اعتبر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أن مخيم اليرموك في سورية مفتوح على سيناريوهات متعددة مرتبطة أساسا بمستقبل مجموعاته المسلحة. وقدم المركز في تقدير موقف نشره على موقعه الرسمي أن جملة من السيناريوهات بناء على تطورات الأوضاع الميدانية، أولها مبني على أن "أكناف بيت المقدس" ستقاتل حتى نفاذ الذخيرة تماماً، ثم يقدم تنظيم "داعش" للسيطرة على كامل المخيم، واعتقال أو قتل من تبقى منهم. أما السيناريو الثاني فهو أن تتمكن الأكناف من استعادة زمام المبادرة، وتتقدم في عمق المخيم واسترجاعه أو استرجاع جزء منه. والسناريو الثالث فيتمثل بانسحاب الأكناف من المخيم، وهذا يقتضي بالضرورة وجود تسوية مع أحد الأطراف بالنظر لواقعهم الميداني. وفيما يلي نص التقدير كاملا: مقدمة: اندلعت اشتباكات مفاجئة مطلع شهر نيسان/ أبريل 2015 في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بين مجموعات تتبع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) من جهة، وبين مجموعات أكناف بيت المقدس الفلسطينية، وتدهورت الأوضاع الإنسانية أكثر وأكثر لما يقرب من 15 ألف مدني فلسطيني. المشهد العام في مخيم اليرموك: يُعد يوم 16\12\2012 يوماً مشهوداً في حياة اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك، وهو اليوم الذي يؤرخ لبداية حصار المخيم جزئياً، بينما بدأ الحصار الكلي بعد عدة شهور من ذلك التاريخ، إثر طرد مجموعات "صقور الجولان" من اليرموك، والتي كانت تتبع المعارضة السورية قبل التحاقها بالنظام، حيث سرت شائعات حول ارتباطها المسبق به. لقد تمّ طرد مجموعات "صقور الجولان" المذكورة من قِبَل تشكيلات عدة داخل المخيم، أبرزها أكناف بيت المقدس، والتي تشكلت من عناصر فلسطينية بالكامل يحمل غالبيتهم خلفية انتماء أو تأييد لحركة حماس، حيث تطور المشهد الميداني لاحقاً في المخيم إلى سيطرة فصيلين رئيسيين على أغلب أجزائه، هما أكناف بيت المقدس وجبهة النصرة. ومنذ قرابة العام والنصف بدأت تظهر مبادرات عديدة من أجل تحييد المخيم ورفع الحصار عنه، شاركت فيها منظمة التحرير، وفصائل فلسطينية ولجان أهلية، لكن جميع المبادرات باءت بالفشل لأسباب متعددة. رفض النظام السوري إخراج المدنيين المحاصرين داخل المخيم، فيما سمح بدخول محدود جداً للمساعدات الإنسانية من قبل قوافل أوروبية، ووكالة الأونروا، وبعض المؤسسات المحلية. وقد أمّن وجود المدنيين حالة من الهدنة الحذرة بين النظام والمعارضة التي لم يكن من مصلحتها تعرض المخيم للقصف أو وقف دخول المساعدات، كما لم يكن من مصلحة النظام أن يُتَّهم باستهداف اللاجئين الفلسطينيين. وقد أمّنت هذه المعادلة هدوءاً نسبياً على مدار عامين تقريباً لقوات النظام في منطقة "القاعة" التي تشرف على المدخل الشمالي للمخيم، الذي مثّل أول نقاط التماس بين النظام والمعارضة جنوب العاصمة. وقد يكون هذا أحد أسباب إفشال مبادرات تحيّيد المخيم المتعددة، إذ أن أي تسوية سيكون من شأنها حرية حركة المدنيين، وبالتالي تحرك جدار الصّد (المخيم) بين خطوط النظام وخطوط فصائل المعارضة جنوبدمشق. تطورات المشهد الأخير: انتشرت في الشهور الخمسة الأخيرة (منذ أواخر 2014) ظاهرة الاغتيالات داخل مخيم اليرموك لرموز ونشطاء في مجالات متعددة، وبشكل غامض محترف، حيث تمّ اغتيال نشطاء محسوبين على فتح وحماس وغيرهم ممن مثّلوا أبرز نشطاء المخيم. ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير باغتيال يحيى حوراني "أبو صهيب" مسؤول حماس السابق في المخيم، وأحد أبرز الناشطين الإغاثيين الطبيين. اتَّهمت مجموعات الأكناف تنظيمَ داعش في منطقة الحجر الأسود بتنفيذ الاغتيال، من خلال دلائل معينة، قامت على إثرها باعتقال عدد من عناصر داعش للتحقيق معهم، وهو ما دفع بداعش لاقتحام المخيم ومحاصرة مكتب الشتات الذي يتبع الأكناف مباشرة بعد أقل من 24 ساعة، بينما تمكنت من بسط سيطرتها بشكل سريع على كافة مناطق جنوب المخيم، وهي المناطق التي كانت تحت سيطرة جبهة النصرة، فيما بدا أنه اتفاق مسبق بين الطرفين. واشتبكت الأكناف مع داعش في عدة محاور داخل المخيم. وعلى مدار اليومين الأول والثاني من نيسان/ أبريل حدثت معارك عنيفة بينهما عند خط تماس شارع نوح إبراهيم، الذي يقسم المخيم الشرقي مناصفة تقريباً مع شارع عطا الزير، فيما تمكنت داعش من التقدم في اليوم الثالث نتيجة الأعداد الكبيرة والتسليح الجيد (يقدر عددهم ب 1000 عنصر)، ومنع جبهة النصرة لأي مؤازرة من خارج المخيم، من التقدم من جهة الجنوب. ومع انحسار الأكناف إلى شمال المخيم، تقدمت قوات من تنظيم فتح الانتفاضة مدعومةً بقوات النظام والقيادة العامة، واستولت على مربع شمال المخيم، ليعزز ذلك من وجود النظام على امتداد شارع فلسطين من منطقة البلدية حتى محيط جامع الرجولة، وهو ما ضيّق الخناق على مجموعات الأكناف، التي انحسرت إلى محور لا يتجاوز طوله 400 متر، مع انتهاء اشتباكات اليوم الرابع والخامس. وقد ترافق ذلك مع حالة رعب بين الأهالي، خاصة مع قيام داعش بقطع رأس شابين ورميهما في الشارع، وسريان العديد من الشائعات، فيما زاد الوضع الإنساني سوءاً مع سيطرة داعش على نقطة توزيع الماء الوحيدة داخل المخيم، القريبة من جامع فلسطين، وتوقفت كافة محاولات إدخال الغذاء للمخيم من قبل كافة المؤسسات. في اليوم السادس تمكنت الأكناف من تجميع عدد من عناصرها جنوبي المخيم، وشنت هجوماً استعادت بموجبه منطقة المركز الثقافي والمشفى خلفه، فيما حاولت مجموعة محدودة من منشقي جيش التحرير الفلسطيني بقيادة العقيد خالد الحسن في اليوم السابع دعم الأكناف شمالاً بهجوم معاكس ضد داعش، مما أدى إلى مقتل العقيد الحسن. وانتهى المشهد على حصار الأكناف بين داعش والنصرة من جهة، والنظام من جهة أخرى. ونحن نكتب هذا التقدير قبل أن تستقر الأوضاع تجاه مشهد جديد. السيناريوهات المحتملة: في ظل التطور المذكور، والتقدم العسكري الواضح لداعش، فإن سيناريو مستقبل المخيم سيرتبط بمستقبل مجموعاته المسلحة، ويمكن عرض السيناريوهات التالية: 1- قتال أكناف بيت المقدس حتى نفاذ الذخيرة تماماً، وتقدم داعش للسيطرة على كامل المخيم، واعتقال أو قتل من تبقى منهم. 2- استعادة الأكناف لزمام المبادرة، وتقدمها في عمق المخيم واسترجاعه أو استرجاع جزء منه. 3- انسحاب الأكناف من المخيم، وهذا يقتضي بالضرورة وجود تسوية مع أحد الأطراف بالنظر لواقعهم الميداني، وعليه فالانسحاب يقتضي عدة احتمالات: تسوية مع النظام السوري للسماح للأكناف بالانسحاب عبر مناطقه باتجاه معين، كمخيم خان الشيح غرب العاصمة، أو التضامن، أو باتجاه ريف دمشق أو ريف درعا. تسوية مع داعش والنصرة، للسماح بانسحابهم عبر مناطقهم باتجاه يلدا وببيلا وبيت سحم جنوب المخيم. التمكن من الانسحاب دون تسوية مع النظام أو داعش باتجاه حي التضامن. قبل الحديث عن ترجيح السيناريوهات، يجب ترجيح احتمالات الانسحاب، والتي قد تبدو جميعها مستبعدة في حال ترجيح السيناريو الأول أو الثاني، أضف إلى ذلك أن التسوية مع داعش والنصرة قد فشلت، بعد مفاوضات بهذا الشأن. فيما تبدو التسوية مع النظام للانسحاب جنوباً بحاجة إلى رعاية وضمانات قوية، كما حصل في حمص مثلاً، إلا أن شيئاً من هذا لم تتوفر شروطه بعد، مع غياب المرجعية المناسبة سواء فلسطينياً أم دولياً، وبالرغم من وصول الملف لمجلس الأمن، إلا أن الحديث بقي في الشق الإنساني، بعيداً عن تبني أي مبادرة بخصوص المقاتلين. أما خيار الانسحاب باتجاه حي التضامن دون ترتيب مع أحد الطرفين (داعش أو النظام) ويواجه تحديين اثنين: الأول: أن هكذا انسحاب لا بد وأن يكون عسكرياً، بمعنى القيام بعملية عسكرية لتنفيذ الانسحاب، إذ سيكون على الأكناف المرور بمنطقة حرجة، مكشوفة من قبل النظام، ومن جهة أخرى من قبل النصرة، ومع نفاذ ذخيرة الأكناف المتوقع جداً، وحساسية المنطقة عسكرياً، قد يبدو هذا الإنسحاب أقرب إلى مخاطرة كبيرة أو ربما "انتحاراً". التحدي الثاني: أن الأمر يحتاج موافقة مجموعات المعارضة في حي التضامن، التي من المؤكد أنها لا ترغب باستفزاز داعش والدخول بأي إشكال معها، فضلاً عن أن فكرة الانسحاب غير محبذة عند كافة فصائل المعارضة السورية، لأن هذا يعزز قوة داعش أو النظام داخل اليرموك. والفكرة نفسها غير محبذة لدى النظام نفسه، الذي لا يرغب بتحويل خط تماس اليرموك ليصبح مع داعش. وهو ما يجعل خيارات الانسحاب كلها خيارات بعيدة، على الأقل في ظل الواقع المطروح. وفي حال حدوثه، فإن أقربها هو التسوية مع النظام بضمانات فلسطينية أو دولية، على غرار انسحاب مقاتلي حمص قبل قرابة العام. أما السيناريو الذي يبدو أكثر واقعية في الظرف الراهن، فهو تمكن الأكناف من استعادة زمام المبادرة من خلال التزود بالسلاح والذخيرة، بهدف استعادة المخيم أو جزء منه شمالاً؛ وقد لا يمانع النظام من ذلك، إذا كان ذلك سيعيد اليرموك إلى وضعه السابق؛ كما كان على مدار العامين الماضيين. كما أن إمكانية استمالة "أحرار الشام" التي تسيطر على مربع غرب اليرموك ممكن، في حال تمّ تبديد مخاوفها من داعش والنصرة، وهو ما قد يساعد على تغيير بعض المعادلات الميدانية في اليرموك. وفي كل الأحوال فإن تكلفة هذا الخيار ستظل باهظة. إلى ذلك فإن مستقبل المخيم سواء في حال سيطرة داعش بالكامل عليه، أم في حال استعادته كاملاً، أو جزء منه من قبل المجموعات الفلسطينية، سواء الأكناف أم تلك الموالية للنظام سيكون قاتماً، وسيبقى "ثمن الجغرافيا" قائماً في مخيم اليرموك حتى انجلاء المشهد السوري على نتيجة مستقرة ودائمة، أو في حال حدوث تغيرات جوهرية في الخريطة الميدانية في جنوبدمشق. وفي حال بقاء سيطرة داعش على أجزاء من المخيم، فإن احتمالات خروج جزء من المدنيين قد تكون قائمة؛ بحكم سقوط مُبرر استخدام النظام لهذه الورقة، وفي ظل عدم اكتراث داعش (بسبب طريقة رؤيتها وتعاملها مع الأمور، ولأن غالبية عناصرها غير فلسطينية) بالعامل الشعبي وضغطه.