شهدت خطب صلوات الجمعة الماضية في العديد من البلدان الإسلامية والعربية تنديدا بالحملة الأميركية على الإسلام والدعوة لمساندة الشعب الفلسطيني، ففي مصر هاجم الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر في خطبة الجمعة في الجامع الأزهر السكوت الدولي والعربي الإسلامي على الأوضاع في الأراضي الفلسطينية مشيرا إلى الازدواجية في معايير المحاسبة. وفي العاصمة القطرية الدوحة حذر الدكتور يوسف القرضاوي في خطبته الشعوب الإسلامية وحكامها من أسباب سقوط الأمم، وندد بالاستكبار الأمريكي الذي يمد الصهاينة بكل قوة، بالمال والسلاح والتأييد السياسي، ونقدم مختصرا لهذه الخطبة. أول عناصر خلود الأمة حفظ كتابها من التحريف أمتنا تضعف وتنام ولكنها لا تموت، هذه الأمة قد تنام وتخدر، ولكنها لا تموت ولن تموت لأنها آخر الأمم، التي تحمل آخر رسالة من الله إلى الناس، لهذا أودع الله فيها عناصر الخلود، أول عناصر الخلود في هذه الأمة أن كتابها محفوظ وسنة نبيها محفوظة، مصادرها الأصيلة لا يمكن أن تذهب ولا يمكن أن تحرف، لقد ذهب الإنجيل فلم نعد نعرف الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى. التوراة حرّفت وبدّل فيها كلام الله، وهذا أمر اتفق عليه أهل الشرق وأهل الغرب، حتى الغربيون أنفسهم بينوا ما حدث في التوراة من تحريف. أما القرآن فهو كتاب الله الباقي الذي لا يأتي الباطل من بين يديه ولا من خلفه، (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). ثم من عناصر الخلود في هذه الأمة أن فيها طائفة قائمة على الحق لا يضرها من خالفها حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة أبدا يظل فيها من يقول الحق ومن يقاوم الباطل ومن يدعو إلى الخير ويحارب الشر كما قال تعالى (وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين) فهذا من سر قوة هذه الأمة. اتباع سنن الله ثاني عناصر خلود الأمة العنصر الثاني، اتباع سنن الله، احترام سنن الله في الآفاق وفي الأنفس، في الكون وفي المجتمع، هذا الوجود ليس سائبا، هذا الكون منضبط بسنن وقوانين إلهية لا تلين لأحد ولا تحابي أحد، من راعها راعته ومن حفظها حفظته، ومن ضيعها ضيعته وداست عليه ولم تبال به، هذه هي السنن، شبكة الأسباب والمسببات،لا يمكن أن تعطي الأرض ثمرتها لمسلم تركها ولم يهتم بها، لم يلق فيها البذرة الطيبة ولم يتعهدها بالسقاية والرعاية، لكن تعطي ثمرتها للفاجر والكافر إذا أحسن استخدامها وأحسن الاهتمام بها، سنن الله، لا يمكن أن ينصر الله عز وجل الجهل على العلم ولا الفوضى على النظام ولا التخلف على التقدم ولا الإهمال على الإتقان ولا الفرقة على الوحدة، لا يمكن، لله سنن، لابد أن نرعى سنن الله، فإذا لم نرعى سنن الله لم ترعنا، لابد لهذه الأمة أن ترعى سنن الله، وتعرف بماذا تنتصر الأمم وبماذا تنهزم، بماذا تقوم وبماذا تسقط، هذا ما لابد منه. التعاون على البر والتقوى ثالث عناصر خلود الأمة العنصر الثالث لبقاء الأمة حية، التماسك، والتعاون على البر والتقوى، التواصي بالحق والصبر، أن يكون المؤمن للمؤمن فيها كالبنيان يشد بعضه بعضا، ما تشكو منه أمتنا اليوم هذا الانفصال الحاد ما بين الحكام والشعوب، الشعوب والجماهير في واد والحكام في واد آخر، والحكام بين بعضهم وبعض كل منهم في واد غير وادي صاحبه، وحتى الشعوب لم تعد كتلة واحدة، هناك من يدعون إلى تمزيق هذه الشعوب بدعاوى مختلفة، وهذه الأمة يجب أن تترك كل الدعاوى وأن تجتمع على الحد الأدنى، على ما يصير به المسلم مسلما، على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لا وقت للخلاف ولا وقت للفرقة، في ساعات الشدائد يجتمع الناس وينسون الخلافات، ينسون المعارك الأجنبية، كل من يثير هذه المعارك الجانبية وهذه الخلافات الجزئية وهذه التفصيلات والتفريعات التي تفرق بين الناس بعضهم وبعض هو خائن لهذه الأمة أو جاهل لا يعرف حقيقة المعركة بين الأمة وبين أعدائها، لابد أن تتجمع الأمة، وتطلق الشهوات ولا يهمها أوقعت على الموت أم وقع الموت عليها، لأنها تعتقد أن الموت في سبيل الله هو عين الحياة، (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون)، (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم). تلك هي عناصر الخلود لهذه الأمة، ولن يجمع هذه الأمة إلا إذا اتحد منهجها واتحدت غايتها، أن تجعل غايتها رضوان الله عز وجل (وأن إلى ربك المنتهى). عامان على الانتفاضة الثانية المباركة أيها الأخوة المسلمون، بهذا اليوم تكون انتفاضة الأخوة في فلسطين انتفاضة الأقصى الانتفاضة الثانية المباركة تكون قد أكملت عامين منذ أن انطلقت شرارتها الأولى حينما دنس المجرم شارون أرض المسجد الأقصى متحدياً أبناء هذه الأمة، ومتحدياً حضارتها ومتحدياً تاريخها ومتحدياً دينها، مرت سنتان كاملتان على الانتفاضة الفلسطينية وقد زعم السفاح شارون حينما وصل إلى الحكم أنه في خلال مائة يوم سيقضي على الانتفاضة وسيجعل جمرتها رماداً، وكذب المجرم السفاح، لقد مائة يوم ومائة يوم ومئات الأيام والانتفاضة باقية، مرفوعة المنار، لا تزال الانتفاضة مرفوعة الرايات لا تزال الانتفاضة تتحدى جبروت الصهاينة، وتتحدى استكبار الأمريكان وراء الصهاينة الذين يمدونهم بكل قوة، بالمال والسلاح والتأييد السياسي، لا زالت الانتفاضة المباركة راسخة الجذور، راسبة في الأعماق، لا زال الشعب الفلسطيني يرينا من العجائب ومن البطولات ومن الروائع كل يوم ما نهتز له طربا وما نعتز به ونفخر، حيوا معي هذا الشعب الفلسطيني، حيوا معي هذا الشعب الصامد الصابر المصابر المرابط، حيوا رجال هذا الشعب، حيوا نساء هذا الشعب، حيوا شباب هذا الشعب حيوا شيوخ هذا الشعب حيوا أطفال هذا الشعب، حيوا هذا الشعب كله، بوركت يا شعب فلسطين، حييت يا شعب فلسطين، لقد أزلت العار والشنار عن هذه الأمة القاعدة الأمة التي خذلتك، نشكو إلى الله الذين خذلوا الشعب الفلسطيني، نشكو إلى الله الحكام والرؤساء في الجامعة العربية، أين الجامعة؟ أين الدفاع المشترك؟ أين القومية؟ أين الإسلام؟ أين الروابط؟ أين الوشائج؟ تركوا الشعب الفلسطيني يقاوم الجبروت الصهيوني ووراءه ومعه الاستكبار الأمريكي، تركوا هذا الشعب بالحجارة أو بالأسلحة الخفيفة التي تنفذ ذخائره في بعض الأحيان ولا يجد من الذخائر ما يسنده، كما فعل أبناؤنا وأخوتنا في جنين، الذي جعلهم يستسلمون نفاذ الذخيرة، نفذت ذخيرتهم، نفذت جعب الرصاص وما أكثر الذخائر والأسلحة المخزونة والمركونة والتي أكلها الصدأ في مخازن البلاد العربية، أسلحة دفعت فيها المليارات من أقوات الشعوب، من عصارة أرزاق الناس، تدفع هذه الأسلحة لشركات صنع السلاح، ليس شيء غير ذلك، نريد ألا تتوقف شركات السلاح عن الصنع، ثم نأخذها ولا نفعل بها شيئا، نترك أخوتنا الأبطال الصناديد الرجال، حتى الأطفال والله رجال، هم رجال وإن كانوا أطفال، هم أسود وإن كانوا أشبالا، هم أساتذة وإن كانوا تلاميذ، هم كبار وإن كانوا صغارا، الصغار حقا هم الذين خذلوهم هم الذين باعوهم بثمن بخس، دراهم معدودة، القرآن سمى الدنيا كلها (ثمناً قليلا) وقال (اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا) الدنيا كلها ثمن قليل، الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، هؤلاء باعوا الفلسطينيين بجناح بعوضة، بجزء صغير صغير من جناح البعوضة، بل إن بعضهم باعهم أبو عمار لم يشفع تجريمه إخوانه واتهامهم بالارهاب لم يشفع له هذا عند هؤلاء الطغاة الظالمين فليتعلم من هذا الدرس بغير ثمن، لم يأخذوا الثمن، إنما هم قدموا أنفسهم قرابين لهؤلاء الناس، بضاعة رخيصة ليس لها ثمن وليس لها مشتر، باعوا الفلسطينيين بثمن بخس أو بغير ثمن. يا أيها الفلسطينيون الأبطال، يا أيها الشعب المثابر المرابط اثبت على عهدك لا تتردد ولا تتلكأ وثق أن النصر لك إن شاء الله، إن مع اليوم غدا وإن غدا لناظره قريب، وإن مع العسر يسرا وإن بعد الليل فجرا، وقد علمنا التاريخ أن النصر يأتي من عند الله من حيث لا نحتسب، نحن نرتقب نصر الله عز وجل ولن نستسلم أبدا، أدعو أخوتي الفلسطينيين أن يثبتوا ولا يترددوا وأن يقدموا ولا يحجموا، وأرجو من أبي عمار أن يتعلم من الدرس فلم يشفع له ما قاله عن إخوانه حينما جرمهم واتهمهم بأنهم إرهابيون وأن عملهم من الإجرام والإرهاب لم يشفع له هذا عند هؤلاء الطغاة الظالمين فليتعلم من هذا الدرس ولتتعلم منه هذه الأمة، إننا نثق أن النصر آت إن شاء الله، لقد انتصر الصليبيون مائتي سنة ثم خذلهم الله، وانتصر التتار ثم خذلهم الله، وانتصر الاستعمار ثم أخرجهم الله من ديارنا، وستنتصر هذه الأمة وسينتصر هذا الدين وصدق الله العظيم إذ يقول (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)، (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون). يوسف القرضاوي