الانضمام إلى الأحزاب السياسية لا يعتبر منافيا للإسلام مع اقتراب موعد الإنتخابات، تطرح أسئلة متعددة حول موقف الشرع من الانضمام إلى الأحزاب السياسية، وما يصاحب عملية الاقتراع والترشح والحملة الإنتخابية من أمور، وفي هذا الإطار جمعنا فتاوى للشيخ العلامة عبد الباوي الزمزمي، نفعنا الله بعلمه، من الجزئين الثاني والرابع من سلسلة فتاويه " سؤال وجواب في حياة المسلم " تتعلق بالانضمام إلى الأحزاب السياسية، والتخلف عن الجمعة للمشتغلين في مكاتب التصويت. أنت مع من أحببت هل يعتبر الانضمام إلى أحد الأحزاب السياسية منافيا للإسلام؟ أ. يوسف الرباط ورد النهي والتحذير في القرآن والسنة من إنشاء الأحزاب في محيط الأمة الإسلامية وإقامة تكتلات وفرق بين أفراد المسلمين، وذلك لما في هذا السلوك من تمزيق وحدة الأمة الإسلامية وتفكيك رابطة الأخوة في الله بين أفرادها، ولكونه من أشد الفتن التي أصابت الملل السابقة، فزاغ أهلها عن الحق وضلوا في دينهم واختلفوا وتفرقوا واقتتلوا ووقعوا في شر عظيم، وفي ذلك يقول سبحانه: (ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا.. الآية)، ويقول: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات... الآيات). ويقول جل علاه: (ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به ولا حلف في الإسلام» (رواه أحمد) وفي رواية عند مسلم في صحيحه: «لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلى شدة» وإنما أقر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على التمسك بأحلاف الجاهلية لأن الحلف عهد وميثاق بين الداخلين فيه والمومنون لأماناتهم وعهدهم راعون، فلا يجوز لهم ولا يليق بهم أن يغدروا عهدا أو يخونوا أمانة ويخفروا ذمة، كما قال عز وجل: (كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين)، فأمر سبحانه بحفظ العهد والمواثيق التي تربط بين المؤمنين والمشركين مادام المشركون متمسكين بها. أما في الإسلام فليس لأهله ما يدعوهم إلى إنشاء معاهدات وأحلاف داخل محيطهم، فما شرع لهم دينهم من الروابط والأوامر التي تشد بعضهم إلى بعض وتجعلهم كالجسد المتماسك أو البنيان المرصوص يغنيهم عما سواه من الأحزاب والتكتلات، ولكن المسلمين مالوا عن هذا التوجيه الرباني الحكيم، ودب إليهم الخلاف والتفرقة منذ القرن الأول من تاريخ الإسلام، فظهرت فيهم الفرق والشيع والمذاهب والأحزاب على مر العصور وتعاقب الأجيال إلى أن انتهوا في هذا العصر إلى أسوأ حال من التمزق والتشتت إذ تقطعوا في الأرض أمما ودولا، وتفرقت الأمم إلى أحزاب وفرق وتكتلات وتنظيمات متباينة في المشارب والمسالك، حتى صار التفرق والاختلاف أصلا وقاعدة وصار التآلف والتوادد استثناء نادرا وحالة شاذة عابرة. وفي هذا الواقع المهيمن على الأمة الإسلامية الذي لا يملك المسلم أن يرده أو يقاومه أو يتنكر له، لا يجد المسلم الصالح حيلة ولا مفرا من الدخول في الأحزاب السياسية لا سيما وأنها صارت أداة لا مناص من استعمالها لمن أراد العمل في ميدان الحكم والسياسة وإدارة أمور البلاد من أجل الإصلاح المستطاع والتصحيح المقدور عليه. وهكذا يكون الدخول في حزب من الأحزاب السياسية في هذه الحال ارتكابا لأخف الضررين عملا بالقاعدة الشرعية (إذا تعارض ضرران ارتكب أخفهما) إذ أن الدخول في حزب سياسي أو إنشاءه أصلا وإن كان فيه مخالفة للتوجيه الإسلامي ومضرة بوحدة الأمة فإنه أخف ضررا وأقل شرا من ترك مجال الحكم فارغا للمفسدين والعابثين ليعيثوا في الأرض فسادا ويحولوا بين المسلمين ودينهم ويحملوهم على اقتراف الفواحش والآثام طوعا وكرها. فخير للإسلام وأهله والحال هذه أن يدخل المسلم في حزب من الأحزاب ليستطيع الوصول إلى مواقع المراقبة والتوجيه في الدولة ويقاوم الإرادات الزائفة، ويرد المكر والفساد في البلاد والعباد قدر استطاعته، ولا يتم هذا المقصود إلا بالدخول في حزب يعمل تحت مظلة الإسلام ويقوم في حدوده ويناضل عن شريعته ويسعى لإصلاح الحياة بنظامه وتوجيهاته. فدخول المسلم في حزب كهذا يعد عملا مشروعا بالنظر إلى مآله ومقاصده أما الدخول في الأحزاب اليسارية والتنظيمات العلمانية التي تناوئ الإسلام وتسعى للقضاء عليه وتعمل على الميل بالمسلمين عن دينهم، فإنه يجعل المسلم المنخرط في مثل هذه الأحزاب فردا من أفرادهم ومعدودا عند الله فيهم وعليه من الوزر مثل ما عليهم، وإن زعم أنه بريء من مبادئهم ولا يحمل أفكارهم ولا يؤمن بما يؤمنون من الآراء الهدامة والنظم الفاسدة المفسدة، وإنما يجمعه وإياهم العمل في السياسة وخدمة المصلحة العامة للأمة، فإن هذا المنطق مرفوض في حكم الشريعة الإسلامية ولا يعد عذرا مقبولا عند الله عز وجل. فعن ابن عباس أن ناس من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي السهم يرمى به فيصيب أحدهم أي من المسلمين فيقتله أو يضرب فيقتل، فأنزل الله: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا.. الآيات) (رواه البخاري). فهذه الآية نزلت في فئة من المسلمين الذين أقاموا مع المشركين بمكة ولم يهاجروا إلى المدينة دار الإسلام، فذمهم الله عز وجل على إقامتهم مع أهل الشرك وتكثير سوادهم، ولم يكونوا معذورين عند الله بكونهم مستضعفين في مكة، فقد كان الواجب عليهم أن يهاجروا من مكة دار الشرك ولا يقيموا بين ظهراني المشركين حتى لا يكثروا عددهم ويزيدوا في جمعهم. وإن الأحزاب اليسارية والتنظيمات العلمانية القائمة في البلاد الإسلامية في هذا العصر أشد عداء وكيدا للإسلام وأهله من المشركين وشر منهم وألعن، كما ثبت ذلك وتأكد بالوقائع الكثيرة والتجارب المتكررة، فلا ريب أن المسلم الذي ينضم إلى أحزابهم ويشاركهم في تجمعاتهم ولقاءاتهم يكون معنيا بهذه الآية وداخلا في دلالتها وفي غيرها من النصوص الواردة في معناها كقوله عز وجل: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون). يعني أن من مال إلى أهل الظلم والفسق وخالطهم وكان معهم على حالهم أصابه من العذاب ما يصيبهم وإن لم يكن ظالما مثلهم، وذلك لمصاحبته إياهم ورضاه بما يصنعون، وقوله سبحانه: (احشروا الذين ظلموا وأزواجهم) أي احشروا الظالمين إلى الله ومن كان يمالئهم ويخالطهم من أشكالهم وأصنافهم، وفي هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت مع من أحببت» (رواه الشيخان)، يعني أن المرء عند الله عز وجل مع من أحب من الناس وكان معهم في الدنيا مصاحبا ومعاشرا. وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» (رواه أبو داود والترمذي) أي أن المرء متأثر بسلوك صديقه ومتخلق بخلقه فهو مائل معه حيث مال، ومن أجل ذلك أمر صلى الله عليه وسلم المؤمن أن يختار صديقا صالحا ليكون قدوته في الخير ومعينا له على فعل الصالحات، ومثل الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي»(رواه أبو داود والترمذي) وهو تأكيد لقول الله عز وجل (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا، وقل الحق من ربكم فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر)، والآية تأمر بالصبر على مصاحبة الصالحين من المؤمنين، وتحذر من تجاوزتهم إلى غيرهم، وتنهى عن الميل إلى الغافلين عن الله والمعرضين عن دينه، الذين لا هم في الحياة إلا اتباع أهوائهم وإشباع رغباتهم والإفراط في اقتراف الآثام والفسوق، وهذا منطق مسلم وحكم جرى به العمل عند الناس أجمعين على اختلاف أديانهم وتباين مشاربهم كما يترجمه المثل السائر (صديق عدوك عدوك) فليس في الناس نظام أو مذهب أو ملة أوتكتل يقبل من شيعته أن ينحازوا إلى خصومه ومعارضيه، أو يسمح لهم بمشاركتهم في أعمالهم وحضور لقاءاتهم ومجالسهم، وهذه الأحزاب اليسارية نفسها إذا أحست من أحدهم ميلا إلى الإسلام وتردد إلى أهله أخذوا منه حذرهم، أو رفضوه وطردوه في دائرتهم، وصدق الله إذ يقول: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون).(1) البقاء للأصلح سؤال: شخص ملتزم مع هيئة سياسية معينة، وفي دائرته ترشح عضوان أحدهما من الهيئة التي ينتمي إليها، والآخر خصم لتلك الهيئة، إلا أنه أفضل وأصلح لاستقامته وكفاءته، فهل يعد انتخابه لهذا الأخير خيانة للعهد والالتزام مع هيئته السياسية؟ جريدة الراية جواب: إن المفروض في الانتماء إلى هيئة سياسية أن يكون من أجل خدمة البلاد والسعي في تحقيق مصالح العباد، فهو انتماء من أجل التعاون على جلب المصالح ودرء المفاسد، ومن أجل ذلك فإن الهيئة السياسية يجب عليها أن ترشح من تراه صالحا وكفؤا لتحقيق هذه الغاية، فإذا قدمت من هو دون غيره صلاحا واستقامة كانت الهيئة هي التي أخلت بمبادئها وخانت عهدها ولا يكون المنخرط فيها ملتزما بمتابعتها في هذه الحال مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط)، وعليه أن ينتخب من يراه أصلح وأفضل عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا».(2) لا يجوز التخلف عن الجمعة لمن وجبت عليه إلا بعذر شرعي سؤال: توافق صلاة الجمعة القائمين على الحراسة في مكاتب التصويت وهم يراقبون عملية التصويت في الانتخابات الجماعية، فهل يجوز لهم التخلف عن الجمعة من أجل متابعة المراقبة الضرورية لصناديق الاقتراع خشية وقوع التزوير في التصويت إذا ذهب إلى الجمعة؟ جريدة الراية جواب: لا يجوز التخلف عن الجمعة لمن وجبت عليه إلا بعذر شرعي كالمرض والسفر والمطر والخوف على النفس أو الأهل أو العرض أو المال، ولا ينطبق شيء من هذه الأعذار على حراسة عملية التصويت من التزوير، لأن قيامهم بهذه الحراسة عمل تطوعي وليس بواجب، والاشتغال بالتطوع لا يسوغ التخلف عن الواجب وقد قيل: «من علامة الهوى الاشتغال بالنوافل وتضييع الفرائض»، على أن العمل في ساعة الجمعة محرم على كل مسلم وجبت عليه. وإقرار العمل في هذه الساعة مخالف لأمر الله الذي يقول: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع... الآية)، فترك العمل واجب على المسؤول عن مكتب التصويت والعاملين به وعلى المنتخِب بكسر الخاء وليس على المراقب فحسب، وإخافتهم على العمل في هذه الساعة يجعل عملهم لغوا لا اعتبار له في الشرع لقوله صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد». والمخرج الشرعي من هذا المأزق أن تقوم المرأة مقام الرجل في الحراسة والمراقبة إذا ذهب الرجل إلى الجمعة، فتتولى المرأة مراقبة عملية التصويت في الفترة التي يذهب الرجل خلالها إلى الجمعة فإذا رجع من الجمعة باشر عمله إذا شاء.(3) إعداد خليل بن الشهبة -------------------- (1) الجزء الرابع الصفحة 195 وما بعدها (2) الجزء الثاني الصفحة 168 - 169 (3) الجزء الثاني الصفحة 169