أجمع المتدخلون، خلال الندوة التي نظمتها ثلاث منظمات حقوقية مغربية أول أمس (الثلاثاء) بالرباط حول فاجعة حريق سجن الجديدة الأخير، على أن "الموت أصبح يهدد قبل أي وقت مضى ما يفوق 57 ألف سجين مغربي بالنظر إلى التدهور الخطير لأوضاع السجون بالمغرب". وذهبت تدخلات بعض الحقوقيين إلى القول بأن "السجون المغربية أضحت أفرانا لإحراق السجناء وأضحى الموت رعبا يوميا يعيشه السجناء بعد حادث سجن سيدي موسى بالجديدة وقبله حادثي سجن سوق الأربعاء الغرب وسجن عكاشة". وقال عبد الرحيم جامعي، رئيس المرصدالمغربي للسجون، خلال الندوة ذاتها التي نظمتها كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان والمرصد المغربي للسجون، إن "الدولة مسؤولة عن القتل والإحراق والإصابات التي يتعرض لها السجناء من منطلق إهمال السلطتين التنفيذية والقضائية للاتفاقات الدولية المتعلقة بضمان ظروف جيدة داخل السجون والتي صادق المغرب على بعض منها". وتساءل جامعي في السياق ذاته عن "السر وراء الديماغوجية التي ظلت تحرك السلطات التنفيذية والقضائية اتجاه ملاحظات المنظمات الحقوقية"، مضيفا أن "هذه المنظمات لا تعرف لحد الآن موقف كل من وزارة العدل أو الداخلية أو الصحة أو مديرية السجون من الفاجعة"، مما يدل، يقول المتحدث نفسه، "على سياسة التغليط والتستر للالتفاف على القضية". من جهته، أشار فؤاد عبد المومني، عن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، إلى "النظرة الدونية التي تطبع تعامل الدولة مع السجون وأن السجين في اعتبارها يبقى عنصرا خطرا مجردا من أية إنسانية". وتتجلى بعض مظاهر هذه النظرة الدونية، حسب عبد المومني، في النسبة الضئيلة من الميزانية التي تخصصها وزارة العدل للمؤسسات السجنية والتي لا تتعدى خمسة بالمائة"، مثلما تتجلى في "صمها آذانها اتجاه الأوضاع المزرية التي تعرفها السجون المغربية من اكتظاظ وتدهور صحي ونقص خطير في الأغذية وانعدام وسائل الأمن وغيرها". أما عبد السلام العسال، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالجديدة، فصرح أن "حريق سجن سيدي موسى كارثة إنسانية كانت متوقعة"، مذكرا أن الجمعية كانت قد قامت عام1995 (أي سنة بعد تأسيس السجن) بتحقيق حول أوضاع هذه المؤسسة السجنية التي وجدتها جد متدهورة أنذاك وتنذر بوقوع فاجعة وهو ما حدث فعلا" وكشف العسال عن تضارب الموقف الرسمي من عدد ضحايا الحريق، إذ أن هناك معلومات عن دفن أموات آخرين بسرية غير التي تم الإعلان عنها لحد الآن وبلغت خمسين ضحية". ورفض العسال أن "يتم توجيه التحقيق الذي تقوم به وزارة العدل حاليا باستباق الإعلان عن فرضيات السبب الواقع وراء حدوث الحريق". وطالب المصدر المتحدث بلجنة "جديدة ونزيهة تشرك جمعيات حقوقية ولجنة الدفاع عن حقوق عائلات الضحايا التي تأسست أخيرا". وكانت قررت كل من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان والمرصد المغربي للسجون "الانكباب بصفة مشتركة على متابعة الأوضاع السجنية واتخاذ المواقف والإجراءات الضرورية من أجل المساهمة في إيقاف مثل هذه الفواجع". واستنكرت، من جهة ثانية في بيان أصدرته أخيرا، عملية إخفاء نتائج التحقيقات التي تمت على إثر حريقي عكاشة وسوق الأربعاء"، وطالبت ب"الكشف عنها وبيان الإجراءات المتخذة ضد المسؤولين والتدابير المقررة من أجل تفادي وقوع مثل هذه الحرائق داخل السجون المغربية". ودعت الجمعيات الثلاث إلى "اتخاذ الوسائل الضرورية ليكون التحقيق منصبا على الجانب الجنائي والجانب الإداري وأن يشمل جميع عناصر الحادث دون إقصاء أو انتقاء، وأن يهدف إلى تحديد المسؤوليات بالنسبة إلى جميع المسؤولين مهما اختلفت درجاتهم" كما دعت إلى "إشراكها كهيئات غير حكومية مهتمة في عملية التحقيق توخيا للموضوعية". يشار إلى أن عائلات ضحايا حريق سجن الجديدة كونوا أخيرا لجنة للدفاع عن حقوقهم بمعية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وطالبوا على إثرها بإقرار تعويض قضائي وليس مجرد "تعزيات" يكون بحجم الضرر الذي لحق الضحايا في فاجعة سجن سيدي موسى. يونس شهادات حية اسمتع على هامش الندوة لشهادات مواطنين فجعا في أقاربهم بالسجن المنكوب، وتم الاحتفاظ بهذه الشهادات كما جاءت فقط لأنها كانت معبرة ومؤثرة كما هي: سيدة مازالت تبحث عن جثة أخيها: نطالب المسؤولين بتحقيق مشترك معنا وأن يطلعوني على جثة أخي التي لا يمكن أن أضيع فيها.. لقد جاؤوني في البداية بجثة شخص قالوا إنه أخي طالما لم أستطع التعرف عليه لتفحم جثته وبعدها قاموا بحفر قبر الجثة من جديد معترفين بأنها ليست لأخي وإنما الأخير مازالوا لم يتعرفوا على جثته لحد الآن... إن أخي لن أضيعه بهذه السهولة لأني ربيته بعد موت والديه... اليوم أنا أطالب بحق أخي وبحق جميع الضحايا... هؤلاء المسؤولون منحونا في البداية مائة ألف سنتيم كتعويض وبعده مليون سنتيم ورفضنا فنحن لا نتسول تعويضا وإن كان مليار سنتيم.. نطالب أيضا بتحقيق نزيه وليس تحقيقا في كل مرة يأتينا بادعاء جديد... حقوقنا في النهاية ثابتة ولن نتنازل عنها بأي شكل من الأشكال.. مواطن قال إن أخاه انتقل من "قبر" إلى "قبر"... ما أريد أن أقوله لكم (أي الحاضرين في الندوة) أن ضحايا سجن الجديدة كانوا أخطأوا فعلا وتم تقديمهم للعدالة لكنهم "قتلوا" فيما بعد.. إن المسؤولين ارتكبوا أغلاطا وأغلاطا فادحة فأحرقوا لنا إخوتنا ويجب أن تتم محاكمتهم بدورهم وأن يتم تحديد أسمائهم لإشفاء غليل عائلات الضحايا على الأقل... كما يجب أن يصرف لهم تعويض معين لأنهم (أي العائلات) صرفت الكثير عن سجنائها من تغذية ودواء وغيره... هذا الدواء كان ضروريا في كل وقت نظرا للأوضاع اللاصحية في السجن... أنا لا أسميه سجن وإنما "كهف" أو "قبر"... إن أخي انتقل من "قبر السجن" إلى "قبر الموت"... هذه الأوضاع كانت تؤثر على السجناء بشكل كبير.. حين كنا نقوم بزيارتهم كانت تبدو على وجوههم حالات المرض والعياء الشديدين.. وكانوا يصطنعون الابتسامة بينما دواخلهم غير مرتاحة تماما.. الحريق وإن كان غير متعمد ظاهريا إنما في العمق هو كذلك لأن الضحايا تفحموا عن الآخر ما يدل على أن النار استمرت مشتعلة فيهم لمدة ثلاث ساعات تقريبا... أنا أخي مثلا "مات اختناقا" بمعنى أنه مكث يستنشق "الدخان" لمدة ناهزت الثلاث ساعات أيضا وهنا نتساءل أين كان الحراس والمسؤولون، خاصة وأن مدير السجن يوجد مسكنه بداخل المؤسسة السجنية.. نتساءل أيضا إن كانت هناك مراقبة لسجن سيدي موسى إذ أنه تحول إلى "سوق ممتاز" تباع فيه المواد الغذائية للزائرين بأثمان مضاعفة عن الأثمان العادية.. هناك حقيقة فظيعة أخرى وهي أن المسؤولين بالسجن حولوا السجناء إلى "نادلين" يخدمون الزائرين وخاصة منهم من لا يملك أسرة تزوره.. أحد الضحايا قضى نحبه ليلة الإفراج عنه من الحقائق التي كشفت عنها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (فرع الجديدة) بخصوص سجن سيدي موسى، كون هذا الأخير يعرف خلطا فوضويا بين السجناء داخل الجناح الواحد سواء من خلال نوعية الجرائم والجنح المرتكبة أو من خلال مدد العقوبة. وأكدت هذه الحقائق أن الجناح رقم خمسة حيث شب الحريق كان نموذجا صارخا لهذا الخلط، حيث كان ضمن الضحايا سجناء لهم عقوبة ممتدة لأكثر من عشرين سنة وآخرون لا تتجاوز مدة عقوبتهم السنة الواحدة، بل إن أحد الضحايا كان من المقرر أن يفرج عنه في اليوم الموالي ليوم وقوع الفاجعة، وهو "المصطفى بسكري" الذي كان من المفروض حسب القانون الداخلي للسجن أن يتم إلحاقه ليلة الإفراج عنه بغرفة تسمى "غرفة الضيافة" وهو ما لم يتم ويجهل لحد الآن مصيره، فجثته لم توجد أبدا بين كل الضحايا، طبقا لشهادة عبد السلام العسال رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالجديدة. وهذه حالات بعض الضحايا الذين كانوا يقضون عقوبات قصيرة المدة: محمد بيوضي محكوم بالسجن لمدة 5 أشهر قضى منها أربعة أشهر. عبد المولى غلاب محكوم عليه بأربعة أشهر قضى منها ثلاثة أشهر. إبراهيم البويي محكوم عليه في المجموع بسنة سجنا قضى منها خمسة أشهر. حسن بورحيل اعتقل لمحاولة الانتحار، محكوم عليه ب10 أشهر قضى منها خمسة أشهر. يونس