من الاكراهات الكبرى التي تعيق تطبيق مدونة الشغل في اعتقادنا والتي نعتبرها ركيزة أساسية في حماية القانون، هي أجهزة المراقبة -أي الأعوان المكلفون بتفتيش الشغل- (المواد 530 إلى 548)، التي تعرف خصاصا كبيرا في مواردها البشرية، هذا الجهاز الذي يسهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل. لقد سبق وأن أكد اتفاق 30 أبريل 2003 على الدور الذي يجب أن يلعبه جهاز تفتيش الشغل في مراقبة تطبيق قانون الشغل بصفة عامة والتشريعات المتعلقة بالحقوق والحريات النقابية بشكل خاص، مع مد هذا الجهاز بالإمكانيات المادية والبشرية اللازمة حتى يتسنى له أداء المهام المنوطة به على الوجه المطلوب. وقد عملت مدونة الشغل على توسيع مجال اختصاصات أجهزة المراقبة للقيام بدورها الفعال كجهاز للمراقبة من خلال الكتاب الخامس والسادس من المدونة، إلا أن ضعف جهاز تفتيش الشغل (المتجه نحو الانقراض) نتيجة انعدام المناصب المالية التي من شأنها تعويض الخصاص الذي يعانيه وكذا ضعف وسائله المادية والقانونية، تعتبر من الأسباب الرئيسية التي تعرقل تطبيق المدونة. وإذا كان لوجود أجهزة المراقبة دور كبير في تقليص عدد النزاعات التي تطرح على القضاء عن طريق مسطرة الصلح[6]، فإن غيابها من جهة يساهم في تزايد مستمر في نزاعات الشغل الفردية منها والجماعية، أمام ضعف قيامها بإجراء محاولات التصالح المنصوص عليها قانونيا في المدونة، ومن جهة أخرى يؤدي هذا الغياب إلى إغراق المحاكم في ملفات نزاعات الشغل، ثم كذلك جتى وان وجدت هذه الأجهزة، فإنها عاجزة على إقناع المشغلين باحترام المدونة. هذا فضلا، على أن غياب أجهزة المراقبة أدت لامحالة إلى استفحال ظاهرة عدم تطبيق قانون الشغل، حيث انعكس هذا الغياب على عديد من المقاولات والمؤسسات التي تتم فيها تغييب مؤسسة مندوب الأجراء التي تعتبر إحدى الركائز الأساسية في تنظيم علاقة الشغل بين المشغل والأجراء، والتي تساهم بالدرجة الأولى في حل خلافات الشغل وفض مختلف النزاعات القابلة للاندلاع في أي لحظة، وتنمية العلاقات المهنية[7]، والذين ينتخبون في جميع المؤسسات التي تشغل اعتياديا ما لا يقل عن عشرة أجراء دائمين (المواد 430 إلى 462). تنعدم فيها تواجد الأنظمة الداخلية التي ألزمها المشرع على المقاولات والمؤسسات بالتوفر عليها خلال السنتين المواليتين لإنشائها (المادة 138) [8]، إذ لا نجد إلا 170 مقاولة من أصل 18000 التي تشتغل اعتياديا 10 أجراء فأكثر التي تتوفر على النظام الداخل، تنعدم فيها اتفاقيات الشغل الجماعية التي تحتل مكانة أساسية في ضبط العلاقات المهنية والتي غالبا ما تتضمن امتيازات لصالح الطرفين، تتم فيها تغييب لجان المقاولة بالنسبة للمقاولات التي تشغل اعتياديا خمسين أجيراً على الأقل (المادة 464)، حتى وإن وجدت هذه اللجان فإن أعمالها مجمدة ولا يتم استشارتها في الإستراتيجية الإنتاجية للمقاولة ولا في تغييراتها الهيكلية والتكنولوجية..، تتم فيها تغييب لجان الصحة والسلامة التي تحدث لدى المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها، والتي يعمل فيها خمسون أجيرا على الأقل (المادة 336 ) وحتى وإن وجدت في بعض المقاولات فإن أعمالها تبقى غير مفعلة، تنعدم فيها مصالح طبية مستقلة للشغل أو مصالح طبية مشتركة، بالنسبة المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها التي تشغل ما لا يقل عن خمسين أجيرا[12] (المادة 304)، حيث نجد 896 مقاولة فقط من أصل 2446 لتي تتوفر على المصالح الطبية للشغل. أصبح المشغلون فيها يحتفظون على بأجرائهم المتقاعدين بدون قرار من السلطة الحكومية المختصة (المادة 526 الفقرة الأولى)، في الوقت الذي يتزايد فيه عدد المعطلين؛ وأصبح المشغلون فيها يحيلون أجرائهم على التقاعد حتى وان لم يكونو قد استوفوا 3240 يوم، وهي المدة المطلوبة للاستفادة من تأمين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ( المادة 526 الفقرة الثانية)؛ وتنعدم فيها التصريح بالأجراء في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وما يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية على حقوقهم وواجباتهم الاجتماعية.. يتم فيها المس بالحريات النقابية، وقد خرج الاتحاد الدولي للنقابات في مؤتمره الثالث بتقرير يصنف المغرب ضمن أسوء الدول في معاملة العمال من حيث الحماية القانونية والحريات النقابية…