تقدم القناة التلفزية المغربية الأولى مسلسلا متميزا عن سيرة البطل الإسلامي صلاح الدين الأيوبي كل يوم من الإثنين إلى الجمعة على الساعة التاسعة ليلا تحت عنوان: "البحث عن صلاح الدين الأيوبي" وهو من الأعمال السورية الفنية الجيدة التي تبحث في أسباب انتصار الأمةالإسلامية على الحملة الصليبية التي بقيت في فلسطينوالقدس قرنا من الزمان، ولذلك تستحق قناتنا الأولى تحية تقدير وشكر على تقديمها لهذا المسلسل الرائع. والواقع أنه جاء في الوقت المناسب، وبطريقة مركبة. في الوقت المناسب لأن الأمة الإسلامية تخوض حربا ضروسا يوميا مع العدو الصهيوني يقودها الشعب الفلسطيني، الأسطورة، ويقدم على مدار اليوم والليلة قوافل من الشهداء والسجناء والأرامل واليتامى والجرحى والمبعدين من الرجال والنساء والشيوخ والولدان والفتيان والفتيات. وجاء المسلسل بطريقة مركبة لأنه يركب في تقديمه الأولي وداخل حلقاته مشاهد من المعارك اليومية الحالية داخل المعارك والمشاهد القديمة، بحيث يدرك المشاهد بسهولة أن الليلة ما أشبهها بالبارحة وأن التاريخ يعيد نفسه بطريقة أخرى، وأن النصر مع الوحدة والاستقامة الجماعيتين، وأن الهزيمة مع التمزق والانحلال الجماعيين. وهذاالإنجاز الفني الحسن يذكرنا بما كتبه الدكتور ماجد عرسان الكيلاني حول القضية نفسها في كتابه "هكذا ظهر جيل الصلاح الدين.. وهكذا عادت القدس" وهو أول كتاب في سلسلة حركات الإصلاح ومناهج التغيير التي يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي. وفيه أثبت الرجل أن "عملية تحرير القدس ودحر الصليبيين ووضع حد لصراع دام ما يقرب من مائتي عام لم يكن وليد بطولة فردية، ولا وليد عمل خارق للعادة، لكنه كان يمثل الخاتمة والنهاية والنتيجة المقدرة لعوامل التجديد، ولجهود الأمة المجتهدة، ولقد كانت تلك النتيجة هي الثمرة التي وصلت الأمة إليها بعد جهود دامت حوالي مائة عام استطاع صلاح الدين استثمار تلك الجهود وتوظيفها جميعا ليضع الأمة في إطار الفعل والإنجاز الحضاري، وليعيد للأمة فاعليتها وقدرتها، مستثمرا كل تلك الجهود التي قامت قبله". إصلاح فكري وثقافي وتربوي وتعليمي واجتماعي توج بإصلاح إداري وسياسي.. حلقات بعضها في بعض، ساهم فيها آلاف من أفراد الأمة، كل في مجاله وقطاعه انتهت بدحر الصليبيين. واليوم هاهي الأمة الإسلامية تعيش الأوضاع نفسها، وطول عمر الاحتلال الصهيوني في القدسالمحتلة والأرض المقدسة المباركة، سببه طول الاحتلال الفردي لدى كل مسلم ومسلمة في الأمة كلها. ورغم التقتيل المستمر وقوافل الشهداء الكبيرة، فإن الحياة لا تزال في الأمة بسبب شهدائها الأحياء الفرحين المستبشرين، الذين يروون الأرض والناس بدمائهم الطاهرة الزكية. في مشرق الأرض ومغربها، تقوم حركات إصلاحية مختلفة الأساليب والمناهج متوحدة المقصد والهدف، تبذر البذور، وتغرس الفسائل التي تروى بدماء المجاهدين وأموالهم وأنفسهم. وبسبب ذلك وبسبب الوحشية الصهيونية والعنجهية الأمريكية سيظهر صلاح الدين في بقعة ما، ليجسد مشاريع الإصلاح والتوحيد والعدل والإحسان وجبهات الإنقاذ والنهضة والتبليغ وحماس والجهاد الإسلامي.. وقد علمتنا القرون الخالية والحالية، كما علمتنا أرحام الأمهات أن الولادة لا تكون إلا عسيرة، من بين آلام تحترق لها الأعصاب واللحوم ودماء تروي وتطهر. وقبل أن يظهر صلاح الدين، ليبحث كل واحد عنه في نفسه، فإن لم يكن هو، فليشارك في صنعه.