فازت القائمة العربية المشتركة ب – 14 مقعداً في الانتخابات الإسرائيلية التي جرت الثلاثاء 17.3.2015 ، ويعد هذا إنجازاً تاريخياً للجماهير العربية الفلسطينية في داخل فلسطين 1948 ، إذ تجاوزت نسبة التصويت في المجتمع العربي ال – 70%، وهي الأعلى منذ عام 1999 ، حيث حصلت القائمة العربية المشتركة على أكثر من 90% من أصوات الناخبين العرب ممّا يجعل هذا الإنجاز فعلاً إنجازا تاريخيا حقّقته الأحزاب العربية من خلال وحدتها غير المسبوقة منذ قيام إسرائيل وحتى الآن . لقد وفَّت الجماهير الفلسطينية بما وعدت به من ان وحدة الأحزاب العربية ستغير المشهد تماما ، حيث سيكون التصويت بكثافة هو واحد من اهم تجليات هذا التغيير .. لقد شكك المتشائمون والمقاطعون لهذه الانتخابات في فرص حصول هذا التغيير ، الا ان ثقتنا بشعبنا كانت في محلها تماما .. لقد احتضن اكثر من 70% من فلسطينيي الداخل من أصحاب حق الاقتراع ( نحو اربعمائة وخمسين الف ناخب ) هذه الوحدة الوليدة ، ورعاها بكل غال لديه لما رأى فيها من استجابة لحلم راودها منذ عقود .. الوحدة .. نعم الوحدة …. حققتها الاحزاب رغم ما يمور به عالمنا العربي والاسلامي وحتى وطننا فلسطين من تسونامي التشظي والتمزق …. لقد سبحت قوانا السياسية ضد التيار الجارف ، وتمردت على أمواج الانقسام العاتية ، وقلبت الطاولة في وجه طوفان النزاعات والصراعات والاستقطاب التي عصفت بالأمة ، وسعت بكل جد وقناعة نحو تحقيق وحدى سياسية تستحق ان تكون نموذجا يحتذى به في المحيط الفلسطيني القريب والعربي البعيد … لم نعلق املا على تغيير مهما كان نوعه في الحكومة .. توحدنا من اجل انفسنا ، وكخطوة في اتجاه اعادة تنظيم صفوفنا لمواجهة التصعيد الصهيوني اليميني المحتمل القادم … كان في صلب حملتنا الانتخابية التركيز على قدرة جماهيرنا الفلسطينية على هزيمة خطط اليمين في اقصائنا وتهميش دورنا كأهل البلاد الشرعيين من جهة ، وقدرتها على فرض حضورها في كل المجالات بالرغم من الخلل الواضح في موازين القوى بين دولة تملك اغلب أوراق اللعبة ، وشعب – هو نحن – وان فقدنا بحكم سياسات التمييز العنصري والقهر القومي كثيرا من أوراق الضغط ، التي مارستها كل حكومات اسرائيل المتعاقبة ، الا اننا ما زلنا نملك ايماننا بالله ثم بأنفسنا وارادتنا ووعينا وصلابتنا وقوة احتمالنا وصمودنا ، وثقتنا في حتمية النصر القادم مهما طال الزمن من الجهة الأخرى .. ما كانت المعركة بيننا كجماهير فلسطينية وأغلب الأحزاب الصهيونية سافرة وفاضحة كما كانت هذه المرة ، حيث كشفت اغلب هذه الأحزاب عن انياب حقدها وكراهيتها للعرب وان كانونا مواطنين في الدولة بحكم القانون والأمر الواقع ، مما دعانا الى حشد جماهيرنا تحت راية الوحدة السياسية لخوض معركة مصيرية سيكون لها ما بعدها .. وقف المأفونان المتطرفان يشاي ومارزل زعيمي حزب ( ياحد ) اليميني وليبرمان زعيم حزب ( يسرائيل بيتينو) على رأس القوى التي جاهرت بعدائها وتآمرها العلني ضد جماهيرنا وقيادته ، وكانت كراهية غيرهم مقنعة لم تخفى علينا ، ولذلك وضعنا لأنفسنا هدفين استراتيجيين لا بد منهما لتجاوز المرحلة … الأول ، زيادة عدد النواب العرب في البرلمان الإسرائيلي ليكونوا قوة الدفاع والهجوم الأولى في قلب السلطة التشريعية ، حارسة لقضايانا وحامية لثغورنا ومدافعة عن حقوقنا الدينية والوطنية والقومية . الثاني ، العمل على هزيمة هذين الحزبين اساسا لتوفر الفرصة لهزيمتهما … كانت بوابتنا الى تحقيق هاتين الغايتين النبيلتين هو رفع نسبة التصويت في أوساط جماهيرنا الفلسطينية ، حيث كانت وحدة الأحزاب تحت راية واحدة سبيلنا الى ذلك تحقيقا لمطلب هذه الجماهير منذ سنين … نتائج الانتخابات اثبتت انه لا مستحيل اذا توفرت الإرادة .. نجحنا سحق ( مارزل ويشاي ) … أما ( ليبرمان ) فقد قُصَّت اجنحته وأُهين اهانة كبرى بتراجع حزبه من 11 عضو الى 6 أعضاء ، هذا بالإضافة الى تراجع حزب المستوطنين ( البيت اليهودي ) الفاشي من 13 عضوا الى 8 أعضاء .. لا شك ان هذا يعتبر إنجازا معنويا وموضوعيا كبيرا بالنسبة لنا ، آخذين بعين الاعتبار حقيقة ان اليمين الإسرائيلي قادر على تشكيل حكومة أقلية بالتحالف مع الاحزاب الدينية الأصولية ( شاس ويهدوت هتوراه ) ، لن تكون مستقرة ، وستواجه تجاهلا واهمالا دوليا سيؤدي في النهاية الى سقوطها قريبا وهذا انجاز .. عموما نحن على قناعة بانه لا فروق جوهرية بين " المعسكر القومي " ( الليكود وحلفاؤه ) وبين " المعسكر الصهيوني " ( حزب العمل وحلفاؤه ) ، من حيث تبني المعسكرين نفس ( اللاءات ) بخصوص الملفات الكبرى : القدس ، الانسحاب الى حدود 1967 ، إزالة المستوطنات ، الانسحاب من القدس الشرقية بما في ذلك الحرم القدسي الشريف ، عودة اللاجئين .. الخ .. بل استطيع ان اذهب لأقرر ان التجربة الماضية مع حكومات الوسط واليسار كانت اكثر ضررا للمصالح الفلسطينية حيثما كانت ، وذلك من خلال استعمال أسلوب ناعم يحظى باحترام والتفاف العالم مما يُخرج إسرائيل من عزلتها وازمتها ، بينما هي تمارس على الأرض نفس السياسات الظالمة والمنتهكة لفلسطين وطنا وشعبا ومقدسات .. وجود مجرمة الحرب ( تسيبي ليفني ) كشريك ل – (يتسحاق هرتسوغ ) زعيم حزب العمل في اطار ( المعسكر الصهيوني ) الذي سعى ليكون بديلا لحكومة ( نتنياهو ) ، اكبر دليل على عملية الخداع الكبيرة التي تمارسها الأحزاب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والعرب والعالم .. من مفارقات الزمان الغريبة ان تنتظر امتنا العربية والإسلامية وحتى المجتمع الدولي تغييرا حكوميا إسرائيليا املا في فتات يمكن ان يتساقط من مائدة حكومة جديدة ، بدل الانتقال من حالة النفاق في التعامل مع الحالة الإسرائيلية الى حالة الضغط الحقيقي على اية حكومة يمكن ان تنشأ ولو من باب الدفاع عن الشرعية الدولية التي تدوسها كل الحكومات الاسرائيلية بكل صلف وعنجهية ، وهي مطمئنة إلى ان يد العدالة الدولية لن تصل اليها مهما ارتكبت من جرائم بسبب ما تتمتع به من حصانة لا احد يعرف سببها او المبرر لها . العكس هو الصحيح سيستمر نتنياهو بسياساته الحمقاء في الدفع بإسرائيل عميقا في زنزانة ( عقلية الغيتو ) حتى لا يظل صديق لإسرائيل على مستوى العالم الا نظام الانقلاب الدموي في مصر ، وسيكون سببا في حصار اسرائيل دوليا اكثر من غيره ، واكثر من أي وقت مضى .. … المهم اننا في القائمة العربية المشتركة سنستمر في النضال مهما كانت هوية الحكومة أو اجندتها السياسية ، ولا اظنها الا انها ستكون حكومة استيطان وتهويد للقدس وتهديد للأمن والاستقرار الدوليين …. هذا قدرنا ونحن ماضون فيه حتى النصر .. الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل منحت ثقتها للقائمة العربية المشتركة التي حظيت بدعم واسع بلغ ال – 90% ممن مارسوا حقهم في التصويت ، لآنها ببساطة عبرت عن اشواق دينية ووطنية لطالما راودت اجيالا من الفلسطينيين خلال عقود متطاولة من الزمن ، خصوصا في ظل التشظي والانقسام العربي الذي ولد صراعات ونزاعات دموية هَدَّتْ كيانها وجعلتها نهبا لكل طامع .. هذه الانتخابات لم تكن انتخابات عادية، بل كانت بجوهرها استفتاء على الوحدة، والجماهير أجابت بنعم لهذه الوحدة . نحن أمام إنجاز تاريخي وانطلاقة جديدة للعمل السياسي العربي في الداخل الفلسطيني . من اليوم ننطلق بهمة جديدة عالية وعزيمة أشد لمواجهة العنصرية والعنصريين، والتصدّي لسياسة الإقصاء والتهميش والتمييز والسياسات الإسرائيلية ضد أبناء شعبنا. صانع وحدة الجماهير في الداخل الفلسطيني هو شعبنا الذي أرادت اغلب الأحزاب الصهيونية إقصاءه ، فطالب وقاد فكرة القائمة المشتركة ، وحقّق أهدافها التي تمثّلت بنسبة التصويت التي تجاوزت ال70% فكانت 90% منها للأحزاب العربية و3 مقاعد إضافية عن آخر انتخابات . وحدة الأحزاب العربية في القائمة المشتركة هو المتغيّر الوحيد في هذه الانتخابات، وما يمكن أن يفرزه من زيادة كبيرة في وزنها السياسي، ومن مساهمة حقيقية في إعادة لملمة واستثمار أوراق القوة التي يملكها هذا الجزء من شعبنا داخل أراضي 48 كجماعة قومية أصلانية . يمكن الجزم بأن تجربة القائمة المشتركة هي تجربة تاريخية ، شرط أن ننتقل بها الى الميدان والمؤسسات وفق رؤية وطنية ديمقراطية شاملة. لقد فرض شعبنا الوحدة علينا، ووقف وراءها وأنجحها. هكذا تقلصت الفجوة بين القيادات والشارع ، ولكن هذه الفجوة يمكن أن تتسع أكثر مما كانت عليه إذا أخفقنا في استثمارها وعززناها على الأرض، من خلال تشييد هياكل سياسية وتنظيمية وطنية راقية وقوية جامعة . من اهم نتائج هذه الانتخابات نجاح المجتمع العربي الفلسطيني في كنس الأحزاب الصهيونية من قرانا ومدننا العربية ، مما يعتبر دليل نضوج واضح جعل جماهيرنا تتصرف كشعب وليس كفتات شعب ، إذ أصبح التصويت للقائمة المشتركة معيار انتماء لمشروع وطني وحدوي شامل . ساهمنا بكل ما أوتينا في اضعاف معسكر اليمين المتطرف ، وفي المقابل ساهمت شرائح عريضة وواسعة من الجمهور اليهودي التي يُغَذّى بالعنصرية منذ رياض الأطفال ، ويتعرض لموجات عاتية من غسيل الدماغ والترويع الفاشي ، والتحريض الدموي ضد كل ما هو غير يهودي ( الاغيار ) ، مما انعكس على نتائج الانتخابات وحصوص تحالف اليمين برئاسة نتنياهو على اغلبية المقاعد مما يسمح له بتشكيل حكومة هي الأكثر تطرقا منذ عقود . تدل نتائج الانتخابات على مدى رسوخ التطرّف والعنصرية والطبيعة الكولنيالية في إسرائيل على الصعيدين السياسي والمجتمعي . هذه النتائج تفرض على صانعي القرار في الساحة الفلسطينية حسم خياراتهم التي كانت حتى اللحظة موضوعة على الرف أو يجري البحث فيها وعدم تنفيذها، وإن جرى تنفيذها فبصورة محدودة أو متردّدة لأهداف تكتيكية مثل تحسين ظروف العودة إلى المفاوضات وليس جزءا من إستراتيجية سياسية وكفاحية شاملة . نتائج الانتخابات لا تبشر بأي تغيير ، ولا تشكل فرصة من أي نوع لانفراج من أي حجم في قضيتي المساواة داخل الدولة العبرية بين اليهود والعرب الفلسطينيين ، والسلام المزعوم بين اسرائيل وفلسطين ، خصوصا وان نتنياهو صرح قبل يوم من الانتخابات بانه ان اختاره الإسرائيليون مرة أخرى لرئاسة الوزراء فلن تقوم دولة فلسطينية الى الابد ، هذا بالإضافة الى ( لاءاته ) التي اعلن عنها بوضوح غير مسبوق حول رفضة التنازل او الانسحاب من القدس او الضفة الغربية ، او التنازل عن أي مستوطنة مهما كان حجمها او مكانها .. من الواضح ان الحكومة القادمة ستكون أكثر يمينية على كافة الأصعدة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وستدخل المنطقة كلها إلى أفق مظلم . في ظل هذه الظروف سيبقى للقائمة العربية المشتركة دور في قيادة معارضة مقاتلة قوية وشرسة في البرلمان ضد حكومة نتانياهو مهما كانت تركيبتها ، حتى يتحقق وعد الله …