للمغاربة طقوس خاصة في التعامل مع شهر رمضان المبارك الركن الرابع في منظومة الإسلام. لكن صيام رمضان محتاج إلى توطئة عقدية وإيمانية وفكرية من أجل استقبال هذا الشهر بإيمان و احتساب. ومن أهم هذه المقومات نذكر: التنمية الذاتية في سلم التزكية لقد خلق الله عز وجل الإنسان في أحسن تقويم، وأكرمه ونعمه، وللفطرة يسر سبله. وبالتقوى زوده، وبالحياء كساه وهذا لكل من أراد ان يتذكر أو أراد شكورا. وقد يكون الإنسان قويا أحيانا وضعيفا أخرى ومن تم فهو محتاج للتذكرة والموعظة. وفتح الله للإنسان بابا كبيرا يستوجب الشكر وهو التوبة. لذك ذهب ابن القيم في كتابه الوابل الصيب إلى أن مقومات السعادة ثلاثة: شكر وصبر وتوبة. إنها مكرومات الديان للإنسان. إذن فباب التوبة مفتوح من أجل تنمية الذات في سلم التزكية. مما يجعل الإنسان يعبد الله عز وجل كأنه يراه وإن لم يكن يراه فإن الله يراه. وهذا الاختيار مرتبط بالسعة ورفع الكلفة تيسيرا للألفة. ومهما اجتهدت الذات البشرية في إدراك المبتغى فإن العمل سيظل قاصرا نظرا للطبيعة البشرية. لأن ما أوتي من العلم إلا قليلا. هذا الاختيار يرسم خريطة طريق ربانية تضمن استقرار النفس والطمأنينة مهما تغيرت الظروف والسياقات. لأنه منهج يتلازم فيه الحق والواجب. إنه منهج الترغيب والترهيب، والصلاح والإصلاح مقاومة للأنانية والذاتية الضيقة. انسجاما مع منظومة التكريم التي شملت كل بني آدم. وهذا ما يفسر الفلسفة المتوخاة من سورة العصر والتي ركزت على الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر. إن التزكية حياة ذاتية وجماعية. إنها العمق الداخلي المؤثر في السلوك الحضاري للبشرية. إذن فلا قنوط ولا تهاون ولا تراجع على هذا المنهج الرباني ذي البعد الإنساني. هذا المنهج الذي يرشد الزمان لذلك من صفات الصالحين البخل في التعامل مع الزمان ليس من بابه السلبي ولكن الإيجابي. بحيث لاينفق وقته إلا بمعرفة وجهته. لأنه محاسب عن عمره فيما أفناه. فالإنسان مطالب بتنمية فكره وقدراته، وملزم بتصريف نتائج تزكيته إلى سلوك بشري راق. وثالثا ترسيخ العقيدة الصافية المحددة للمسؤوليات في الدنيا والخاضعة للمحاسبة يوم القيامة. إن التنمية الذاتية في سلم التزكية حياة لأولي الألباب، وقيم عالية، ومقاصد نبيلة تتوج برضا الله والنظر إلى وجهه الكريم بوجوه ناضرة. الثوابت والحياة الطيبة إن الحياة الطيبة تستوعب التنمية الذاتية والجماعية في سلم التزكية. ومن أجل تعزيز عمقها من اللازم احترام المقصدية وتحضير سبل العمل وتسطير معالم النهج القويم. كيف ذلك؟ لقد خلق الله الإنسان وزوده بالعقل والفطرة وأرسل إليه الرسل والأنبياء. ورسم له معالم الاستخلاف وعمارة الأرض. وهو مسؤول أمام الله عن هذه المسؤولية. وفي هذا الإطار من الواجب أن تتحرك دينامية وفعالية الإنسان في إطار تلازم الإخلاص والصواب. وهذا المسار يحتاج إلى دعم معنوي قوي. وخير الدعم هو التقوى التي من الواجب أن تكون في عمق عملنا الصالح إن لم نقل هي العمل الصالح نفسه. لأنها تخلية وتحلية.وهي الرابط الأساسي بينك وبين ربك. والمؤسسة للاستقامة التي تدفع المسلم إلى إغلاق كل كوة أو فجوة تعيق الإصلاح وهو من باب إماطة الطريق معنويا وماديا بغية الصدقات. إن تبني الكونية والعالمية مرتبط بإحداث انسجام بين الوحي والعقل والحواس وفقه النوازل ترشيدا لفقه التدين وحسن مآلات التنزيل. إن ضبط هذه القواعد تساهم فيها معرفة النواميس الشرعية والسنن النقلية. في أفق التوافق والثقة وتقدير المؤسسة وبناء الدينامية التعبدية التي بدونها تتوقف الحياة خاصة الطيبة منها. إذن مزيدا من التكوين وبذل المجهود والحكمة. في إطار مرجعية إسلامية تستند إلى الكتاب والسنة في صفائهما، واكتساب التقوى التي هي من المقاصد الكبرى للصيام ووسطية المنهج واعتداله. اعتماد على ما ذكر ماذا عن شهر رمضان؟ رمضان الزائر الكريم إن الافتتاح بهذه المقدمات مؤشر على أمرين: 1. استقبال رمضان مرتبط بوجود قاعدة عقدية وفكرية وإيمانية لأن الخطاب القرآني موجه للمومنين ‘ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم.' 2.شهر رمضان فرصة سانحة لاكتساب ما سبق إلا انه رغم ذلك فالصيام مساعد على القيام بالواجب. إن شهر رمضان تبدو فيه ثنائية ضدية تتحكم فيها جدلية التحلي والتخلي. فالقطب الإيجابي يشمل الإيمان والاحتساب، والتطهر والتنعم والتوبة والرحمة، والجود والعطاء والغفران والخير والعتق من النار. بالمقابل هناك الذنوب والقسوة والغفلة والعقاب والعذاب والشر والتمادي في الباطل والشح والخلود في جهنم.. فهو وقاية من الفسق والجهل، وداع إلى الالتزام بشرع الله. ومعقلن وجهة النفس وقاهر للشهوة والشبهة، ومرتق بالسلوك الإنساني إلى الجمال وأخلاق التجاوز والسلم والخير كله، وسمو الروح، والابتعاد عن اللف والدوران والبهتان والزور. شهر رمضان قناة أساسية نمتح منه القوة والصيام والقيام والتلذذ بالسحور والإفطار وفي كل خير مع تقديم الأول وتأخير الثاني تماشيا مع السنة النبوية والفطرة الإنسانية. شهر يؤهلنا إلى الانفتاح على القرآن الكريم وما أدراك ما القرآن : لا يمله الأتقياء ولا تنقضي عجائبه معجز في ذاته هو الفصل ليس بالهزل.. شهر يوازن بين الروح والجسد، بين النفس والجسم، بين الطاقة والتكليف، بينما كان وما هو كائن وما سيكون اعتماد على المراقبة والمحاسبة والمجاهدة. بين الدنيا والآخرة… شهر يكون الدعاء فيه ميسرا ومتناغما مع سياقه. لذلك فهو فرصة للتوجه إلى الرحمان لكي ينعم علينا بالأجر والثواب المؤهل للعتق من النار، والمغفرة والطهارة ودوام النعم والحفظ والعون والرحمة خاصة عندما تكون ساجدا في جوف الليل.. وأخيرا وليس آخرا نقول هنيئا لنا بهذا الشهر الكريم، شهر الصبر والحلم والعدل، وهنيئا لكل من أبلغه الله شهر رمضان. فاغتنم فيما عند الله، وكن يقظا وادفع العجز والبخل والكسل، واستثمر في الأعمال الصالحة، وساهم في الصلاح والإصلاح من خلال طاقتك، واستشعر معية الله القدير، وانخرط في السياق الذي أنت فيه، وارسم معالم القدوة للآخرين. وهذا يشمل كل أيام الله وشهر رمضان أبلغ وأسمى. من خلال ما سبق نؤكد على أن شهر رمضان مدرسة سنوية متجددة للتربية والتكوين والدعوة والتواصل وصلة الرحم واستيعاب الآخر والتضامن والتعاون على البر والتقوى والمشاركة في الخير مع الغير وتعزيز الاستقرار وطلب العلم ومدارسة القرآن الكريم وغيرها من الاعمال الصالحة. إذن فلنشمر ولنجتهد ولنبتعد عن الشوك حتى نؤسس أبعاد التقوى عموديا و افقيا. وكل عام وأنتم بخير…