تعتبر المرأة مثل الرجل لها ما له وعليها ما عليه، مدعوة هي الأخرى إلى الاهتمام بأمور السياسة والإسهام في حدود ظروفها وقدر طاقتها في إنهاض مجتمعها وتدعيم الإيجابيات ومقاومة السلبيات. -مظاهر العمل السياسي للمرأة المسلمة إن مبايعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم تعتبر تمظهرا واضحا لشرعية العمل السياسي للمرأة، بدليل قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) (الممتحنة 12) ولعل أكبر دلالة للآية الكريمة هي استقلال شخصية المرأة وأنها ليست مجرد تابع للرجل بل لها ما له وعليها ما عليه. كما أن مشاركة المرأة في الجهاد وإجارة الرجال فعل أقره النبي صلى الله عليه وسلم حينما أتته أم هاني بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلا أجرته فلان ابن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -قد أجرنا من أجرت يا أم هاني" رواه البخاري. وعن الربيع بنت معوذ قالت: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم ونخدمهم ونداوي الجرحى ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة" رواه البخاري. اهتمام المرأة ومشورتها على الرجال في قضايا السياسة: لقد اهتمت المرأة بأمور السياسة فكانت تبدي الرأي وتشير على الرجال ما يبدو لها تخطئ وتصيب كما تروي روايات السابقين. عن عبد الله بن رافع قال: كانت أم سلمة تحدث، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر، وهي تمتشط «أيها الناس» فقالت لماشطتها كفي رأسي قالت: «إنما دعا الرجال ولم يدع النساء فقلت: إني من الناس..» رواه مسلم أي أن الخطاب موجه للنساء والرجال وهذه حفصة تشير على أخيها يوم التحكيم بين علي ومعاوية حيث روي عنه أنه قال: دخلت على حفصة ونسواتها {ذوائبها) تنطف (تفطر) قلت: قد كان من أمر الناس ما ترين، فلم يجعل لي من الأمر شيء، فقالت: إلحق فإنهم ينتظرونك وأخشى أن يكون في احتباسك عنهم فرقة، فلم تدعه حتى ذهب» رواه البخاري. وأعظم تأصيل على قدرة المرأة في هذا المجال قصة ملكة سبأ التي بلغت شأوا بعيدا في الفطنة وحسن السياسة واتبعت نهج الشورى في حكمها ثم أسلمت مع سليمان لله رب العالمين ويلفتنا القرآن بهذا الشاهد على أن المرأة قد يكون لها من البصيرة وحسن الرأي في شؤون السياسة ما يفوق كثيرا من الرجال. قال تعالى {قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم. إنه من سليمان وإنه ... قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون) (النمل 20). -معالم شرعية لنشاط المرأة السياسي في عصرنا: وعن ضرورة إسهام المرأة في إنهاض مجتمعها وتحقيق رشد السلطة وعدلها نورد قوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولائك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم» (التوبة 71). أي أن فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على النساء والرجال ويدخل فيه ما كان بالقول وما كان بالكتابة، والانتقاد على الحكام من الخلفاء والملوك والأمراء فمن دونهم وكان النساء يعلمن هذا ويعملن به. وعليه فالنشاط السياسي يكون فرضا أحيانا وعلى المرأة أن تقوم بما يعد من فروض الكفاية على النساء في هذا المجال، ومن هذه الفروض: 1 كل عمل يجب أداؤه لتأمين رشد السلطة وعدلها واحتيج فيه إلى جهد النساء مع الرجال لكي يتم على وجه صحيح، ومثال ذلك مشاركة النساء في انتخاب العناصر الصالحة للمجالس التشريعية والمحلية والنقابية وكذلك المشاركة في التصويت على الاستفتاءات التي تعرض على الرأي العام. فتعين بذلك على إقرار معروف أو إبطال منكر. 2 الانضمام إلى الأحزاب والقوى السياسية التي تسعى إلى ترشيد السلطة، وتعمل على الإصلاح القائم على مبادئ الإسلام والمستوعب لتجارب البشرية وعلوم العصر. 3 نشر الوعي بين النساء وخاصة في بعض المواسيم مثل موسم الانتخاب. 4 الإشراف على تنظيم وتنفيذ عملية الانتخاب لتحقيق نزاهتها. ولكي نصل إلى تكوين نساء من هذا المستوى ينبغي أن يكون ضمن أهدافنا تعليم البنات وتزويدهن بالمعلومات الأساسية عن أحوال المجتمع السياسية مع تنمية اهتمامهن بشؤونه هذا مع توعيتهن بالدور الواجب عليهن في المجال السياسي والمشاركة في التعبير عن الرأي في القضايا العامة بالوسيلة المشروعة والمناسبة ،وممارسة حق التأييد والاعتراض ثم اختيار المرشح القادر على حمل أمانة النيابة عن الأمة بالإضافة إلى الترشيح للمجالس النيابية عند توفر القدرة على تمثيل الأمة في منطقة من المناطق أو قطاع من القطاعات. -حق المرأة في الانتخاب والترشيح: بناءا على القاعدة الأصولية التي تقول «الأصل في الأمور الإباحة» وبناءا على عدم ورود تحريم من الشارع لحق المرأة في الانتخاب أو الترشيح فإن حق المرأة في الانتخاب والترشيح حقا مشروعا من حيث الأصل، أما التطبيق العملي فنأخذ مما هو مشروع ما يناسب ظروفنا ويحقق مصالحنا. وسنورد رأيا للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في حوار دار بين مجموعة من المختصين في الشريعة حول هذا الموضوع: «رأينا بعد المناقشة وتقليب وجهات النظر أن الإسلام لا يمنع من إعطاء المرأة هذا الحق، فالانتخاب هو اختيار الأمة لوكلاء ينوبون عنها في التشريع ومراقبة الحكومة ... إذا كانت مبادئ الإسلام لا تمنع أن تكون المرأة ناخبة فهل تمنع أن تكون نائبة». ظوابط شرعية لمشاركة المرأة السياسية: ضرورة العلم لأن التشريع يحتاج إلى العلم مع معرفة حاجيات المجتمع والتي لابد منها. الجرأة المحمودة لأن مراقبة السلطة التنفيذية لا يخلو من أن يكون أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر. البذل من مالها ثم من مال أسرتها بالمعروف في النشاط السياسي الواجب والمندوب. الوفاء بمسؤوليتها السياسية إزاء مجتمعها. ضرورة التحلي أثناء المشاركة السياسية التي تقتضي لقاء الرجال بالاحتشام في اللباس واجتناب الخلوةوالمزاحمة الغير المشروعة0 تجذر الإشارة هنا إلى ضرورة تضامن المجتمع لتهيئة الأسباب التي تؤهل المرأة وتعينها على المشاركة السياسية عن طريق تشجيع المرأة على تقديم إسهامها في النشاط السياسي وذلك ببيان دورها ومسؤوليتها بكل وسائل الإعلام وحضها على آداء هذا الدور مع دعوة الرجال ليكونوا عونا للمرأة على المشاركة في النشاط السياسي في حدود قدرتها. بالإضافة إلى تكوين الأحزاب السياسية أقساما ولجانا خاصة بالنساء في بعض مجالات نشاطاتها كي يتسنى للمرأة الإسهام في ذلك النشاط. هذا فضلا عن مشاركتها الرجال في بقية المجالات. وتوجيه المرأة عن طريق وسائل الإعلام الحكومية ومنحها حق التصويت والترشيح عامة وحق الترشيح عن المؤسسات النسائية أو التي يكثر فيها عنصر النساء بصفة خاصة. مع تخصيص عدد من المقاعد للمرأة في المجالس المحلية ومجالس الأمة سواء كان الأمر بالانتخاب أو بالتعيين. ثم تفعيل المنظمات والهيئات النسائية والعمل على إزاحة المعوقات وتوعية الرجال بأن الدور متكامل لا يقتصر على الرجل أو المرأة. من إعداد فلطمة دعلوش بتصرف من كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة لعبد الحليم أبو شقة