تشهد المنطقة المغاربية حالة ترقب شديد إزاء التقرير الأممي المقبل حول مستقبل التسوية الأممية للصحراء المغربية و مواقف عموم الأطراف من مشروع بيكر للحكم الذاتي، وذلك بعد اقتراب موعد تقديم الأمين العام لتقرير جديد لمجلس الأمن في الموضوع، وهو ترقب يعكس حالة التوجس من حصول ارتداد في التدبير الأممي للنزاع بفعل المتغيرات الدولية والإقليمية الجديدة والتي تتالت مؤشراتها بعد احتلال العراق، وتصدع العلاقات الأوروبية-الأمريكية عموما والعلاقات الفرنسية - الأمريكية خصوصا، وفي القوت نفسه ازدياد وزن إسبانيا في الساحة الدولية. لقد خلص مجلس الأمن في قراره رقم 1469 ليوم 25 مارس الماضي إلى تمديد عمر ولاية بعثة المينورسو شهرين إضافيين أي إلى غاية 31 ماي الجاري، وفي الوقت نفسه تأكيد مرجعية القرار 1429 ل30يوليو2002 والتي تركت الباب مفتوحا بين خياري الاستفتاء والحكم الذاتي، وذلك بغية إعطاء فرصة للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة جيمس بيكر لدراسة ردود الأطراف على المشروع الذي تقدم به في أواسط يناير الماضي، لاسيما وأن الظرفية الدولية لم تكن مساعدة للبث في خيار نهائي حول مستقبل السيادة على الصحراء المغربية. ومنذ ذلك الحين أي طيلة الشهرين الماضيين، حصلت تطورات ذات أثر بارز على عملية البت في مشروع بيكر، ويمكن التوقف عند أهمها: - توتر كامن في العلاقات الأمريكية-الجزائرية بفعل تداعيات الاستقبال الجزائري الحاشد للرئيس الفرنسي جاك شيراك في بداية مارس 2003، مما اعتبر نوعا من التقوية للعمق الشمال الإفريقي لفرنسا في وقت ازدادت فيه حدة التقاطب بين فرنسا وأمريكا بخصوص العدوان على العراق، وهو توتر برزت تجلياته في الحملة الإعلامية لبعض رموز المحافظين الجدد بواشنطن ضد الجزائر وذلك مباشرة بعد الفراغ من احتلال العراق، بدعوى برامج التسلح النووي الموجودة فيها، وضرورة إخضاعها للتفتيش، ولاسيما ما تعلق بالمفاعل النووي بعين أوسرة، وهي حملة اضطرت الصحف الجزائرية كالوطن المقربة من الدوائر العسكرية الجزائرية ولوماتان الجزئر إلى الرد عليها بقوة، بل ذهب البعض إلى الحديث عن "محور شر مغاربي" في طور التشكل عند صانع القرار الأمريكي، هذا بالرغم من التحكم الأمريكي في الاستثمارات النفطية بالجزائر بغلاف مالي يفوق الأربعة مليار دولار. - تحسن تدريجي في العلاقات المغربية الإسبانية، برز بجلاء في خطوة استقبال رئيس الحكومة الإسبانية خوسي ماريا أثنار للوزير المغربي المنتدب في الخارجية والتعاون الطيب الفاسي الفهري بداية هذا الأسبوع، وعد هذا الاستقبال أول استقبال لمبعوث مغربي، وتم في الزيارة بحث تطورات قضية الصحراء والموقف المغربي من مشروع بيكر الأخير والحيثيات التي ارتكز عليها في إبداء عدد من التحفظات على نص المشروع، وتوازى ذلك مع الحديث عن ضغوط أمريكية على إسبانية للتخفيف من تشددها إزاء الموضوع، لاسيما وأنها عضو بمجلس الأمن ولها صوت مؤثر في المدارسة المقبلة للقضية داخلة نهاية هذا الشهر. - اشتداد الأزمة السياسية داخل الجزائر بفعل اندلاع التنافس حول الانتخابات الرئاسية بين كل من الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الحكومة المقال علي بنفليس، وسعي كل طرف إلى حشد الدعم له في صفوف القوى الاجتماعية والدوائر العسكرية والأمنية، هذه الأخيرة الذي بدأت تشهد تململا إيجابيا بعد تصريحات وزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار في بداية شهر مارس المنصرم، وفي الوقت نفسه ازدياد الحاجة إلى تفاهم مغربي-جزائري يجمد التوترات القائمة ويمهد لتطبيع تدريجي في العلاقات، وهي حاجة أسهمت فيها المتغيرات الدولية والإقليمية والتي أخدت تفرض على أطراف النزاعات الثنائية الانكباب على تدبيرها ثنائيا قبل فرض الحل الأمريكي عليها، وهو ما برزت أولى تجلياته في عالم ما بعد 9 أبريل2003( أي بعد دخول قوات الاحتلال الأمريكي لبغداد) في اتخاذ كل من الهند وباكستان لقرار تطبيع العلاقات بينهما، كما برزت في حالتنا في الإعلان عن الاستعداد لحل مشكلة التأشيرة بين كل من المغرب والجزائر. - أما التطور الأخير والدال، فهو إعلان المغرب عن الاستعداد للتفاوض مباشرة مع البوليزاريو على لسان مندوبه بالأمم المتحدة محمد بنونة، وإلى جانب ذلك التعبير عن وجود تحفظات كثيرة على مشروع بيكر، والتأكيد من جديد على خيار الحكم الذاتي ورفض خيار الاستفتاء بصيغته القديمة، وهي تحفظات ارتكزت على ما ورد من مقترحات تضرب مبدأ السيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية، كما يتحول معه المشروع إلى مجرد مرحلة انتقالية يجرى بعدها استفتاء يعيد النزاع لنقطة الصفر، ولا يقدم أية ضمانات لاستمرار السيادة المغربية، وفي الوقت نفسه إعلان البوليزاريو عن رفضها لمشروع بيكر وتشبثها بخيار الاستفتاء. عموم التطورات الآنفة تبرز صعوبة انتظار الحسم النهائي لصالح مشروع بيكر الأخير والدفع عوضا عن ذلك في إعداد مشروع جديد، أو على الأقل تأجيل البت، لاسيما في ظل التركيز الأمريكي على الشرق الأوسط، هذا الأخير الذي يشهد حالة غليان في كل من العراق وفلسطين والسعودية، أربكت عددا من الحسابات والأولويات الأمريكية. كما أن المغرب يقدم نموذجا مطلوبا للولايات المتحدة تستثمره في تسويق مشروعاتها في الشرق الأوسط، إن على مستوى مشروع منطقة التبادل والتجارة الحرة أو على مستوى الشراكة في مجال الديموقراطية أو على مستوى التعاون في مجال مكافحة "الإرهاب"، وهي مجالات أسياسية يصعب التفريط فيها عبر خلخلة التدبير الأممي لقضية الصحراء المغربية ومحاولة فرض مشروع لا يرضي المطالب المغربية في حدها الأدنى، لاسيما وأن المغرب واجه بحنكة الضغوط الأوروبية عموما والفرنسية خصوصا والرافضة للمفاوضات المغربية الأمريكية حول منطقة التبادل والتجارة الحرة، وكذا الرفض غير المباشر لاستقبال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في جولته الأخيرة والتي وصلت إلى غاية الجزائر، وهو رفض علل بغياب وزير الخارجية المغربي عن المغرب بفعل زيارته لموريتانيا في نفس الفترة، وفسره البعض بتصريحات سلبية سابقة لعمرو موسى حول قضية الصحراء المغربية، وهي كلها معطيات ترجح خيار التمديد لبعثة المينورسو وإبقاء التدبير الأممي في مجال المباحثات والمدارسة لمشاريع الحل السياسي دون حسم نهائي في الموضوع، وذلك حتى إشعار آخر، وهو ما يجعل الديبلوماسية المغربية أمام تحد استثمار مجموع المتغيرات الإيجابية وتوظيفها لمواجهة نزوعات استهداف السيادة المغربية. مصطفى الخلفي