ينص الفصل 14 من الدستور أن للمواطنات والمواطنين ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع. نستشف مما سبق أن المواطنات والمواطنين لهم الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع. وهذه قفزة نوعية على مستوى إشراك المجتمع المدني في المهمة التشريعية. إذن هل يمكن التأكيد على أن الملتمس التشريعي شأن مدني كما هو الحال بالنسبة للمقترحات بالنسبة للبرلمانين والمشاريع بالنسبة للحكومة؟ وللإشارة فإن المشرع الدستوري استعمل مصطلح ملتمسات في مجال التشريع وليس ملتمسات تشريعية. ويمكن طرح السؤال التالي متعلق بطبيعة الملتمس نفسه. هل هو عبارة عن مقترحات نصوص قانونية أم ذي طبيعة اقتراحية عادية بدون صياغة قانونية موجه لمن يهمهم الأمر؟ وإذا سلمنا بأن المجتمع المدني من خلال الفصل 14 من الدستور أصبح من حقه ممارسة المهمة التشريعية فلماذا لم يشر إليها في الفصل 70 من الدستور الذي ركز على مايلي: يمارس البرلمان السلطة التشريعية. وشتان بين مصطلحي السلطة التشريعية وملتمسات في مجال التشريع. ولما لم ينص على المبادرة التشريعية المدنية في الفصل 78 من الدستور: لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين. والاقتراح يجمع مصطلحات عدة نحو مشاريع ومقترحات ومراسيم قوانين الواردة في الفصل 81 من الدستور. ويطرح هذا إشكالا في التعامل مع الملتمسات. وإذا سلمنا بأن الملتمس سيتخذ بعدا تشريعيا فكيف سيكون موقف مقدمي الملتمس في حالة الرفض؟ طبعا الرفض يكون مبررا لكن ليس لهم الحق في الطعن أمام المحكمة الدستورية كما هو الشأن بالنسبة للعلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. فبرجوعنا إلى الدستور نستنتج بأن القوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية للبرلمان تحال وجوبا على المحكمة الدستورية. كما هو منصوص عليه في الفصل 132 من الدستور وحتى القوانين العادية تحال بدورها على المحكمة الدستورية من قبل الملك أورئيس الحكومة او رئيس مجلس النواب أو رئيس مجلس المستشارين أو خمس أعضاء مجلس النواب أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين. إذن أين حظ المجتمع المدني من هذه الاختصاصات الذي أصبح له الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع؟ لذلك من الواجب توسيع دائرة اختصاصات المحكمة الدستورية وعدد أعضائها خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الفصل 133 من الدستور الذي يركز على الدفع الدستوري المتعلق بكل قانون يخالف المقتضيات الدستورية والمتعلق بالحقوق والحريات الواردة في الدستور. والذي لم يعرف النور إلى يومنا هذا. رغم الإشكالات المطروحة سابقا اقتحمت الحكومة العقبة وقدمت مشروع قانون تنظيمي متعلق بشروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع يحمل رقم 14.64 . فهل كان المشروع موفقا في استيعاب الإشكالات المطروحة؟ مذكرة التقديم يعتبر هذا المشروع انتصارا كبيرا للديمقراطية التشاركية التي ركز عليها الدستور من أجل إحداث التكاملية بينها وبين الديمقراطية التمثيلية. إنه ثمرة حوار وطني ساهم فيه فئات مقدرة من المواطنين. يهدف إلى إحداث تفاعل بين السلطة التشريعية والمجتمع المدني على المستوى التشريعي. ويمكن للبرلمانيين تبني الملتمس وتحويله إلى مقترح سواء كان إنتاجا جديدا أو مكملا. وقد استفاد هذا المولود من تجارب دولية ومن المقتضيات الدستورية ومن بعض الاجتهادات المدنية وأكاديمية.. وقد تم إخضاع هذا المشروع إلى أربعة أبواب همت تحديد مصطلح الملتمس كآلية من آليات الديمقراطية التشاركية. ثم الشروط الواجب توفرها في مقدمي الملتمس. ثم ضرورة إحداث لجنة الملتمس. و تحديد شروط قبول الملتمس وإبراز موجبات رفض الملتمس، وتحديد شروط وإجراءات جمع التوقيعات وأخيرا فحص وتحويل الملتمس إلى مقترح قانون إذا اقتضى الحال… أحكام عامة الملتمس هو مبادرة تشريعية، يتقدم بها مجموعة من المواطنات والمواطنين من داخل المغرب وخارجه متمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية ومقيدين في اللواح الانتخابية وفي وضعية جبائية سليمة. لكن هل يشترط في الملتمسين تقديم وثيقة تثبت ابراء الذمة الجبائية؟ ونفس الامر يجري على الموقعين على الملتمس أي مدعمي الملتمس. وتتضمن اللائحة الأسماء الشخصية والعائلية للملتمسين وأرقام بطاقتهم الوطنية للتعريف وعناوين إقامتهم. وتقدم الملتمسات من قبل لجنة تتشكل من تسعة أعضاء. شريطة تمثيلهم لثلث عدد جهات المملكة. شروط تقديم الملتمسات يجب أن يكون الملتمس ضمن ميادين يختص القانون بالتشريع فيها. فهل ما يجري على البرلمان يجري على المجتمع المدني؟ والذي حددت في الفصل 71 حوالي ثلاثين مجالا ناهيك عن المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور. لاأظن الأمر كذلك وهذا مايشير إليه المقترح. خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الملتمس ينعته المشروع بالاقتراحات والتوصيات. وهل ننتظر من البرلمان أن يحول تلك التوصيات إلى مقترحات قوانين؟ ومن الشروط التي تحول دون قبول الملتمس المس بالثوابت والتعارض مع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. ورفع المشروع من قيمة الملتمس في المادة الرابعة عندما سمح له بتناول الاختصاصات المتعلقة بالسياسة العامة للدولة. ومن شروط قبول الملتمس تحقيق مصلحة عامة لكن ما هي المعايير المعتمدة في تحديد المصلحة العامة؟ وقد يكون الملتمس مقترحا أو توصيات. ويتولى وكيل لجنة تقديم الملتمس الإشراف على مسطرة تقديم الملتمس. الذي من الواجب أن يكون مدعما بتوقيع 25000 مواطنة ومواطن. كيفيات تقديم الملتمسات اعتمد في المعايير ما نص عليه الدستور في الفصل 79 حيث تودع الاقتراحات والتوصيات على مجلس النواب باستثناء المتعلقة باقتراحات أو توصيات تهم الجماعات الترابية أو التنمية الجهوية أو الشؤون الاجتماعية تودع لدى مجلس المستشارين. وكلما تم إيداع ملتمس يسلم للوكيل فورا وصلا على ذلك. ويتكلف المكتب بالتحقق من استيفاء كل شروط الملتمس. وهذه مهمة صعبة من الأحسن أن تشكل لجنة خاصة بذلك. خاصة وأن أجل ستين يوما محرجة لمكتب ينظر في قضايا متعددة. والإشكال المطروح أنه في حالة الرفض ليس من حق أصحاب الملتمس الطعن. وهذا ما يجعل الملتمس خاضعا لميزان القوة داخل البرلمان في علاقتها بالجهة التي قدمت الملتمس. وسندخل في جدلية السياسي والمدني. لكن هناك متنفسا للملتمس عندما يعلن أحد البرلمانيين قبوله فيتحول من ملتمس إلى مقترح. بناء على مقتضيات النظام الداخلي للمجلس المعني. أحكام ختامية لايجوز للملتمس أن يوظف لأغراض ذاتية خاصة الطعن في أشخاص واستثمار المعطيات ذات الطابع الشخصي. وفي هذه الحالة يعاقب مرتكبو هذا الانحراف بناء على مقتضيات قانون رقم 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي. إن مشروع القانون التنظيمي خطوة مهمة في الانفتاح على المجتمع المدني وإن كان لايرق إلا المبادرة التشريعية المعروفة عند الدول العريقة في الديمقراطية. لكن نؤكد أن نجاح الملتمس مرتبط بالتنمية السياسية والديمقراطية للفاعلين السياسيين والمدنيين في إطار المواطنة وتلازم الحقوق والواجبات والعمل بالاختيار الديمقراطي الذي أصبح ثابتا من ثوابت الأمة الجامعة… وعندما سيحال كل من المشروعين المتعلقين بالعرائض والملتمسات على البرلمان بعدما تمت إجازتهما من قبل المجلسي الوزاري والحكومي. أنذاك سيجتهد برلمانيو الأمة من أجل تجويد هذين النصين بمعية جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية عن طريق مذكرات مضبوطة تسلم للفرق المؤسسة للبرلمان أغلبية ومعارضة..ناهيك عن دور الجامعة في هذا الباب نحو القيام بندوات وموائد ودعوة كل الفاعلين. وأتمنى أن يحدث مشروعا العرائض والملتمسات وغيرها مصالحة بين الديمقراطية التشاركية والديمقراطية التمثيلية. بل مصالحة الجميع مع الفعل السياسي وتنمية المشهد المدني.