البطولة: الجيش الملكي يعزز وصافته والمغرب التطواني يحقق تعادلا مثيرا أمام الفتح الرياضي في الرمق الأخير من اللقاء    تطورات مفاجئة في قضية "سفاح بن احمد"..    بمشاركة واسعة للطلبة.. عميد كلية العلوم بتطوان يترأس فعاليات توعوية بمناسبة اليوم العالمي للأرض    بوعياش تدعو إلى صياغة مشروع قانون المسطرة الجنائية ببعد حقوقي    حموشي يستقبل مسؤول الاستعلامات ووفد أمني عن الحرس المدني الإسباني    موتسيبي: نجاح كرة القدم في المغرب يجسد القيادة المتبصرة للملك محمد السادس    61 مقعد ل"الأحرار" بالانتخابات الجزئية    محكمة الاستئناف بالحسيمة تقضي بإعدام شاب أنهى حياة والده    وزير الزراعة الفلسطيني يشيد بالدعم المتواصل لوكالة بيت مال القدس الشريف للمزارعين المقدسيين    بنعلي تعلن عن إنشاء أول محطة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال بالناظور على خلفية ارتفاع لافت للاستثمار في الطاقات المتجددة    وزراء أفارقة يتفقون بمكناس على خطة زراعية ودعم تفاوضي موحّد للقارة    خبراء ينادون بتدريس التنشيط الرياضي    الأردن يتهم "الإخوان" بتصنيع الأسلحة    "توريد أسلحة لإسرائيل" يفجّر استقالات بفرع شركة "ميرسك" بميناء طنجة    رئيس الحكومة يشرف على انطلاق جولة أبريل من الحوار الاجتماعي    شباب الريف الحسيمي يراهن على جماهيره في مواجهة وداد صفرو    سابقة قضائية.. محكمة النقض تنتصر لشابة تعاني اضطرابات عقلية أنجبت طفلا من شخص بالحسيمة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    وزراء الخارجية العرب يرحبون بانتخاب المغرب لرئاسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان    بعد حوادث في طنجة ومدن أخرى.. العنف المدرسي يصل إلى البرلمان    السعودية توافق على اتفاقيات تسليم المطلوبين ونقل المحكومين مع المغرب    بالتعاون مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.. نقل سيدة إيفوارية من الداخلة إلى مراكش عبر طائرة طبية بعد تدهور حالتها الصحية    في حضرة الوطن... حين يُشوه المعنى باسم القيم    المغرب يجذب مزيدا من الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين الدوليين (صحيفة فرنسية)    وزراء الخارجية العرب يؤكدون على مركزية اتفاق الصخيرات كإطار عام للحل السياسي في ليبيا    الإتحاد الأوروبي يخاطر بإثارة غضب ترامب    بطلة مسلسل "سامحيني" تشكر الجمهور المغربي    الكتاب في يومه العالمي، بين عطر الورق وسرعة البكسل    "التقدم والاشتراكية" ينتقد خوف الأغلبية من لجنة للتقصي حول "دعم الماشية" ويستنكر وصف أخنوش المعارضة ب"الكذب"    عباس يطالب "حماس" بتسليم السلاح    نادي "الكاك" يعتذر لجمهور القنيطرة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب إسطنبول    وزارة التعليم العالي تدرس إمكانية صرف منحة الطلبة شهريا    نادي مولودية وجدة يحفز اللاعبين    وفاة الإعلامي الفني صبحي عطري    تراجع أسعار الذهب مع انحسار التوترات التجارية    "طنجة المتوسط" يؤكد دعم الصادرات في المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    القضاء يستمع إلى متزوجين في برنامج تلفزيوني أسترالي    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    هذه أغذية مفيدة لحركة الأمعاء في التخلص من الإمساك    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    في الحاجة إلى مغربة دراسات الهجرة..    نقل نعش البابا فرنسيس إلى كاتدرائية القديس بطرس    توقيع شراكة استراتيجية ومذكرة تفاهم لبحث الفرصة الواعدة في إفريقيا بين فيزا ومجموعة اتصالات المغرب    في جولة أبريل من الحوار الاجتماعي.. الاتحاد العام لمقاولات المغرب يؤكد على تجديد مدونة الشغل والتكوين    المنتخب المغربي للتايكواندو يشارك في كأس رئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو بأديس أبابا    خبراء يدعون إلى تعزيز الابتكار والحكامة لتقليص تأثيرات التغيرات المناخية    "الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    صحيفة ماركا : فينيسيوس قد يتعرض لعقوبة قاسية (إيقاف لمدة عامين    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ستفتح الحكومة ورش إصلاح عيوب مدونة الشغل؟
نشر في أخبارنا يوم 30 - 05 - 2014

عرفت مدونة الشغل مخاضا عسيراً طيلة عقود من الزمن لإخراجها إلى حيز الوجود، بحيث كان التشريع الاجتماعي عبارة عن شتات من النصوص التشريعية المتناثرة والمتقادمة، وكان من الصعب الاحاطة بها جميعها والالمام بها، وقد اضطرت الحكومة المغربية لتجميع هذه النصوص المتفرقة من أجل اعداد مشروع مدونة الشغل يسهل الرجوع اليه من طرف مختلف المؤسسات القضائية والرقابية.
إن موضوع إخراج مدونة الشغل كان من ضمن المطالب الأساسية التي جاء به التصريح المشترك لفاتح غشت 1996[1]، ومع دخول المغرب تجربة التناوب التوافقي وضعت صيغة جديدة لمشروع مدونة الشغل سنة 1998، عرضت على لجنة مكونة من ممثلي المشغلين والنقابات العمالية الاكثر تمثيلية بهدف دراستها، وفي سنة 1999 تم إحالتها على مجلس المستشارين الذي تقدمت فيه النقابات العمالية بتعديلات جديدة والتي على إثرها عملت الحكومة الجديدة على إجراء تعديل على النص سنة 2002، وفي إطار الحوار الاجتماعي الثلاثي الاطراف[2] أعطى اتفاق 30 أبريل 2003[3] دفعة قوية لمناقشة مشروع مدونة الشغل، والذي تم التوصل إلى نص توافقي بشأنه أحيل على المجلس المستشارين، وبعد المصادقة عليه أحيل على البرلمان الذي صادق عليه كذلك بالاجماع، و في الأخير صدرت مدونة الشغل الجديدة بموجب القانون رقم 65.99 الصادر بتنفيذه الظهير شريف رقم 1.03.194 بتاريخ 14 رجب 1424 الموافق ل11 شتنبر 2003([4])، والتي بدأ العمل بها في 8يونيو 2004.
وتعد نتائج الحوار الاجتماعي إحدى ثمرات النضال المستمر والمتواصل للشغيلة المغربية وبقيادة النقابات العمالية، والحوار الاجتماعي آلية أساسية في تطوير علاقات التعاون بين الحكومة وشركائها الاقتصاديين والاجتماعيين، وقد جاء الدستور 2011 في فصله الثالث عشر ليشرك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، نظرا للدور الحيوي الذي يشكله الحوار الاجتماعي في ترسيخ البناء الديمقراطي وانعاش التنمية الاقتصادية وتوطيد الاستقرار الاجتماعي.
وقد انتقلت أطراف الإنتاج من المرحلة الانتاجية والانغلاق على الذات إلى مرحلة الحوار والمفاوضة الجماعية، لكن هذا لايعني أن كل المقاولات تعرف انفراجا في الحوار بين النقابات وأرباب العمل، بحيث يتم الجلوس للحوار حول نفس الطاولة حسب موازين القوى وحسب نوعية القطاع، لأنه مازال إلى يومنا هذا مؤسسات ومقاولات ينعدم فيها العمل النقابي إما نتيجة ضعف القدرة على التنظيم النقابي أو نتيجة محاربة العمل النقابي داخلها، في الوقت الذي تعرف داخل هذه المقاولات تجاوزات وانتهاكات لحقوق الأجراء، نتيجة ضعف في فرض احترام سلطة القانون الذي يعتبر من اشكاليات تطبيق أحكام مدونة الشغل من طرف المقاولات.
كان من الواجب أن يبادر الأجراء والمشغلون إلى تطبيق المدونة من تلقاء أنفسهم بدون تدخل أجهزة المراقبة أو القضاء، والواقع أن تطبيق مدونة الشغل يقع على عاتق المقاولة أو المؤسسة التي تحترم نفسها قبل الأجير، لأن احترام القانون يكمن في مدى تطبيقه على أرض الواقع لتفادي الاحتقان الاجتماعي، لكن قد يصادف هذا التطبيق إكراهات ومعيقات أو صعوبات تحول دون تطبيقها على أرض الواقع.
إذاً كيف يمكن الانتقال من الاكراهات والصعوبات التي تعيق مدونة الشغل بعد عشر سنوات من تطبيقها إلى ضرورة تعديلها[5] ؟
سنتناول هذا الموضوع في قسمين، القسم الأول يتعلق بالإكراهات التي تعيق مدونة الشغل بعد عقد من التطبيق، والقسم الثاني يتعلق بمراجعة أحكام المدونة ومدى ضرورة تعديلها.
أولا : الإكراهات التي تعيق مدونة الشغل بعد عقد من التطبيق
من الاكراهات الكبرى التي تعيق تطبيق مدونة الشغل في اعتقادنا والتي نعتبرها ركيزة أساسية في حماية القانون، هي أجهزة المراقبة -أي الأعوان المكلفون بتفتيش الشغل- (المواد 530 إلى 548)، التي تعرف خصاصا كبيرا في مواردها البشرية، هذا الجهاز الذي يسهر على تطبيق الأحكام التتشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل.
لقد سبق وأن أكد اتفاق 30 أبريل 2003 على الدور الذي يجب أن يلعبه جهاز تفتيش الشغل في مراقبة تطبيق قانون الشغل بصفة عامة والتشريعات المتعلقة بالحقوق والحريات النقابية بشكل خاص، مع مد هذا الجهاز بالإمكانيات المادية والبشرية اللازمة حتى يتسنى له أداء المهام المنوطة به على الوجه المطلوب.
وقد عملت مدونة الشغل على توسيع مجال اختصاصات أجهزة المراقبة للقيام بدورها الفعال كجهاز للمراقبة من خلال الكتاب الخامس والسادس من المدونة، إلا أن ضعف جهاز تفتيش الشغل (المتجه نحو الانقراض) نتيجة انعدام المناصب المالية التي من شأنها تعويض الخصاص الذي يعانيه وكذا ضعف وسائله المادية والقانونية، تعتبر من الأسباب الرئيسية التي تعرقل تطبيق المدونة.
وإذا كان لوجود أجهزة المراقبة دور كبير في تقليص عدد النزاعات التي تطرح على القضاء عن طريق مسطرة الصلح[6]، فإن غيابها من جهة يساهم في تزايد مستمر في نزاعات الشغل الفردية منها والجماعية، أمام ضعف قيامها بإجراء محاولات التصالح المنصوص عليها قانونيا في المدونة، ومن جهة أخرى يؤدي هذا الغياب إلى إغراق المحاكم في ملفات نزاعات الشغل، ثم كذلك جتى وان وجدت هذه الأجهزة، فإنها عاجزة على إقناع المشغلين باحترام المدونة.
هذا فضلا، على أن غياب أجهزة المراقبة أدت لامحالة إلى استفحال ظاهرة عدم تطبيق قانون الشغل، حيث انعكس هذا الغياب على عديد من المقاولات والمؤسسات التي:
· تتم فيها تغييب مؤسسة مندوب الأجراء التي تعتبر إحدى الركائز الأساسية في تنظيم علاقة الشغل بين المشغل والأجراء، والتي تساهم بالدرجة الأولى في حل خلافات الشغل وفض مختلف النزاعات القابلة للاندلاع في أي لحظة، وتنمية العلاقات المهنية[7]، والذين ينتخبون في جميع المؤسسات التي تشغل اعتياديا ما لا يقل عن عشرة أجراء دائمين (المواد 430 الى 462).
· تنعدم فيها تواجد الانظمة الداخلية التي ألزمها المشرع على المقاولات والمؤسسات بالتوفرعلىها خلال السنتين المواليتين لإنشائها (المادة 138) [8]، إذ لا نجد إلا 170 مقاولة من أصل 18000 التي تشتغل اعتياديا 10 أجراء فأكثر التي تتوفر على النظام الداخلي[9] ؛
· تنعدم فيها اتفاقيات الشغل الجماعية التي تحتل مكانة أساسية في ضبط العلاقات المهنية والتي غالبا ما تتضمن امتيازات لصالح[10] الطرفين؛
· تتم فيها تغييب لجان المقاولة بالنسبة للمقاولات التي تشغل اعتياديا خمسين أجيراً على الأقل (المادة 464)، حتى وإن وجدت هذه اللجان فإن أعمالها مجمدة و لا يتم استشارتها في الإستراتيجية الإنتاجية للمقاولة ولا في تغييراتها الهيكلية والتكنولوجية، في الوقت الذي نجد أن المشرع الفرنسي فرض على المشغل تقديم سنويا عرضا شاملا للجنة المقاولة حول وضعيها الاقتصادية ومنجزاتها المستقبلية، هذا العرض الذي يحتوي على تقارير نشاط المقاولة ورقم المعاملات والفائض الإجمالي من الإنتاج والاستثمار وكل تطور في حجم الأجور ورقمها، وكذا حجم الاستثمارات والمقترحات المتعلقة بالنشاط المزمع تنفيذه في الخطة المقبلة[11].
· تتم فيها تغييب لجان الصحة والسلامة التي تحدث لدى المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها، والتي يعمل فيها خمسون أجيرا على الأقل (المادة 336 ) وحتى وإن وجدت في بعض المقاولات فإن أعمالها تبقى غير مفعلة؛
· تنعدم فيها مصالح طبية مستقلة للشغل أو مصالح طبية مشتركة، بالنسبة المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها التي تشغل ما لا يقل عن خمسين أجيرا[12] (المادة 304)، حيث نجد 896 مقاولة فقط من أصل 2446 لتي تتوفر على المصالح الطبية للشغل[13].
· أصبح المشغلون فيها يحتفظون على بأجرائهم المتقاعدين بدون قرار من السلطة الحكومية المختصة (المادة 526 الفقرة الأولى)، في الوقت الذي يتزايد فيه عدد المعطلين؛
· أصبح المشغلون فيها يحيلون أجرائهم على التقاعد حتى وان لم يكونو قد استوفوا 3240 يوم، وهي المدة المطلوبة للاستفادة من تأمين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ( المادة 526 الفقرة الثانية)؛
· تنعدم فيها التصريح بالأجراء في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وما يترتب على ذلك من انعكاسات سلبية على حقوقهم وواجباتهم الاجتماعية؛
· يتم فيها المس بالحريات النقابية[14]، وقد خرج الاتحاد الدولي للنقابات في مؤتمره الثالث[15] بتقرير يصنف المغرب ضمن أسوء الدول في معاملة العمال من حيث الحماية القانونية والحريات النقابية؛
· ...
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، هناك خلل في تطييق مدونة الشغل والذي يتعلق أساسا بالتعثر الذي يعرف الحوار الاجتماعي أولا على الصعيد الوطني بين مكونات الأطراف الثلاث، كل من الحكومة والنقابات العمالية الأكثر تمثيلية و المنظمة المهنية للمشغلين، والذي يتطلب تفعيل آليات الحوار مع المأسسة الفعلية للحوار كقاعدة أساسية لتدبير مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية، و ثانيا على صعيد المقاولات والمؤسسات، وهو مدى توفر الحكومة على آليات كفيلة لتحقيق نجاعة الحوار والمفاوضة الجماعية والذي يتطلب معاقبة و ردع كل المخالفات ودفع المشغلين إلى التقيد بالأحكام القانونية.
وعليه، إن تطبيق مدونة الشغل يحتاج إلى حوار حقيقي، باعتباره أحد الأسس الضرورية لتطوير العلاقات المهنية واستقرارها واقرار السلم الاجتماعي والحفاظ على رصيد الشغل داخل المقاولات والمؤسساتالإنتاجية، والحوار يعتبر أداة فعالة يساعد على تسوية المشاكل الصعبة وتعزيز التماسك الاجتماعي، كما أن الحوار يعمل على تشجيع المفاوضة الجماعية التي تعتبر من أهم المستجدات التي استحدثتها مدونة الشغل، بعد إدراجها لأول مرة لمقتضيات قانونية تتعلق بالمفاوضة الجماعية بين عنصري الانتاج من خلال المواد 92 إلى 103 من المدونة، ومن ثم العمل على تشجيع إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية التي تعمل على بلورة طموحات الأجراء ومطالبهم وفق امكانيات المقاولة، والعمل كذلك على توفر المقاولات والمؤسسات على أنظمة داخلية.
وفضلا عن ذلك، فإن تعثر تطبيق مدونة الشغل يرحع كذلك للثقافة السائدة لدى عموم المشغلين والتي تعتبر تواجد النقابة بالمؤسسة أو المقاولة هو عامل من عوامل إفلاس هذه الأخيرة، مع العلم أن خير وسيلة لسيادة السلم الاجتماعي داخل المقاولات والمؤسسات الخاضعة لقانون الشغل، هي الاعتراف للأجراء بحقهم في التنظيم والتكتل داخل منظمات نقابية تتولى الدفاع عن مطالبهم وحقوقهم مع إشراكهم في التدبير الاقتصادي والتدبير الاجتماعي لهذه المقاولات والمؤسسات[16].
وما يلاحظ، أنه إلى يومنا هذا لم تصادق الحكومة على الاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية خاصة منها الاتفاقية رقم 87 المتعلقة بالحربات النقابية وحماية حق التنظيم النقابي، بالرغم من الدور الذي أولاه المشرع لأهمية الحق النقابي، والذي أدمجه ضمن الحقوق الأساسية للمواطن، حيث عمل على التنصيص عليه في كل دساتير المملكة 1962، 1970، 1972، 1992، 1996 و2011 الأخير من خلال الفصل الثامن، حيث لم يعد دور النقابة[17] يقتصر فقط عن الدفاع عن مطالب الأجراء، والمطالبة باحترام القوانين المنظمة للشغل، بل أصبحت إحدى أهم القوى الفاعلة لا سيما على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي[18]، وما ينطبق على النقابة ينطبق على انتخاب مندوب الأجراء والذي ينبثق عنه انتخاب كل من لجنة المقاولة (المواد 464 إلى 469) و لجنة الصحة والسلامة (المواد من 336 إلى 344).
إلا أن هذه الاكراهات والمعيقات التي صادفت المدونة خلال عقد من التطبيق حتى وإن تم تجاوزها عمليا، فإن تعديل مدونة الشغل أصبح وارد ويفرض نفسه بالحاح، أمام إشكاليات أفرزتها الممارسة، حيث تتضمن المدونة مقتضيات يصعب تطبيقها لوجود خلل في التطبيق، مما يتوجب معه تعديل عدة أحكام بالمدونة، وتعديلها لا يتحقق إلا عن طريق مفاوضات حقيقية بهدف جعلها تتلاءم وتستجيب للتحولات الاقتصادية والاكراهات الاجتماعية التي يعرفها العالم وبالخصوص المغرب.
هذا ما سنتناوله في القسم الثاني المقبل والأخير حول:
"مراجعة أحكام مدونة الشغل ومدى ضرورة تعديلها"
* باحث مختص في القانون الاجتماعي

------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] يعد اتفاق فاتح غشت 1996 أول اتفاق ثلاثي أبرم بين الحكومة وأطراف الإنتاج منذ الاستقلال، ويجسد محطة أساسية في مجال الحوار الاجتماعي والتفاوض الجماعي بالمغرب، والموقعون على هذا الاتفاق الحكومة و الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب و الاتحاد العام لمقاولات المغرب.
[2] هذا الاتفاق أبرم فيما بين الحكومة المغربية والمركزيات النقابية الثلاث الاكثر تمثيلية (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد المغربي للشغل ) وأطراف الانتاج (الاتحاد العام لمقاولات المغرب وجامعة غرف التجارة والصناعة والخدمات بالمغرب).
[3] اتفاق 30 أبريل 2003 توج اتفاق الحكومة والمنظمات المهنية للمشغلين والمركزيات النقابية حول مشروع مدونة الشغل وحول العديد من قضايا الاجتماعية.
[4] المنشور في الجريدة الرسمية تحت عدد 5167 بتاريخ 13 شوال 1424 الموافق 8 ديسمبر 2003، كما نصت المادة 589 منه على بدء سريان مفعوله بعد ستة أشهر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية وهو ما يوافق 8 يونيه 2004.
[5] حسب ما جاء على لسان وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية يوم 15 أبريل 2014 في لقاء تواصلي حول " تنشيط جهاز تفتيش الشغل".
[6] تمكنت أجهزة المراقبة من إعادة إدماج ما يناهز 47017 أجيراً سبق فصله من العمل،راجع دليل جمعية عدالة،" مدونة الشغل: إشكالات التطبيق ومواقف الفرقاء الاجتماعيين"، أبريل 2011، ص 24.
[7] محمد المعاشي، "مندوبو الأجراء في القرض الفلاحي بين الواقع القانوني وضرورة الإصلاح"، مطبعة دار أبي رقراق الرباط، سنة 2009، ص117.
[8] محمد المعاشي، "المقاولة والزامية وضع النظام الداخلي"، المنشور عبر المواقع الالكترونية
[9] دليل جمعية عدالة، المرجع السابق، ص20.
[10] محمد المعاشي، "اتفاقية الشغل الجماعية والآليات القانونية"، المنشور عبر المواقع الالكترونية.
[11] محمد المعاشي، "لجنة المقاولة والصعوبات التي تعترضها في غياب أجهزة المراقبة" ، المنشور عبر المواقع الالكترونية.
[12] محمد المعاشي، "حفظ صحة الأجراء وسلامتهم في ظل مدونة الشغل" ، المنشور عبر المواقع الالكترونية
[13] حسب إحصائيات وزارة التشغيل سنة 2006.
[14] محمد المعاشي، "توطيد حق الأجراء في التنظيم النقابي"، المنشور عبر المواقع الالكترونية.
[15] المؤتمر الثالث انعقد ببرلين ما بين 18 و23 ماي 2014 تحت شعار" تقوبة نفوذ العمال"، ويعتمد تقرير الاتحاد على 97 مؤشراً ترتكز أساساً على قدرة العمل في الانخراط في النقابات وكذا حقوق المفاوضة الجماعية والتوفر على الاجراءات والحماية القانونية، ويعتبر الاتحاد الدولي للنقاباتCSI أكبر منظمة نقابية في العالم حبث بصل عددها إلى 170 مليون عامل موزع على 325 منظمة نقابية وطنية من أصل 161 بلد، حسب موقع الاتحاد.
[16] عبد اللطيف خالفي، " الوسيط في مدونة الشغل- الجزء الثاني- علاقات الشغل الجماعية"، المطبعة والورقة الوطنية، الطبعة الأولى، سنة2009، ص 131.
[17] محمد المعاشي، "توطيد حق الأجراء في التنظيم النقابي"، المنشور عبر المواقع الالكترونية.
[18] محمد سعيد بناني، قانون الشغل بالمغرب في ضوء مدونة الشغل علاقات الشغل الفردية، الجزء الأول، مكتبة دار السلام الرباط، سنة 2005، ص 15


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.