أبت المخرجة المصرية إيناس الدغيدي، إلا أن تجود وتتبرع بعرض فصلين من فيلمها الذي لم تكتمل بعد عناصره الفنية ونسخته النهائية للعرض في مهرجان أصيلا الأخير. وكانت المخرجة المصرية قد طبعت هذين الفصلين على شريط بيتا كام خصيصا للعرض في أول مهرجان سينمائي بأصيلة نظرا، كما تقول، لاهتمامها الخاص بهذه البلدة، وحبها الشديد لأهلها، والاحتفالية الثقافية التي يشهدونها كل موسم صيفي. ولم تدخر الدغيدي جهدا في توزيع مطويات تتضمن صورا ولقطات من فيلمها على الذين حضروا المهرجان السينمائي، وسكان أصيلة عامة (نعتذر عن عدم نشر صور المطويات بسبب تضمنها لمشاهد بورنوغرافية فاضحة). كنت من بين الذين حضروا بعض عروض هذا المهرجان الأول لسينما جنوب جنوب، بصفتي مواطنا من ساكني هذه البلدة التي تحبها الدغيدي وتعز أهلها... تلقيت بدوري تلك المطوية، لكنني صدمت لما جاء فيها من صور إباحية، وصدمت أكثر عند مشاهدتي للفصلين اللذين عرضا. إنها الحرية فعلا، حرية على مقاس المخرجة المصرية التي تصف نفسها بالاستفزازية والمتمردة، والتي يتابعها مجلس الشعب المصري قضائيا من خلال أربع قضايا في المحاكم بسبب أفلامها. وبسبب الرجعيين، والمتطرفين، الذين يقحمون الدين في كل شيء، أصبحت المخرجة الهاوية كما جاء على لسانها تضيع طاقتها ليس في عملها السينمائي، وإنما في الدفاع عن نفسها في المحاكم. وفي هذا السياق، قمعت المخرجة المصرية شابا كان قد طرح تساؤلا هادئا بعد عرضها لمداخلة أثناء ندوة حول المرأة والسينما في العالم العربي، تساءل فيه حول مدى قدرته على مشاهدة أفلامها وسط أسرته، حيث أجابته بانفعال فجائي لا يليق بالمقام قائلة بالحرف: بلاش ترعبونا ب قال الله، قال النبي وببسم الله الرحمان الرحيم، كلنا مسلمون...لن ترعبونا بقولكم هذا. أنا مسلمة ومؤمنة وعلاقتي بالله قوية ومتينة جدا وقد أكون عند الله أحسن منك. لماذا كل شيء ندخل فيه القرآن...! وإذا كانت هذه هي الهدية الأولى التي قدمتها الفنانة المصرية للسكان الذين قالت إنها تحبهم، فإن الهدية الثانية جاءت عبارة عن صور خليعة لمن وصفتهن بالباحثات عن الحرية... وهي تقصد الحرية الجنسية طبعا... وهذه الهدية هي عبارة عن شريط سينمائي جديد، يتحدث عن فتيات عربيات (إحداهن مغربية )، التقين في بلد غربي للبحث عن الحرية، وهذه الحرية كما يظهرها الشريط هي الحرية الجنسية. وإذا كان لا أحد ينكر أن للسينما دورا كبيرا جدا في المجتمع يعكس مشاكل أفراده، ويدعو إلى التفكير في مواضع الخلل فيه، إلا أنه لا أحد ينكر أيضا أن لهذا المجتمع العربي تقاليد اجتماعية وأخلاقية ونظما قيمية ينبغي احترامها. وكما يقول عدد من النقاد السينمائيين، فإن السينما قادرة من خلال الأفلام أن تناقش مختلف مجالات الحياة، لكن مع الحفاظ على ثوابت كل مجتمع. وتلك مسألة جوهرية انتبه إليها السينمائيون الغربيون منذ مدة. ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية، مثلا، وهي الدولة التي مهما اختلفنا بشأنها فإنه لا يستطيع أحد أن ينكر أن مجتمعها يتمتع بقدر عال من الحرية. هذا المجتمع ذو الإثنيات المختلفة المتعددة، اهتز وحدثت به ضجة كبرى لمجرد أن إحدى قنواته التلفزية عرضت فيه المغنية الأمريكية جيني جاكسون أحد ثدييها في سرعة البرق ثم غطته، فقام المجتمع الأمريكي ولم يقعد، مستنكرا تصرف هذه المغنية... وطالبت نسبة كبيرة من المجتمع مقاضاة جيني جاكسون، مما اضطرها إلى الاعتذار لكل الشعب الأمريكي. فهل أصبحنا أكثر إباحية، بل انحرافا وهتكا لأخلاقنا واستخفافا بثقافتنا من كل المجتمعات بما في ذلك المجتمع الأمريكي؟ وهل أصبحت صورة المرأة العربية بالشكل الذي تصوره العديد من الأفلام العربية؟ زهير إسراء