في المقال السابق عبرت عن رأيي في جانب معين من المسألة الصومالية، وهو القتال الذي تشنه بعض الجماعات المسلحة ضد جماعة شيخ شريف وحكومته، أي القتال الداخلي للصوماليين. واليوم أعود إلى هذه المسألة لسببين: الأول: هو بعض التحفظات والاعتراضات التي نشرت على ما كتبته سابقا. الثاني: هو أن المسألة في نظري تستحق مزيدا من العناية، وتسحق التكفير والتعويض عن الإهمال الذي تتعرض له. وبخصوص الأمرين معا أقول: إن ما يجري في الصومال هو قتل الصوماليين للصوماليين، أي قتل المسلمين للمسلمين. وهو قتل متواصل- على تقطع اضطراري - منذ عشرين سنة. ومن العار على المسلمين وحكامهم وعلمائهم ودعاتهم، أن يظلوا متفرجين وصامتين ومحايدين كل هذا الزمن، وقد حصد الاقتتال الداخلي آلاف القتلى، وملايين المنكوبين المتضررين في أبدانهم وأرزاقهم وأمنهم وكل مصالحهم... {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} البقرة/191 وبعد هذا كله ينصحني أحدهم بالتريث في الأمر !! إذا كنت يا أخي لم تعلم بما يجري إلا هذا اليوم فلك أن تتريث إن شئت. أما أنا فأتابعه من عشرين سنة، فهل أتريث أكثر؟! بل أكثر من هذا: نحن المسنين من أبناء هذا الزمان تابعنا ونتابع منذ عشرات السنين اقتتال المسلمين في معظم ربوع العالم الإسلامي: دولا وجيوشا، وشعوبا وحكومات، وطوائف وجماعات، وفصائل وتنظيمات... وإلى هذا اليوم يقتل المسلمون المسلمين في بلدان اسلامية عديدة. ولو سلمنا - وما ينبغي - أن كل هذا الاقتتال، أو نصفَه أو عُشُرَه، نابع من الإسلام، وأنه جهاد مشروع في الإسلام، لجاز للملاحظ الخارجي أن يقول: إن أكبر عبادة في الإسلام هي قتل المسلم للمسلم. وتفاديا للبس والتلبيس، أسأل المدافعين عن مشروعية القتال في الصومال: كم من الجنود الإثيوبيين أو غيرهم من الغزاة المحتلين قُتلهم مجاهدوكم في الصومال؟ وبالمقابل كم من الصوماليين المسلمين قتلوا في هذا الجهاد العبثي الغبي؟ الجواب معروف: وهو أن القتل موجه ضد الصوماليين ويصيب الصوماليين ولا شيئ غير الصوماليين. وعن هذا أتحدث، بل عن هذا يحدثكم رسول الله صلى الله عليه وسلم... في خطبة حجة الوداع، نادى رسول الله في المسلمين قائلا: ... فإن دماءكم، وأموالكم وأعراضكم، عليكم حرام كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ، ألا فلا ترجعوا بعدي ضُلالا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب فهذه إحدى الوصايا النبوية الوداعية التي يتمسك كثير من المسلمين ومن المجاهدين بضدها ونقيضها. هذه واحدة. والثانية قوله صلى الله عليه وسلم لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما . ولهذا قال ابن عمر : إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله والثالثة - وهي في البخاري أيضا- عن الأحنف بن قيس قال: ذهبت لأنصر هذا الرجل (يقصد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه) ، فلقينى أبو بكرة فقال أين تريد قلت أنصر هذا الرجل . قال ارجع فإنى سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار . فقلت يا رسول الله: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه والرابعة من الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر بعد هذا ومثله كثير في القرآن والسنة: من أراد أن يجاهد بقتل المسلمين، ومن أراد أن يؤيد ذلك أو يسكت عنه، فهنيئا لهم جميعا بما في هذه الأحاديث، وإلى الله المشتكى. 2شعبان 1430 / 24 يوليو 2009