سجلت في الأيام الماضية ثلاث مؤشرات تزكي الشكوك حول وجود خلفيات أخرى في استراتيجية أوباما الجديدة لمواجهة الإرهاب غير خلفية محاربة تنظيم "داعش". - فإذا كانت الرؤية في استراتيجية مواجهة هذا التنظيم في العراق إلى حد ما واضحة، بحكم أن القوى الدولية والإقليمية مهدت لذلك بإزاحة حكومة المالكي وتنصيب حكومة العبادي، وأدخلت السلطة العراقية وقوات البيشمركة كفاعلين أساسيين في استراتيجية المواجهة، فإن الأمر في سوريا غامض، إذ لا يوجد أي خيار سياسي مقبول أمريكيا على الأرض يمكن التعاون معه لمواجهة الإرهاب، فأغلب مكونات المعارضة السورية التي تتمتع بوجود ميداني على الأرض مغضوب عليها أمريكيا، وشكل التعاطي السابق مع الجيش الحر يظهر درجة الارتياب من مكوناته. - ثاني هذه المؤشرات هو الرفض الأمريكي لأي دور إيراني في مواجهة الإرهاب في سورياوالعراق، مع أن الأهداف الأمريكية والإيرانية تتقاطع على مستوى مواجهة تنظيم داعش. - ثالث هذه المؤشرات، هو التحول الأمريكي في الموقف من مصر، إذ كشفت زيارة كيري الأخيرة للقاهرة، أن الحاجة إلى الدور المصري لا يتوقف عند حدود تبرير السكوت الأمريكي عن الوضع الحقوقي، وإنما قد يتحول إلى تلبية بعض مطالبها بإدخال "الإخوان المسلمون" ضمن المكونات الإرهابية، أو على الأقل تبرير ملاحقتهم، ولعل الضغوط التي مورست على قطر من أجل إخراج بعض قيادات الإخوان من الدوحة يعطي تصورا عن حجم التجاوب الأمريكي مع المطالب المصرية ومطالب بعض الدول الخليجية. - أما المؤشر الثالث، فيتمثل في حالة التمايز الذي أحدثها الموقف الدولي بالنسبة للتدخل العسكري في العراقوسوريا، ففرنسا قصرت جهودها على العراق، ومن المقرر أن تحتضن مؤتمرا دوليا حوله بمشاركة عشرين دولة، أما في سوريا، فالموقف الفرنسي يشترط أن يتم التدخل العسكري فيها في إطار القانون الدولي، أي بتأشير أممي، وذلك حتى لا تبعثر مصالحها في المنطقة وحتى تضمن الحد الأدنى من التماسك في الموقف الداخلي بعد أن تعالت أصوات وازنة تنتقد السياسة الخارجية الفرنسية، ومن ذلك انتقادات وزير الخارجية السابق دومينيك دي فيلبا، الذي اعتبر في مقال نشرته "لوموند" الفرنسية بأن التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب باستعمال القوة العسكرية سيقود إلى انتصار المتطرفين ومغنطة الرعب في قلوب الشباب المحبط ونقل الإرهاب إلى أوربا. تركيب هذه المؤشرات الثلاثة، أن تمايز الرؤية المؤطرة للتدخل العسكري بين العراقوسوريا، واختيار عدد من الدول التنسيق لمواجهة الإرهاب في العراق، وترك قضية سوريا إلى المنتظم الدولي، تؤشر بأن ما يخطط له في سوريا ربما يتجاوز مواجهة التنظيم إلى ما هو أكبر من ذلك، مما يتعلق بخلق خارطة سياسية جديدة في المنطقة، وهو ما سبق لوزير الخارجية الفرنسية رولاند دوما أن كشفه السنة الماضية عندما أكد وجود تخطيط بريطاني مسبق لاقتحام سوريا لخلق دولة حليفة لإسرائيل في المنطقة، إذ يخشى أن تكون "داعش" مجرد ذريعة لخلق واقع سياسي جديد في المنطقة يضمن بشكل أفضل تحقيق مصلحة تدفق النفط وحماية الأمن الإسرائيلي. مهما تكن الاستراتيجيات السرية أو المعلنة أو التي لا يزال يجري التفاوض حولها، فإن التحليل الذي أورده وزير الخارجية الفرنسي الأسبق دومينيك دي فيلبا يحتاج إلى وقفة تأمل، فالمشكلة ليست في وجود استراتيجية لمحاربة الإرهاب من عدمها، وإنما في إدراك البيئة التي يجري فيها محاربة الإرهاب، والتفاعلات التي يمكن أن تحدث لحظة تنزيل هذه الاستراتيجية، والسيناريوهات المحتملة. حسب وزير الخارجية الفرنسي الأسبق فإن السياسة الأمريكية عرفت فشلا ثلاثيا إذ لم تنجح على القضاء على الإرهاب بل وسعت رقعته، وقادتها مقاربة استعمال القوة سواء لتغيير الأنظمة في سورياوالعراق وليبيا أو البناء الوطني إلى استيراد ديمقراطيات محملة بشحنات السلاح وارتهان هذه البلدان لفصائل غير مستقرة أو قوى طائفية، مماأدى إلى سقوط الحدود الموروثة وانتشار فوضى عارمة في المنطقة. متجه هذا التحليل واضح، فهذا الفشل الثلاثي ينبغي أن يكون محطة للتأمل وإعادة النظر في نجاعة مقاربة استخدام القوة سواء لمكافحة الإرهاب أو تنحية أنظمة مغضوب عليها أو فرض واقع جديد أكثر تأمينا للكيان الصهيوني، فالنتائج التي ستؤدي إليها هذه السياسة ستزيد من تعميق الأزمة وتوسيع الرقعة الإرهابية ولن تنجح في الأخير في تحقيق أي هدف علني أو سري.