القارئ لتقرير مؤسسة راند والمقال الصادر عنها تحت عنوان: Civil Democratic Ressoursses and Stratégies Islam patterns يمكن أن يفهم الدور الذي يقوم به طابور خامس بنسب نفسه للحداثة والمحميون الجدد . ونحن إذ لا نعمم على جميع الديموقراطيين والعلمانيين والحداثيين إذ يوجد فيهم شرفاء وطنيون، كما أننا لا ننفي وجود صور من الغلو والتطرف والانغلاق عند من ينسبون إلى الإسلاميين، نود أن نؤكد أن قضايا الاجتهاد والتحديث والديموقراطية والتنمية ومقاومة الغلو والتطرف بجميع أشكاله وألوانه وجهاته، هي قضايا داخلية تحتاج إلى حوار وطني متواصل وصراع ديموقراطي إذا اقتضى الأمر صراعا يعترف للجميع مهما يكن توجهه بحقه في الوجود والمواطنة في نطاق القانون واحترام حق الآخرين من أبناء الوطن الواحد في الوجود والعمل والتفكير والتعبير أيضا. فالحداثة والديموقراطية والتنمية والتجديد والاجتهاد المحمولة على الأسنة الأمريكية لا يمكن أن تكون محققة لآمال الشعوب العربية والإسلامية ولا يمكن إلا أن تكون شعارات براقة ظاهرها الرحمة ومن قبلها التربص بمقدرات واستقلال بلداننا . إن الحداثيين المتأمركين لن يكسبوا في يوم من الأيام قلوب الجماهير ولا يمكن أن يتحولوا في يوم من الأيام إلى مصلحين أو قديسين ، ولن يستحقوا من الشعوب سوى الاحتقار تماما مثل كرازاي وإياد علاوي وغيرهم من المرتزقة المأجورين ممن لا يتورعون أن يقودوا خطوات الجيوش الأمريكية الغازية لارتكاب المجازر في حق مواطنيهم كما حدث في النجف وكما يحدث في الفلوجة وكما حدث في أفغانستان وبالرجوع إلى تقرير راند وهي مؤسسة بحثية أمريكية ذات توجهات صهيونية، وللمؤسسات البحثية ما لها في الولاياتالمتحدة من صلة وتأثير في القرار السياسي وفي السياسات الخارجية للإدارة الأمريكية نجد أنه يكشف عن الدور المرسوم لهذا الطابور الخامس ومهمته القذرة في التصورات المتصهينة الموجهة للقرار السياسي الأمريكي في المنطقة ، فالتقريرالمذكور يميز بين مواقف أربعة في السعي إلى تجاوز حالة الإخفاق الذريع للمشاريع التنموية التي تعاقبت على العالم العربي . وتتجلى هذه المواقف فيما سماه بالأصوليين الذين يرفضون القيم الديموقراطية والثقافة الغربية ، والتقليديين الذين يسعون إلى خلق مجتمع محافظ ، والحداثيين الذين يبغون حسب التقرير عالما إسلاميا مندمجا في داخل الحداثة العالمية مما يستلزم تحديث الإسلام وتغييره ليتماشى مع ظروف العصر ، والعلمانيين الذين يريدون عالما إسلاميا مختزلا للدين في الدوائر الخاصة على غرار الديموقراطيات الغربية حيث الفصل بين الدولة والكنيسة . يستبعد التقرير أن تعمل الولاياتالمتحدة على تأييد الأصوليين إلا إذا كان الأمر يتعلق باعتبارات تاكتيكية ، ونفس الشيء بالنسبة للتقليديين لأنه ليس لديهم قناعة كاملة بالحداثة، ومن ثم لا يبقى سوى الحداثيون والعلمانيون . إلا أن هاتين الفئتين لهما نقطة ضعف أساسية وتتمثل في ضعف مصادر تمويلهما؟! وفي ضعف بنيتهما التحتية وافتقارهما لمنابر جماهيرية تمكنهما من التواصل مع القطاع التقليدي الموجود في قلب الجمهور . يقترح التقرير العمل على دعم الحداثيين ، والقيام بنشر أعمالهم بأسعار مدعمة، وتشجيعهم على مخاطبة الجماهير والشباب والكتابة إليهم وتقديم آرائهم في مناهج التعليم الإسلامي ومنحهم منبرا جماهيريا يعبرون من خلاله عن وجهات نظرهم وترويج تصوراتهم الحداثية للقضايا الشرعية ، ومنع أي فرصة للتقارب بين التقليديين والأصوليين وتعزيز التواجد الحداثي في المؤسسات التقليدية والعمل على مواجهة ومعارضة الأصوليين وإظهار اتصالاتهم بالجماعات والنشاطات غير القانونية ، ودفع الصحفيين للتنقيب والبحث في جميع القضايا المهنية التي يمكن أن تشوبهم وتنال منهم ،مثل الفساد والنفاق وسوء الأدب. كما يؤكد التقرير أيضا على تأييد العلمانيين الذين يحاربون الأصوليين والحيلولة دون قيام أي تحالف معارض للولايات المتحدة بين الفئتين وتشجيع فكرة فصل الدين عن الدولة . ويختم التقرير بالتحذير من الآثارالسلبية التي يمكن أن تترتب على التنسيق بين العلمانيين والحداثيين من جهة وبين الولاياتالمتحدة من جهة ثانية على الجماعات التي نسعى إلى مساعدتها . إن استحضار المعطيات الواردة في التقرير كفيل بأن يجعل المراقب يفهم كثيرا ما يجري في الساحة العربية و يفهم سر ظهور تلك الموجة من المفكرين و الكتاب الصحفيين الذين أصبح كل همهم التشكيك في الحركات الإسلامية وخاصة المعتدلة منها والسعي بكل الوسائل إلى تأكيد مسؤوليتها المعنوية عن الجماعات المتطرفة وعن أعمال العنف الصادرة عنها، ويفهم ايضا سر ظهور موجة من الصحف والأسبوعيات التي تنزل عليها أشكال غير مباشرة من الدعم (الإعلانات التجارية) وأخرى مباشرة سواء كانت دعما ماديا أو لوجستيكيا أو معنويا وذلك بتحويلها إلى منابر تسرب إليها معلومات استخبارية يعبر عنها كتابها ب مصادرنا وتعطيهم صورة الصحفيين الشاطرين القادرين على تحقيق السبق الإعلامي وطرح الملفات المثيرة . كما يجعلنا نفهم كيف أصبحت بعض الجهات والأقلام الحداثية إلى النخاع مسخرة بطريقة واعية أو غير واعية في خدمة المشروع الأمريكي ومنفذة بالحرف لتفاصيل ما ورد في التقرير المذكور ، ويجعلنا لا نكاد نصدق فرضية التوافق التلقائي بين تلك التوصيات الأمريكية وبين ما يجري على الساحة العربية ،خاصة وأن بعض الحداثيين لا يستحيون من التصريح علنا بأنهم مستعدون للسباحة ضد التيار وأن يكونوا محامين للشيطان كما ورد ذلك فيما نقلته >الأحداث المغربية< في عدد سابق الأسبوع الماضي عن المفكر والباحث الأردني شاكر النابلسي في حوار مع أحد المواقع الإلكترونية تحت عنوان: >مهمتي أن أكون مصدر إزعاج للرأي العام ... وأن أكون ضد التيار ومحاميا للشيطان <. وكان عليه أن يضيف كلمة الأكبر جريا على وصف الإمام الخميني للولايات المتحدةالأمريكية.