لايمكن للفضاء أن يأخذ صبغة أخرى غير التي يتميز بها قطاعه الإنتاجي، إنه يظهر أحيانا كأحد المعوقات الرئيسية الحائلة دون تطور هذا القطاع. فعدم وجود فضاءات مهيئة للإنتاج والحالة المزرية التي توجد عليها مجموع الفضاءات الإنتاجية تساهم في رسم صورة سلبية عن سياسة إعداد المجال الصناعي بالمغرب. يجدر بنا في هذا المجال أن نتطرق إلى الحالة الراهنة للفضاء الإنتاجي من خلال فكرتين محوريتين: الأولى تتعلق بمختلف المتدخلين في مجال إعداد التراب الصناعي. والثانية تهم الخاصيات الرئيسية لفضاءات الإنتاج بالمغرب. 1. الحالة العامة أمام غياب المبادرة الخاصة في مجال إعداد التراب الصناعي أصبح قطاع التهيئة الصناعية في يد الدولة وأحيانا في أيدي الجماعات المحلية، فالدولة والجماعات المحلية هما أصحاب المبادرة في هذا المجال. إن فكرة إعداد المجال الصناعي غير قريبة العهد، فالسلطات العمومية قامت بمحاولات أولى في بداية السبعينات لتهييئ مناطق صناعية في طنجة (مغوغا) وأكادير ( تاسيلا وأية ملول). لكن ورغم المجهودات التي بذلت، لم يعرف البرنامج الوطني للمناطق الصناعية النجاح المتوخى حيث تخبط في مشاكل متعددة مما جعل أمر مراجعته ضروريا. حيث قامت مصالح وزارة الصناعة بمشاركة الأطراف المعنية بإعادة تحيينه. وهكذا ظهر برنامج جديد للتهيئة يقتصر فقط على المناطق ذات جاذبية اقتصادية يتعلق الأمر بمدن الدارالبيضاء- أكادير- طنجة- جهة النواصر- المحمدية- وجدة والناضور. وموازاة مع هذا العمل، ارتقى مفهوم المنطقة الصناعية ليتم استبداله بمفهوم الميدان الصناعي Parc" industriel "حيث تم القيام بدراسة حول إمكانية خلق ميادين صناعية تم تمويلها من قبل صندوق النقد الدولي وبمشاركة عدد من خبراءه. وعرف الانفتاح على القطاع الخاص تطورا ملحوظا عن طريق اتخاذ مجموعة من التدابير الإجرائية من أجل تشجيع مسطرة عقود الامتياز بين القطاع الخاص والسلطات الوصية. ومن أجل تقييم شمولي لما تحقق في البرنامج الوطني، سيكون من الأجدر القيام بدراسة تحليلية لوضعية القطاع الحالية. 2. الخصائص الرئيسية للمناطق الصناعية الوطنية في مجملها سلبية، وتتلخص في أربعة خصائص رئيسية وهي كثرة المتدخلين في قطاع تهيئة المناطق الصناعية، ندرة الموارد المالية، الاستنزاف التدريجي للوعاء العقاري وأخيرا عدم ملائمة البنيات التجهيزية. أ- تعدد المتدخلين في قطاع تهيئة المناطق الصناعية حينما تم وضع اللمسات الأخيرة على البرنامج الوطني لتهيئة المناطق الصناعية. تم اختيار منعش عقاري وحيد هو صندوق الإيداع والتدبير"CDG" لخبرته الطويلة في مجال العقار والسياحة، وبخصوص الشطر الأول من البرنامج كلف الصندوق بتهيئة 14 منطقة صناعية على مساحة 360 هكتار بغلاف مالي يقدر ب 26 مليون درهم، إلا أن صعوبات متعلقة بنقص في الموارد المالية ناتج عن عدم سداد مستحقات الدولة للصندوق خلق عجزا ماليا يقدر ب 36 مليون درهم حالت دون إتمام الشطر الأول وعليه تقلص عدد المناطق الصناعية المجهزة من قبل الصندوق إلى سبعة. في سبعة 1986 رسمت السلطات العمومية توجهات جديدة حيث عادت مهمة تهيئة المناطق الصناعية إلى الجماعات المحلية واقتصر دور صندوق الإيداع والتدبير على تصريف وبيع هذه المناطق والاستمرار في تهيئة 16 منها ولقد أدى عدم خبرتها إلى تميز تهيئة مناطقها بضعف الجودة وضعف البنيات التحتية وعدم استكمال التجهيزات اللازمة. كذلك الأمر بالنسبة للمؤسسات الجهوية للتهيئة والبناء(ERAC) التي تقع وصايتها على مسؤولية وزارة السكنى. هناك هيئات أخرى لها علاقات شبه منعدمة مع التهيئة الصناعية ومع ذلك قامت بتهيئ فضاءات صناعية كالمكتب الوطني للمطارات- الوكالة الوطنية لمحاربة السكن الغير اللائق، داخل هذا العدد من المتدخلين لم تسمح الفرصة للقطاع الخاص بتهيئة مجاله إلا مرة واحدة عن طريق المستثمرين الصناعيين في مدينة سيدي إفني. إن الهدف من استعراضنا لمختلف المتدخلين في ميدان التهيئة الصناعية هو التدليل على أن التنوع الشديد للوظائف الأصلية لهؤلاء المتدخلين والتي قد تكون بعيدة عن مجال التهيئة الصناعية مما يؤدي إلى التضحية بقواعد التهيئة الصناعية لصالح التجربة الخاصة بقطاع كل متدخل حيث يأتي المتدخلون من قطاعات مختلفة كالسياحة- العقار- الأشغال العمومية أو السكنى مسلحين بتجربة كبيرة في ميدانهم الأصلي ويجدون أنفسهم أمام قطاع جديد عليهم الامتثال لقواعده الخاصة. بالإضافة إلى هذا، يعد نقص الخبرة الكافية وانعدام الموارد المالية بالنسبة للجماعات المحلية عائقا بنيويا أمام تطور أية تهيئة صناعية حقيقية ومجمل المحاولات كانت فاشلة، ويظهر هذا من خلال نسبة درجة استغلال المناطق الصناعية حيث البحث الأعمى عن إقامة مناطق صناعية خاصة بالوسط الجهوي تتحكم فيها اختيارات المنعشين المحليين أكثر من الجدوى الاقتصادية. إن اختيار المدن التي يجب أن تقوم عليها مناطق صناعية يجب أن تخضع للشروط التي تتحكم في تدفق الاستثمار في هذه المناطق وعليه فإن المدن في المغرب تختلف عن بعضها البعض في القدرة على جذب الاستثمار. من هذا المنطلق يعتبر تعدد المتدخلين في المجال عائقا مهما نحو تطويره حيث احترام القواعد المتعلقة بدفتر التحملات يبقى ضعيفا وأمام ضعف الدولة على خلق هيئة متخصصة في المجال فإن المخرج الوحيد للأزمة كان هو الانفتاح على القطاع الخاص من خلال عقود امتياز لإنجاز وتسيير المناطق الصناعية. ب- ندرة الموارد المالية إن تتبع البرنامج الوطني للتهيئة الصناعية يتطلب موارد مالية مهمة وبما أن المغرب وضع في إطار سياسته الليبرالية بعض المؤسسات التي كانت تعمل في القطاع من أجل الخوصصة بالإضافة إلى ندرة الموارد المالية للخزينة العامة والناتجة عن دخول المغرب في مسلسل لتصفية تعرفته الجمركية من أجل خلق منطقة للتبادل الحر مع الإتحاد الأوروبي زد على هذا، خدمة الدين الداخلي والخارجي والمجهود المالي الذي يصرف على تسيير الإدارات، فإن ما يتبقى للتجهيز والاستثمار ضعيف وهامشي. ومن أجل ايجاد الموارد اللازمة لاستمرار البرنامج لجأت السلطات العمومية إلى موردين اثنين: التمويل الدولي وتشجيع المبادرات الخاصة. ج- الاستنزاف التدريجي للرصيد العقاري إن اللجوء المستمر للرصيد العقاري للدولة والجماعات المحلية جعل أمر استنزافه وشيكا.هذا الاستنزاف المنهجي والذي يضاف إلى تقاعس الدولة والجماعات المحلية عن خلق احتياطيات عقارية جديدة وعنف المضاربة العقارية وكذا تعدد وتعقد الأنظمة العقارية (كيش- حبوس- جماعي سلالي- عسكري) أدى إلى ندرة الأراضي الممكن تخصيصها للتهيئة الصناعية. هذه الوضعية تشجع بعض الصناعيين على اختيار أماكن نشاطهم الصناعي بمحض رغبتهم دون اللجوء إلى الاستقرار داخل منطقة صناعية مهيئة مما يخلق الفوضى ويعقد عملية تنظيم المجال الإنتاجي بالأماكن الحضرية. د- تلاشي البنيات التحتية: إذا كانت ندرة العقار هي المعوق الرئيسي بالنسبة للسلطات العمومية، فإن تلاشي البنيات والتجهيزات الخاصة بالمناطق الصناعية يعد معوقا كبيرا أمام استقرار النشاط الإنتاجي داخل المناطق المجهزة. باعتبار أن معظم هذه المناطق الصناعية قامت بشكل عشوائي، فإنها تعاني من نقص واضح في التجهيزات اللازمة للسير العادي للأنشطة الإنتاجية. وهكذا وبدون احترام لتهيئة عامة وشاملة للمجال، ودون اللجوء إلى منعش عقاري وحيد ومتخصص تبقى هذه المناطق دون الحد الأدنى من التجهيزات اللازمة. نستخلص من كل هذا جدوى التهيئة الشاملة من قبل متدخل واحد، فالمناطق الصناعية العشوائية تعاني من كثرة المتدخلين العقاريين ومن تلاشي وضعف بنياتها التجهيزية في حين تتمتع المناطق الصناعية المهيئة حسب الإجراءات القانونية ""Réglementaires بحد أدنى من التجانس واحتياطي مهم من التجهيزات الأولية التي يمكن تطويرها مع بداية استغلال المنطقة عن طريق جمعيات المقاولين الصناعيين. الدكتور: رضوان زهرو أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق - المحمدية