قبل أن يلتحق الرسول صل الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، خاطب جموع المسلمين ممن وقفوا معه في حجة الوداع، ووضع أمانة التبليغ عنه والإرشاد في عنق كل مسلم إلى يوم القيامة: "فليبلغ الشاهد منكم الغائب". ففهم المسلمون أمر الرسول صلى الله عليه وسلم وانتشروا في الأرض يبلغون رسالة الله إلى أهل الأرض، فظهر الإسلام وانتشر، وبقي واجب الدعوة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضا لازما على كل مسلم ومسلمة توفرت فيها شروط العلم والمعرفة وأسلوب التبليغ. صلاة الجمعة: وقد فرض الله صلاة الجمعة، وجعل الجمعة يوم عيد المسلمين الأسبوعي، وحث على السعي إليها، وترك كل أمر دنيوي يشغل عنها، وشرع لها خطبة الجمعة وسن لها المنبر لتكون كلمة الله دائما إلى عباده وأوجب على كل مسلم حضورها والاستماع إليها حتى تكون له نورا ونبراسا خلال أسبوعه، بل شحنة إيمانية تحفظه من الزلل، وتؤمنه من الزيغ وتحصنه من المعاصي. وهكذا تتجدد هذه النصيحة كل أسبوع. يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون). الخطيب ودوره: إن للمسجد في الإسلام رسالة أساسية، فهو يقوم بمهمة كبيرة دعوية وتثقيفية وتربوية، لكن روح المسجد هي إمامه وخطيبه وواعظه الذي يمكن أن يوقظ الناس أو ينومهم، يمكن أن ينهض بهم أم أن يخدرهم، وذلك بحسب ما يقدم لهم في خطبه ودروسه، فإذا قدم لهم الدين: عقيدة سليمة، وعبادة خالصة وأخلاصا فاضلة، وآدابا إسلامية وأعمالا صالحة وتشريعات عادلة وعلوما نافعة، وحضارة متوازنة، معبرا عن فكره بأسلوب بين، وشرحه شرحا يقنع العقل ويستميل القلب ويحرك الإرادة، جامعا بين الأصالة والمعاصرة، معتمدا على المصادر الموثقة، بعيدا عن منكرات الحديث وموضوعاته وخرافات العوام وأوهام الخواص، متحريا منهج الاعتدال والوسطية في تناوله للقضايا، كان التوفيق حليفه. مواصفات لابد منها للخطيب: 1 لابد للخطيب الذي يواجه الناس كل أسبوع أن يقرأ ويستزيد ويستنير حتى لا يكرر نفسه. 2 لابد للخطيب أن يجرد نيته لله تعالى، وأن يجاهد نفسه للتخلص من حظوظها في حب الظهور ومراءاة الناس... وليجعل شعاره: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين). فهذا الإخلاص يجعل لكلامه حرارة، ويمنحه قوة التأثير في الآخرين، فقد قيل: "إن الكلام إذا خرج من القلب دخل إلى القلوب، وإذا خرج من طرف اللسان لم يتجاوز الآذان". 3 ينبغي للخطيب أن يكون على سجيته ولا يتكلف أن يقلد غيره أو أن يكون نسخة من فلان أو علان حتى لا يفقد أصالته. 4 وينبغي للخطيب أن يحترم المنبر الذي وقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يستخدمه في غير أهداف الدين وتوعية المسلمين وتجميع صفوفهم على الهدى وكلمتهم على التقى وقلوبهم على المحبة وبنائهم على الصدق وعزائمهم على عمل الخير وخير العمل. 5 كما ينبغي للخطيب أن يتجنب المسائل الفرعية التي من شأنها أن تفرق ولا تجمع. 6 ينبغي للخطيب أن يكون كلامه صورة لنفسه، معبرا عن سلوكه، وأن لا يدعو الناس إلى شيء ويعمل ضده، وينهاهم عن أمر وهو متورط فيه... والله تعالى يقول: ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون). ويقول عز وجل: (أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب). 7 ثم على الخطيب أن يكون دائم الضراعة والابتهال إلى الله عز وجل، موصول الحبال بربه عز وجل، يسأله أن يسدد لسانه، ويثبت قدمه ويرزقه التوفيق والعون من عنده. 8 لابد للخطباء أن يدركوا منزلتهم وأهميتهم في المجتمع، وهذا يفرض عليه أن يجددوا معلوماتهم باستمرار، وأن يظلوا يقرؤون، فليس هناك وقت يتوقف فيه المرء عن القراءة، فالعلم بحر لا ساحل له ولا قرار. والله يقول لرسوله، ولأمته من خلاله: "وقل رب زدني علما". ذ. العربي إحسان خطيب مسجد الطاهري (الدارالبيضاء)