لا يجادل أحد في مكانة الجامع الأزهر ومؤسساته العلمية في قلوب المسلمين، نظرا لدوره العلمي والدعوي والثقافي الإيجابي، كما أن مشيخة الأزهر وعلى رأسها شيوخه الفضلاء ومنهم الشيخ الطنطاوي يحظون بالاحترام والإجلال من طرف المسلمين وعلمائهم والحركات الإسلامية وقياداتها و الأقليات الإسلامية في العالم. ورغم أن المسلمين لا يؤمنون بالمرجعية الدينية على غرار البابوية الكنسية، فإن فتاوى الأزهر ومؤسساته وشيوخه تحظى في عمومها بالقبول لدى المسلمين من مختلف المذاهب والمشارب، وأصبحت تشكل سندا مرجعيا بصفة أخص لدى غير المسلمين، وذلك حينما يتعلق بالقضايا الكبرى للأمة الإسلامية، مثل قضية فلسطين والقضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المصيرية. وهذا ما يحتم على الأزهر: شيخا، ومشيخة ومؤسسات علمية أن يكون في غاية الحيطة والحذر نظرا لحساسية موقعه وخطورته في نفس الوقت، ولا نعني بذلك الحذر المقعد، ولكن الحذر الإيجابي الذي يتحسس آمال المسلمين وآلامهم ويعبر عنها في قالب علمي وإعلامي بناء. فعلى سبيل المثال، رغم المكانة التي يحظى بها شيخ الأزهر الحالي فضيلة الدكتور محمد الطنطاوي في قلوب المسلمين، فإن الكثير منهم أحسوا مرارا وكأن الشيخ قد خذلهم ولو بدون قصد ولا سبق إصرار. وقديما قيل كفى بالمرء فخرا أن تعد معايبه، إذ الكمال لله، ولكن المعايب التي ترتبط بشخص في موقع ووزن شيخ الأزهر قد لا تكون منبعا للفخر بل على العكس قد تكون مصدرا للقلق والمتاعب له وللمسلمين تبعا لذلك، وهذا ما يحتم على شيخ الأزهر أن يحرص أكثر على العمل من خلال المؤسسات وبإعمال الشورى على أوسع مدى لها، حتى يضمن السداد واجتناب المعايب القاتلة في مواقف وآراء ولو أن لها جوانب يراها شيخ الأزهر إيجابية، إلا أن أثرها السيء على الأمة وعلى مكانة الأزهر وشيخه ومؤسساته لا ينكرها أحد. فأمامنا اليوم رصيد من هذه المعايب، من قبيل الخصام مع جبهة الأزهر الذي وصل إلى القضاء، واستقبال حاخام إسرائيلي في أوجه اعتداء القوات الصهيونية على الشعب الفلسطيني، وإباحة ربا البنوك بفتوى انفرادية... وفي الآونة الأخيرة إصدار فتوى هي أشبه برأي سياسي أكثر منه فتوى علمية مؤصلة بالعلم الشرعي والشورى العاصمة من الزلل، وذلك بمفاجأة علماء الأزهر وبمحضرهم بموقف يخالف توجه الأمة في مساندة أخواتهم المسلمات للمحافظة على حقهن في الحجاب من منطلق شرعي أولا وحقوقي ثانيا. ومثل هذه المعايب وغيرها قد تهدد مكانة الأزهر وتعمل على اهتزازها ليس في نظر المسلمين فقط، بل وحتى لدى الرأي العام غير الإسلامي الذي يعطي لهذه المؤسسة مكانة شبيهة بالبابوية الكنسية وفق منظورهم الذي لا يوافق عليه المسلمون بطبيعة الحال. ومن هنا من ضفاف الأطلسي على ثغور الغرب الإسلامي نناشد فضيلة شيخ الأزهر الدكتور محمد الطنطاوي أن يعمل على رأب الصدع باعتبار ما تفوه به بخصوص الحجاب في فرنسا وبحضور وزير الداخلية الفرنسي وربما بعلم مسبق منه، وبغفلة وعدم علم من علماء الأزهر، ولا يكون رأب الصدع هذا إلا بجمع مؤسسات الأزهر العملية واستشارتها في إصدار فتوى أو رأي علمي مدقق في المسألة حتى ولو كان موافقا لما قاله الشيخ وذلك حفاظا على وحدة علماء الأزهر، ومصداقية الأزهر أمام الأمة الإسلامية أولا وأمام العالم ثانيا، والله الموفق للصواب. الدكتور عبد السلام بلاجي