شبهات خلال الحملة الانتخابية الحملة الانتخابية في أسواق البادية لها نكهتها الخاصة، خاصة بالنسبة لنا نحن لائحة "المصباح" في بني ملال حيث كانت استراتيجية حملتنا مبنية أساسا على الاتصال الفردي المباشر وفتح حوار مع المواطنين، وما أصعب هذا الاختيار وما أرهقه خاصة بالنسبة للمرشح الذي هو مطالب بأن يجوب جميع الجماعات، وأقصد بالمرشح رأس اللائحة لأنه رغم أن نمط الاقتراع هذه المرة كان اقتراعا لائحيا إلا أن المواطن لم يكن يتكلم إلا عن المرشح الفلاني أو المرشح الفلاني، وقد زكى هذا التصور الخاطئ عند المواطنين أن بعض المرشحين ركزوا في منشوراتهم الانتخابية على المرشح الذي يقع على رأس اللائحة و"أعدموا" صور المرشحين الآخرين لفائدة المرشح الذي يتصدر اللائحة. كان بعض المرشحين من اللوائح الأخرى وقد التقينا ببعضهم عدة مرات في كثير من أسواق البادية يشغلون فرقا من "الطبالة والغياطة" للتعريف ببرنامجهم الانتخابي عادة ما يتمركزون في مدخل السوق، ويعمدون إلى "إغراق" السوق بالمنشورات الانتخابية، كما هو الشأن بالنسبة لشوارع المدينة. وكنا نركز على ترشيد توزيع المنشورات ونحمد الله تعالى أننا لا نجد منشوراتنا مرمية في كل مكان من المدينة. لكن استراتيجية التواصل مع المواطنين في الأسواق كانت جد صعبة وجد مرهقة لسببين اثنين: أولهما كون السوق مركزا لتجمع جمهور غفير من المواطنين مما يصعب مأمورية الاتصال الفردي مع كل الواردين عليه. وثانيهما كون الناس منشغلين بتجارتهم أو باقتناء ما يحتاجونه من بضائع لذلك غالبا ما يكونون في وضعية لا تسمح لهم بالإصغاء والتفاعل الكامل مع الخطاب الانتخابي. ورغم ذلك فقد كنا ننظم أنفسنا في مجموعات صغيرة ونتفرق على أزقة السوق وعلى أهل تجارة واحدة (الخضارون والجزارون وبائعوا المواد الغذائية وأصحاب المقاهي... الخ) لنحقق أكبر قدر ممكن من التواصل والتعريف ببرنامج الحزب ومرشحيه وحث المواطنين على التصويت وبيان طريقة التصويت. وفيما يخص هذه النقطة الأخيرة تم التركيز خلال الأيام الأخيرة على تمرين المواطنين خاصة من كبار السن ومن الذين لا يحسنون الكتابة والقراءة على أخذ القلم ووضع علامة على اللائحة المحلية واللائحة الوطنية ل "المصباح". وكنا أحيانا نستغني بهذه العملية عن التعريف بالبرنامج الانتخابي للحزب. كانت المناسبة مناسبة تربوية تعليمية وكان بعض المواطنين من النساء والرجال يحسون في البداية بالحرج والتخوف الشيء الذي كان يقودهم إلى رفض الانخراط في العملية، لكنه بعد الإصرار وبعد النجاح في رسم العلامة في المكانين المخصصين كانت علامة السعادة والرضى ترتسم على وجوههم خاصة وقد كنا نقابل "نجاحهم" بالتهنئة والتقدير. وأثناء الحملة الانتخابية كانت معركتنا أيضا مع بعض الشبهات، فضلا عن المعركة مع الأمية ومع اليأس ومع أباطرة الإفساد الانتخابي. كنا نتجول في الجناح المخصص للجزارين في أحد الأسواق الأسبوعية، كنت أتجول شخصيا في هذا الجناح رفقة الأخ المسؤول عن لجنة الدعم في إحدى الجماعات القروية، ووقفنا هذه المرة عند أحد الجزارين الذين تبدو عليهم علامات التدين خاصة وكان قد أسدل لحيته، وكما سيدل على ذلك الحوار الذي دخلنا فيه، فبعد أن قدما له مرشحي اللائحة وعرفاه بالحزب الذي تتقدم تحته لائحة "المصباح" بادرنا بسؤال استنكاري: هل الأحزاب مشروعة في القرآن الكريم؟ ألا تعلمون أن الله تعالى قد ذم الأحزاب في قوله تعالى: (ولا تكونوا من الذين فرقوا دينهم شيعا.. كل حزب بما لديهم فرحون). حاولت أن أجيب عن شبهته مشيرا إلى أن المقصود بالحزب في القرآن الكريم ليس الحزب بالمعنى السياسي المعاصر الذي هو فقط مجرد إطار لتنظيم الممارسة السياسية ولتأطير المواطنين من أجل القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وممارسة الشورى والرقابة على الحاكمين وأن هذا أمر من صميم الشرع. كما حاولت أن أبين له أن التحزب المذموم هو التفرق في العقيدة والنحل والشيع والمذاهب الضالة عن التوحيد. كان الرجل بسيطا وعاديا في ثقافته فعلمت أنه ملا مجال في الاستمرار في محاججته، فحاولت أن أستدل له بأقوال بعض العلماء المعاصرين ومنهم الدكتور يوسف القرضاوي، فأخذ يطعن فيه، فعلمت أنه لا مجال للاستمرار في النقاش خاصة وأننا في حملة انتخابية لا يمكن أن تفتح فيها مناظرة للإجابة عن كل شبهة. ومن الشبهات التي كنا نواجه بها في بعض التجمعات التي كانت تنظمها فروع الحزب في البادية شبهات تشكك في جدوى المشاركة السياسية في ظل الشروط القائمة، وفي ظل محدودية الصلاحيات المخولة للحكومة وكانت بعض هذه الشبهات تأتينا في شكل تساؤلات عن "التنازلات" التي قدمها الإخوة في حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية تلقاء قبول النظام انخراطهم في العمل السياسي، كانت إجابتنا عن هذه الشبهة تركز على عدة حقائق ومنها: إن المجال السياسي ليس إلا مجالا من مجالات عملنا إضافة إلى المجال التربوي والدعوي والثقافي والاجتماعي. أنه على أهمية المشاركة السياسية ودورها في التدافع مع التوجهات العلمانية فإن رهاننا ليس على المجال السياسي والتغيير المؤسسي. إن العمل من خلال المؤسسات هو وسيلة من وسائل توسيع دائرة العمل الدعوي والتربوي والثقافي وحماية مكتسباته وتحصينها. إن كثيرا من الحركات الإسلامية الرافضة للمشاركة السياسية من خلال المؤسسات داخل الشروط الحالية تستفيد من هامش الحريات الذي ناضلت من أجله قوى وأحزاب سياسية سبقتنا إلى المشاركة وهذا من الإنصاف والموضوعية كما استفادت من المكتسبات التي نتجت عن مشاركة حركة التوحيد والإصلاح من خلال حزب العدالة والتنمية. إن كثيرا من المحاولات التي كانت تستهدف ضرب الأسرة وإضعاف الهوية داخل المجتمع المغربي كانت مشاركة حزب العدالة موالتنمية من بين أسباب صدها والوقوف في وجهها، بل إن انخراط بعض الحركات الإسلامية في هذه القضايا وتبنيها لها إنما جاء بعد أن أثار الانتباه لها حزب العدالة والتنمية. إننا من خلال المشاركة نحقق أهدافا دعوية أكيدة خاصة خلال الحملة الانتخابية مما هو ملموس لدى كل مراقب موضوعي. إن المشاركة من خلال الشروط القائمة نفسها هي وسيلة لتحسين هذه الشروط وتطويرها، وكنا نستدل على ذلك بحقيقة ثابتة وهي أن مشاركة حزب العدالة والتنمية في انتخابات 7991 وخلال هذه الانتخابات قد ضاعفت كلفة الإفساد الانتخابي، ودفعت السلطات في الانتخابات السابقة إلى تزوير فظيع وإلى فضيحة كبرى كما هو الشأن بالنسبة لقضية "حفيظ" الذي أعلن أنه ليس فائزا وأن الفائز هو مرشح العدالة والتنمية الأستاذ مصطفى الحيا. إنه إذا انتظرنا حتى تتغير الشروط وحتى تكون هناك انتخابات نزيهة وإصلاح دستوري كي نشارك فإنه لن يكون لنا أي فضل في تحسين هذه الشروط، ولا ينبغي أن تنتظر الحركة الإسلامية حتى تهيأ لها شروط المشاركة على طبق من ذهب لأنه سيصدق علينا آنذاك قول الحطيئة: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي محمد يتيم