يعتبر ضمان حرية التعبير عن الرأي لكل أعضاء حزب العدالة والتنمية في مجمل القضايا السياسية والتنظيمية التي تهمه داخل مؤسساته واحدا من المرتكزات الأساسية في الفلسفة التنظيمية للحزب، باعتبار ذلك من أبرز أسباب قوة صفه الداخلي، وباعتباره كذلك أحد مقتضيات الديموقراطية الداخلية للحزب. إذ لا ديموقراطية بدون حرية التعبير عن الآراء، وكذلك لا ديموقراطية دون وضع الآليات اللازمة لضمان أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ القرار واختيار المرشحين، حيث يتم الحسم في الاختيار بالتصويت إما بشكل علني في مجمل القرارات أو بشكل سري في كل القرارات المتعلقة بالأشخاص. وفي هذا الصدد، لم يكتف الحزب بتضمين أنظمته القانونية المواد المنظمة لممارسة هذا الحق، بل خصص لحرية التعبير عن الرأي فقرتين في كل من ديباجة نظامه الأساسي ونظامه الداخلي، وهو ما يؤكد الأهمية التي يوليها الحزب لهذا الأمر، على اعتبار أن ديباجة النصوص القانونية، إن وجدت، فهي تخصص لتلخيص مرتكزات القانون وأهم أهدافه، وبالتالي أن يتم الحديث عن حرية إبداء الرأي في ديباجة النصين فهو تأكيد على الأهمية التي يكتسيها الأمر. وهكذا فقد تم التنصيص في ديباجة النظام الأساسي على أن :" حرية التعبير في الحزب مضمونة والالتزام فيه واجب وفق قاعدة "الرأي حر والقرار ملزم"، وذلك في إطار احترام مشروعية المؤسسات والمسؤولين والاحتكام للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل والالتزام بقرارات الهيئات الحزبية والإدلاء بالرأي نصحا ونقدا وتشاورا وتواصيا بالحق." حيث ورد التأكيد على أن حرية التعبير في الحزب مضمونة، ولكن وفق قاعدة "الرأي حر والقرار ملزم". وهي قاعدة أساسية في عمل الحزب، فالتعبير عن الرأي مكفول، ولكن عندما يتخذ القرار وفق القواعد الناظمة لعمل الحزب فالالتزام به واجب على الجميع، سواء من كان متفقا معه أو مخالفا. وذلك هو منطق العمل المؤسساتي. كما جاء في النقطة الثالثة من ديباجة النظام الداخلي أن تفعيل قاعدة "الرأي حر والقرار ملزم" يتم على الشكل التالي: تلتزم الهيئات الحزبية بفسح المجال لأعضائها لإبداء آرائهم قبل اتخاذ القرار، ولا يعتد إلا بالرأي المعبر عنه داخل المؤسسات؛ يصبح القرار الصادر عن الهيئة الحزبية المخولة ملزما للأعضاء الخاضعين لسلطة هذه الهيئة؛ تستوجب مخالفة القرار الملزم المتابعة الانضباطية أمام الهيئات المختصة. بحيث يتم التأكيد في هذه الفقرة على أن من مسؤولية الهيئات اتخاذ كل الإجراءات اللازمة والكافية لتمكين أعضائها من إبداء رأيهم في القضايا التي تعني الهيئة داخلها، بحيث تلتزم بالقيام بذلك، وحيث نصت هذه الفقرة على أنه لا يعتد إلا بالرأي الذي يتم إبداؤه داخل الهيئة، فهذا يفيد أن الأعضاء كذلك من واجبهم الحرص على تمكينهم من إبداء رأيهم داخل المؤسسات، على اعتبار أن كل رأي يتم إبداؤه خارجها لا يعتد به. كما أن الأصل هو أن الرأي يعبر عنه داخل مؤسسات الحزب، حيث جاءت المادة 11 من النظام الأساسي المتعلقة بحقوق الأعضاء واضحة في هذا الشأن عندما أكدت أن من حقوق الأعضاء " إبداء الرأي في القضايا السياسية والتنظيمية والمالية للحزب داخل مؤسساته". كما نصت المادة 13 من نفس النظام، والمتعلقة بواجبات الأعضاء على أنهم يلتزمون : بمبادئ الحزب والتحلي بقيمه والانضباط لقراراته عملا بمبدأ حرية الرأي وإلزامية القرار وفق مقتضيات ينص عليها في النظام الداخلي؛ بالنظامين الأساسي والداخلي وبمقتضيات باقي الوثائق المنظمة لعمل الحزب على مختلف المستويات؛ وحيث أن منهج الحزب قائم على أن الهيئات هي التي ترشح وليس الأفراد من يرشحون أنفسهم، وقائم كذلك على أن مناقشة قضاياه تتم داخل مؤسساته، فقد اعتبر كل عمليات التعبئة التي تسبق أو تواكب انعقاد مختلف مؤسسات الحزب والهيئات الموازية والتي تتم لفائدة أو ضد أشخاص معينين أو قرارات بعينها، تخل بقواعد العمل المؤسساتي داخل الحزب. ومن تم مستوجبة لاتخاذ الإجراءات الاحترازية والانضباطية المنصوص عليها في أنظمته. وعموما فإن الحزب وضع ضوابط للممارسة حرية الرأي لأعضائه مراعاة لمقتضيات العمل المؤسساتي، وهي تسير في اتجاهين: الاتجاه الأول يتمثل في إلزام مؤسسات الحزب بضمان حق كل الأعضاء في إبداء رأيهم بكل حرية داخل مؤسسات الحزب واتخاذ القرار بالتصويت وبالأغلبية ضمانا لتفعيل هذا الحق وتكريسا للمنهج الديموقراطي للحزب؛ الاتجاه الثاني: إلزام الأعضاء بالإدلاء برأيهم في قضايا الحزب داخل مؤسساته واعتبار كل عمليات التعبئة للرأي أو الأشخاص التي تتم خارج المؤسسات مخالفة لضوابط الحزب وقوانينه بالنظر لما يكون لها من تأثير سلبي يدفع في اتجاه تعزيز التقاطبات الداخلية ويفرغ عملية التداول داخل المؤسسات من مضمونها، وبعد ذلك عمل على إلزامهم بالالتزام بالقرار الصادر بشكل ديموقراطي عن المؤسسات وتنفيذ مقتضياته واحترامه، وذلك لترسيخ مفهوم المؤسساتية والعمل المنظم. وهو ما يفترض في أعضائه الحرص على التمييز بين مناقشة القضايا السياسية العامة التي لهم الحرية الكاملة في مناقشتها داخل وخارج مؤسسات الحزب، مستحضرين اختياراته ومنهجه، ومراعين لمواقفه الرسمية المعبر عنها في وثائقه المرجعية أو قرارات مؤسساته بالنسبة للقضايا التي تم التعبير فيها عن الموقف الرسمي للحزب، وبين مناقشة القضايا التنظيمية الداخلية، أو القضايا السياسية المعروضة على مؤسساته التي يشتغلون داخلها ، والتي وجب أن تتم داخل هذه المؤسسات.