تساءلنا قبل أيام وبالضبط في افتتاحية العدد 527 من "التجديد" عن سعي الحكومة إلى تحويل مجلس النواب إلى تابع ذليل لها. وأشرنا إلى أن من مؤشرات ذلك ارتهان عملية إرساء هياكل وأجهزة مجلس النواب لتشكيل الحكومة، حيث ظل المجلس يعيش حالة فراغ شلت فيها فعاليته الرقابية والتشريعية.. ونفس الشيء بالنسبة لمجلس المستشارين الذي ظل هو الآخر في حالة شرود لا يعقد جلساته لمساعدة الحكومة، ولا لجانه الفرعية لمدارسة مقترحات القوانين وباقي الأعمال التشريعية الجارية، ومع مرور الزمن بدأ يتأكد أن الحكومة سائرة على هذا النهج، المتمثل في تحجيم دور البرلمان اعتمادا على أغلبيتها الميكانيكية. وظهرت مؤشرات هذا التوجه في جلسة التصويت على التصريح الحكومي مساء يوم الخميس 28 نونبر 2002، حيث أجهض السيد عبد الواحد، الذي جاء إلى رئاسة المجلس بالاعتماد على نفس الأغلبية، حق الفرق في تفسير التصويت، وهو عرف جرى به العمل في المجالس النيابية السابقة.. مدعيا ما يفيد أنه ليس من الأعراف النيابية فسح المجال للفرق من أجل تفسير تصويتها، ومضيفا أن ردود الفرق في مناقشة التصريح الحكومي هي بمثابة تفسير للتصويت. التطورات التي تلت تشكيل أجهزة مجلس النواب كلها تؤكد هذا التوجه، إذ تفيد بعض المصادر البرلمانية أن الرئاسة الحالية ومعها الأغلبية تتجه إلى التضييق على حق النواب في مساءلة الحكومة، كما تروج في كواليس المجلس مقترحات رامية إلى تقليص مدة السؤال الشفوي في دقيقة واحدة، من خلال حرمان النواب من حق التعقيب على أجوبة الوزراء. وإذا أضفنا إلى هذا السعي إلى تمرير مناقشة الميزانيات الفرعية، حتى قبل المصادقة على الشطر المتعلق بالمداخيل من الميزانية العامة، مما يعد خرقا سافرا لمقتضيات القانون التنظيمي للمالية، والاتجاه أيضا داخل اللجن إلى تقليص مدة التدخلات وتحجيمها، فإن نوايا الحكومة الجديدة المشكلة في عمودها الفقري من أحزاب معارضة قديمة، نوايا واضحة، وتتمثل في إفراغ المؤسسة التشريعية من محتواها، وتحجيم دور المعارضة مما ينطبق فيه المثل القائل: "قطع الواد وْنشفوا رجليه". والظاهر أن المستهدف الأول من هذا التوجه هو حزب العدالة والتنمية من خلال استهداف نشاطه في مجلس النواب وتحجيم دوره باعتباره يشكل القوة الأولى في المعارضة، وهو سلوك كانت له سوابق في الولاية التشريعية السابقة التي شهدت أحيانا مناورات من أجل قطع البث المباشر لوقائع الجلسات الشفوية وخاصة الأسئلة التي كان يطرحها الفريق. الخطير في هذا الأمر أن هذا التوجه جاء مخالفا لما ورد في الخطاب الملكي الافتتاحي للدورة التشريعية الحالية، حيث أكد جلالته أنه يرغب في قيام حكومة قوية ومعارضة قوية، وما ورد في التصريح الحكومي على لسان الوزير الأول السيد إدريس جطو، الذي أكد أنه سيفتح المجال للمعارضة للقيام بدورها كاملا. وعلمنا أن فريق العدالة والتنمية سيطرح في جلسته الأسبوعية التي تنعقد صباح اليوم (الأربعاء) هذا الموضوع من أجل اتخاذ الموقف المناسب، والذي قد يتخذ في حالة إصرار رئاسة المجلس اعتمادا على أغلبيته شكلا من الأشكال الاحتجاجية، كما قد يتجه إلى المطالبة بالتحكيم الملكي باعتباره جلالته ضامنا لحقوق الأفراد والجماعات.