تسارع المرأة المغربية في خطواتها من أجل تقلد مناصب الرئاسة في مجال الإعلام، بعد أن أبرزت كفاءة قد تفوق زميلها الرجل، الذي ظل يحتكر لزمن طويل السلطة الرابعة في البلاد، فكرست قلمها وعلمها وجهدها لتكسر نظرة الدونية التي لزمتها طوال قرون، وتثبت للمجتمع أن الإبداع رفيق الأنوثة لا خصمها. المرأة تقتحم مهنة المتاعب شهد المجتمع المغربي في العقود الأخيرة طفرة إعلامية مهمة، تطورت بموجبها الصحافة المكتوبة وتزكى تواجد العنصر النسائي بها ليشكل جزءا مهما من المشهد الإعلامي، وبوثيرة غير بطيئة تتوافد الإناث على دراسة علوم الإعلام وملحقاته، عن رغبة أم بحكم المناظرة، لكن علامة الاستفهام تظل ترتسم حول سر اهتمام وتهافت المرأة على هذا المجال في وقت أصبح الرجل يسجل فيه نقاط تراجع غير مبشرة. حيث يعتبر ادريس عدار، صحافي، تنامي وجود العنصر النسائي في مجال الإعلام شكلا من أشكال الليبرالية التي يعرفها المجتمع المغربي، إذ كانت المرأة سلفا مكلفة بأمور البيت وتلبية رغبات الرجل، ويضيف بأن بروز التيار العالمي لنظام الحركة النسائية بشكل مكثف في السنوات الأخيرة، كان له انعكاسات سلبية حتى على المجتمع المغربي أثرت على حركة النضال النسائي بالمغرب، مما جعل التيارات النسائية تتواكب بشكل مكثف من أجل تحصيل مجموعة من المواقع داخل المجتمع على غرار الرجل. يقول ادريس عدار " إن المؤسسات الإعلامية بالمغرب ليست مقاولات مناضلة، ولا عقلانية، ولا تشتغل بشكل راق يتماشى وحاجيات العنصر الذكوري في الارتقاء اجتماعيا، فيما تقبل المرأة بأبسط الشروط وتقنع باليسير" وهذا ما يفسر برايه اختلافها وتحصيلها لمجموعة من المواقع غاب عنها وجود الرجل. أما سعاد لحمامي، صحفية، فهي ترى مهنة الصحافة مهنة قريبة من المرأة، تربحها اجتماعيا وترضي رغبتها ذاتيا. تقول سعاد "رغم وجود نوع من المخاطرة بضمان الشغل في ظل تقاعس المشروع الإعلامي فيما يتعلق بالتحرير الكتابي لم يثن المرأة عن ركوب هذه المخاطرة هادفة إلى تحسين وضيعتها الاجتماعية، غير أن المشهد الإعلامي بالمغرب لم يلب حاجيات الرجل في مجال الصحافة، ويعتبرها مهنة غير مستقرة". وفي نظر الطالبة الصحفية نوار، فصحافة المغرب صحافة مقموعة تدفع أبناءها للهجرة بحثا عن فضاء حر يتخلص فيه من القيد الذي لا يساعده على الخلق والإبداع، وعموما تقول نوار "فالرجل لا يتقيد بالوقت في حين أن مهنة الصحافة تتطلب المتابعة والقراءة والاطلاع، وهذا وضغ يتنافى مع طموحات الرجال وعقليتهم التحررية". فيما تربط الأستاذة نادية السعدي ، معهد الصحافة، هذا الموضوع بتفاصيل الحياة وتفاصيل ما بعد التخرج وتعقب بقولها "إن المرأة لديها مسيرة على خط استراتيجي هي أن تكون كائنا جديرا له رأي في المجتمع، إذا ما تحدثنا عن جانب انفتاح المرأة في مجال الإعلام، وهذا لا يعني أن يتراجع وجود الرجل". فيما يلحظ الاستاذ عبد الوهاب الرامي، معهد الصحافة، أن أغلب الطلبة المتكونين في مجال الاعلام إناث، وبتقصي المرمي من توجههن، يقول الرامي، استخلص أن الاعلام البصري، سيما التلفزيون، يجذبهن بكثرة، واتجاه بعضهن إلى الصحافة المكتوبة أمر طبيعي بعدما يتعرفن على أفضال المهنة وخصائصها ومواءمتها لميولاتهن كصحفيات. صاحبة الجلالة تتأنق وفيما يربط كثير من المتتبعين وأبناء الميدان إقبال المرأة على الصحافة بأسباب موضوعية يلعب فيها التحول المجتمعي ومفاهيم الحداثة والعصرنة التي لحقت الحركة النسائية في الوطن العربي عموما الدور الاساس، هناك من يربطها بطبيعة الصحافة ذاتها، إذ تتواءم وطبيعة المرأة في رشاقتهاوأناقتها. يقول الاستاذ عبد الوهاب الرامي، معهد الصحافة، "إن مهنة الصحافة في حاجة إلى الرجل كما هي في حاجة إلى المرأة رغم تهافت الإعلام البصري على المرأة باعتبارها أكثر جاذبية في بعض المواضيع من الرجل. وإن كانت رشاقتها توظف بشيء نقيض، فحينما ننظر إلى الإشهار توظف على أنها سلعة أو حامل للبيع، ويضيف بان الجاذبية عموما تقتسم بين الرجل والمرأة، ومن جهتها تعتبرجيهان، طالبة صحافية، الصحافة لغة الرشاقة والأناقة لا تجد مبتغاها إلا عند المرأة، وتضيف إلى هذا الفارق غير الملموس، فارقا آخر ماديا، وهو حصول الإناث بتفوق على نقاط عالية مقارنة بالذكور، والتي تمكنهم من اجتياز مباراة معاهد الصحافة بالمغرب، وإن كان هذا الأمر، تقول جيهان، لا يعني للرجل شيئا، لأنه يعتبر الصحافة مشروعا غير مربح ماديا. ويزكي الطرح نفسه الطالب الصحافي عبد العزيزبقوله " كون الإعلام يعتمد الإثارة والإبداع والنشاط، فإنه يجد عند المرأة ما هو أكثر بدل الرجل، فيما ينسحب هذا الأخير إلى وظائف أخرى لا تقل أهمية عن الإعلام". ويعبر ادريس عدار عن وجهة نظره بقوله "إن المرأة تسعى إلى تبرير موقعها بالجهد في العمل، ومن هنا يظهر تمايزها عن الرجل زيادة على وجود مجالات يصعب على الرجل اختراقها واقتحامها، في حين تكون في متناول المرأة بحكم طبيعتها وموقعها في المجتمع". المرأة تنتظر تزكية الرجل ويبقى المنتوج الصحفي النسائي رهين رضى الرجل ومحط تمحيصه وانتقاده في انتظار جواز سفره إلى النور، إذ عرفت الكتابات النسائية عموما في الوطن العربي تهميشا وانتقاصا لا يعبرعن تسلط النزعة الذكورية فقط، وإنما يبرز بوضوح هشاشة المبادئ الصارخة باسم التقدمية والمساواة، غير أنه لا تخلو الساحة من وجود ثلة من ذوي الفكر الحضاري النير وقفوا إلى جنب المرأة، قولا وعملا، في مسيرتها النضالية من أجل أن تثبت شخصيتها وذاتها وتميزها. تقول سعاد لحمامي، صحافية، "الفتاة المغربية تمارس مهنة الصحافة عن حب، وربما لأسباب بيولوجية يفوق عطاؤها عطاء الرجل في ميدان العمل الإعلامي، إلا أن الرجل يظل المنفرد بمنح الثقة للمرأة في كفاءتها، وقد تمر سنون طويلة حتى يعترف لها بذلك". وبرأي ادريس عدار، المرأة شقيقة الرجل وعنصر مكمل له، ولا يمكن أن تفصل حركتها عن حركة الرجل، ويربط عنصر التمايز بينهما أساسا بالكفاءة المهنية وليس بالجنس. وتعلق الأستاذة نادية بقولها "إذا كان الرجل ينظر إلى المرأة نظرة حضارية، فإنه يتقبلها في كل مكان، في العمل في البيت وفي الشارع، أما إذا كانت نظرته رجعية فلن يتقبلها حتى في المطبخ، فالأمر يتعلق بمرجعيات هذا الرجل وليس لاختلاف المواطن أي صلة بالموضوع". الفطرة تتحدى الواقع وبالنظر إلي الوظيفة البيولوجية للمرأة كزوجة وأم يلحق النقص والقصور عملها في بعض مجالات الإعلام التي تستدعي التنقل والسفر وما شاكل ذلك، وهذا ما عبر عنه الطالب الصحافي عبد العزيز بقوله" إذا تعلق الأمر بالتعليق والتحرير إو بمقارنة الأشياء سهل على المرأة إثبات الكفاءة وإنجاز الأحسن إذا أمكن، أما إذا تعلق الأمر بأمور وأشياء فد تصعب على وضعية المرأة كأم وزوجة مثل مطالبتها بالسفر الكثير لإنجاز موضوع ما، فهذا يؤثر علي أدائها سلبا". وتضيف نادية السعدي بأن المرأة تفهم ضرورة تواجدها في ساحة الحياة بشكل خطأ يثير حساسية الرجل. فحينما تختلط الأوراق أمام المرأة، تقول نادية، يشعر الرجل بأنها رجل مثله يزاحمه، وتعفب بقولها " إن المرأة الذكية من تصل إلى أبعد المراتب وهي تعطي للرجل إحساسا بأنه رجل وهي امرأة". لا صحافة بدون حياد وحيث يصعب على المرأة مسألة الحياد في أمور تستدعي الموضوعية وعدم الانحياز، تقابل بالرفض والنقد إذا ما قبلت عن جدارة في منصب من المناصب، بدعوى أن عاطفتها تغالب، فطرة، فكرها في معالجة كثير من القضايا والحكم فيها، إلا أن اقتحامها لمجال الصحافة أثبت عكس ذلك. فنادية السعدي ترى أن مسألة الحياد عند الرجل أسهل، وتعتبر وجود المرأة في المجال الإعلامي دليل على تصديها لهذه المسألة، وبان مسؤولية القلم على المرأة أكبر من مسؤولية أي مجال من مجالات الحياة، وإن كانت المرأة بطبيعتها عاطفية أحيانا ومتطرقة أحيانا أخرى، على حد قولها. الأستاذ عبد الوهاب الرامي من جهته يري بأن تأثيرالأنوثة والإفراط في الحساسية صفات تبقى خاصة بالأنثى في ذاتها، أما فيما يتعلق بالعمل الصحفي، يقول " لا شك إذا استثمرت المرأة كل قدراتها الصحفية المهنية ستكون موضوعية إلى درجة ما. وهذه الموضوعية، تلتقي بنفس الموضوعية التي يشهد تقليديا للرجل فيها، فليس هناك فرق على هذا المستوى" وعقب على ذلك بقوله " طبعا للرجل الصحفي سبق تاريخي كما هو الشأن في كل مجالات الحياة، إلا أن هذه الهوة هي التي يجب أن تردم على مستوى التكوين الأكاديمي والعملي لكي تكون المرأة والرجل في خندق واحد وعلى مستوى واحد". ورغم الالتزامات الأسرية والوظائف البيولوجية التي تربط وتحد من إرادة المرأة في كثير من الأحيان فهناك > فلتات<، يقول الأستاذ الرامي، إذا توفرت الظروف تستطيع المرأة حينها أن تضاهي الرجل في كثير من المجالات، ويضيف الرامي بقوله" لم يعد هناك داع بأن نقول إن المرأة مهنيا لا تتميز بالموضوعية، هذا معطى عفا عنه الزمن". خديجة دحمني