة هذا القطاع، والاستراتيجية التي تدرس مع مجموع المنعشين أن يدفع بنشاط صيد الأخطبوط نحو الاستقرار والاستمرارية. واعتبر وزير الصيد البحري أن القطاع الخاص معني بإيجاد إجراءات مالية عملية في ما يخص وضعية الصيادين، مذكرا بالاتفاق الذي صادق عليه مهنيو القطاع، والذي يشترط على هؤلاء دفع تعويضات للصيادين خلال فترة الراحة البيولوجية، وأضاف أن الوزارة وبتعاون مع المهنيين، بصدد إحداث صندوق لتعويض القوارب التي تتخلى عن صيد الأخطبوط، وذلك في إطار التقليص من حجم الأسطول الخاص بصيد هذا النوع من الرخويات. تصعيد وترهيب في الوقت الذي ما تزال فيه النقابة الوطنية لضباط وبحارة الصيد في أعالي البحار تواصل احتجاجاتها على قرار تمديد فترة الراحة البيولوجية، وسعيها نحو تحكيم ملكي في الموضوع، ومطالبتها بإحداث صندوق وطني يتولى تعويض الصيادين عن أوقات البطالة التي يقضونها اضطرارا بسبب مثل هذه القرارات، أكد وزير الصيد البحري أنه ستسحب رخص الصيد البحري من كل من يخالف قرار تمديد فترة الراحة البيولوجية، مشيرا إلى أن الأمر سيخضع لمراقبة صارمة. وأوضح غافس في حديث نشرته أخيرا صحيفة ماروك إيبدو أنترناسيونال أنه في حالة اقتراف أحدهم لمخالفة في هذا الشأن فإنه ستطبق العقوبة القصوى المتمثلة في حرمانه كليا من الرخصة، نافيا احتمال تمديد الراحة البيولوجية لفترة إضافية بعد 30 أبريل .2004 عبد الرحمان الخالدي فاعلون في قطاع الصيد البحري يصرحون ل"التجديد":عقلنة استغلال الثروة البحرية الوطنية هي الحل عبد الرحمن اليزيدي الكاتب العام للنقابة الوطنية لضباط وبحارة الصيد في أعالي البحار ل"التجديد":قرار التمديد إقرار بفداحة حجم مجهود الصيد الذي رخصت به الوزارة