أضحى تكريس المواطنة الحقة، وتربية الأجيال الصاعدة على حب الوطن والاعتزاز به وبقيمه وبتاريخه ضرورة ملحة في الوقت الراهن، خاصة في ظل سياق وطني وجهوي وعالمي حافل بالمتغيرات والتطورات، وذلك تجسيدا لمقتضيات دستور2011 الذي أكد على الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية للمغاربة، ورغبة كذلك في تحصين وتعزيز المكتسبات التي يتميز بها المغرب، لاسيما الاستقرار و وضعية الأمن والأمان. واعتبارا لكون المدرسة المغربية مؤسسة للتنشئة الاجتماعية إلى جانب الأسرة، الإعلام وباقي المؤسسات الأخرى ذات الوظائف التربوية والثقافية والتأطيرية، تسعى بالأساس إلى غرس القيم النبيلة، وممارستها ممارسة فعلية داخل المدرسة وخارجها، حيث تنتقل من مستوى التحسيس والتعرف إلى مستوى التملك والأجرأة. واستحضارا لمضامين ومقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين الرامية إلى جعل المدرسة المغربية، مشتلا للتربية على المواطنة وحقوق الإنسان، غايتها الأسمى تكوين المواطن الصالح المتشبث بالثوابت الدينية والوطنية لبلاده، في احترام تام لرموزها ووحدتها وقيمها الحضارية المنفتحة، والمتمسك بهويته بشتى روافدها، والمعتز بانتمائه لأمته، المدرك لواجباته وحقوقه، وذلك من خلال تعريفه بالتزاماته الوطنية، وبمسؤولياته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه، وتربيته على التشبع بقيم التسامح والتضامن والتعايش، ليتحلى بفضيلة الاجتهاد المثمر وليساهم في الحياة الديمقراطية لوطنه، بثقة وتفاؤل، وباعتماد على الذات و روح المبادرة. وسعيا لبناء مدرسة جديدة، تقوم على الالتزام الواعي بالمسؤولية، ورغبة في إرساء ثقافة تربوية ديمقراطية، تجعل الأجيال الصاعدة أكثر تمسكا بوطنيتها وأشد حرصا على انتمائها لوطنها في انفتاح على القيم الكونية، يتوجب العمل بشكل جماعي ومشترك- فاعلون ومهتمون وشركاء ومتعاونون- كل حسب اختصاصه، لترسيخ ثقافة الاعتزاز بالانتماء للوطن، وتصريفها إلى سلوكات رشيدة، تخلق المدرسة وتحد من الظواهر السلبية والمشينة التي بدأت تظهر بها مؤخرا كالعنف، الغش، الساعات الإضافية الإجبارية، الغيابات الغير مبررة، تنامي استهلاك المخدرات، تخريب الممتلكات العامة، الإنحراف بشتى أنواعه، عدم احترام معايير الحياة المشتركة، العدمية والتنكر للوطن، إضافة إلى مظاهر التعصب والتطرف والانغلاق والانسياق نحو مرجعيات مذهبية دخيلة،… الشيء الذي يتناقض مع الأدوار النبيلة التي وجدت من أجلها المدرسة، بل ويبخس قيمتها كأحد أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تساهم في تكوين وتأهيل الأجيال، وينعكس سلبا على المجتمع برمته، لذا ومن هذا المنطلق، يجب الحرص على تفعيل الحياة المدرسية بالمؤسسات التعليمية وخاصة الأندية التربوية، باعتبارها فضاءات للعمل الجماعي الذي يرتقي بالذوق والفكر وينمي ثقافة التواصل والحوار والممارسات الديمقراطية، ويرسخ قيم المواطنة بطرق تعتمد الحرية والتلقائية والتعلم الذاتي، لأنها السبيل الأمثل لجعل أبناءنا يحبون وطنهم بعمق بدل تخريبه والكفر به.