ثمن عدد من المتتبعين والمختصين ما تضمنه مشروع مسودة القانون التنظيمي الجديد للجماعات الترابية، من توسيع لحالات التنافي خاصة المتعلقة بمنع رئيس جماعة معينة من الجمع بين تلك الرئاسة ورئاسة أخرى كرئاسة المجلس الإقليمي أو مجلس الجهة، كما سيمنع ذات المشروع حالة اعتماده، كذلك الجمع بين رئاسة جماعة وبين العضوية في البرلمان أو الحكومة. غير أن ذات المتتبعين انتقدوا على مشروع القانون الذي أحالته الحكومة على الأحزاب السياسية بغية استقاء ملاحظاتها، كون بصمة الوصاية القبلية ما تزال به قوية وأنه لم يعتمد مبدأ التدبير الحر الذي نص عليه دستور 2011، مؤكدين على أن النسخة بشكلها الحالي في حاجة إلى نقاش عميق وتعديلات متعددة ستفرزها توصيات الأحزاب السياسية و النقاش البرلماني والعمومي الذي سيرافقه. وفي هذا السياق قالت البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، في حديث لجريدة "التجديد" الورقية إن الملاحظة الأبرز حول المسودة هو عدم تجاوبها الجريء مع مبدأ التدبير الحر الذي اعتمد في دستور 2011 حيث نصت مقتضيات متعددة على وجوب الارتهان بالقرارات العاملية و بتأشير العامل على المقررات و الميزانيات، بل حتى على اختصاصات الرئيس اليومية في الشرطة الإدارية و غيرها، حيث ألزم الرئيس، تواصل النائبة البرلمانية، بتبليغ العامل في آجل 5 أيام. معتبرة أن مسألة الآجال في العلاقة بين المجالس وسلطة الوصاية تعد إشكالا حقيقيا وجب تعميق النقاش بخصوصها حرصا على الفعالية و سرعة الانجاز. النص حسب ماء العينين،العضو بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، لا يزال مثقلا بمنطق الوصاية و الرقابة القبلية، مبدية تفهمها لجزء من الهواجس الحريصة على تطبيق القانون ومواكبة المجالس و التصدي لاختلالات التدبير بل و لفساده في أحيان متعددة تكشف عنها التقارير الرقابية كما يكشف عنها الواقع ذاته، لكن كل ذلك، توضح ماء العينين، "رغم مشروعيته لا يبرر خنق أنفاس المجالس المنتخبة المستمدة مشروعيتها من التفويض الشعبي و التي ستحاسب أمام الناخبين من خلال الصناديق، مما يحتم تحرير مبادرتها و تمكينها من سيادة القرار و الإبداع في وسائل الرقابة البعدية حرصا على الأموال العامة و مصالح الساكنة وهو ما يستبطنه مبدأ التدبير الحر". وعن إيجابيات هذا المشروع ترى الباحثة في العلوم السياسية، أن المسودة تضمنت ايجابيات متعددة تسعى إلى إضفاء المزيد من الشفافية على التدبير الجماعي والسعي نحو نجاعته. وتوسيع حالات التنافي بخصوص الجمع بين المسؤوليات الانتدابية، وهو ما عدته أهم إنجازات المسودة، حيث سيمنع الجمع بين رئاسة جماعة ترابية و بين رئاسة أخرى أو العضوية في البرلمان أو الحكومة، آملة أن يتجاوب النقاش الحزبي مع هذا المقتضى لأهميته الكبيرة في إضفاء المعنى على المسؤوليات الانتدابية التي تتطلب الجهد والتفرغ لإنجاحها. ماء العينين سجلت كذلك ما عدته تشابها كبيرا بين مسودة هذا القانون التنظيمي والمسودة السابقة بخصوص القانون التنظيمي للجهات من حيث بنائه ومنطقه بلغ أحيانا حد استنساخ مقتضيات معينة، وهو ما يؤشر على المنطق الذي حكم النظرة إلى الجهة كجماعة ترابية كبيرة لا غير، وهو ما يضعف فكرة الجهوية المتقدمة وتفويت الاختصاص واعتماد مبدأ التفريع الدستوري من الأعلى إلى الأدنى و عدم التدخل القبلي إلا في حالة العجز حرصا على المصلحة العامة. ماء العينين آثارت في حديثها ل "التجديد" كون المسودة تقدم قانونا تنظيميا ثالثا لتطبيق الفصل 146 من الدستور يبين حسم الحكومة في تقسيم القانون التنظيمي المشار إليه في الدستور إلى قوانين تنظيمية متعددة بعد أن اعتبر قرار المجلس الدستوري بخصوص القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء المجالس الترابية الذي تقدمت به الحكومة السابقة استثنائيا بالنظر إلى الظرفية الاستثنائية غداة أحداث الربيع العربي والإكراهات الانتخابات السابقة لآوانها،و هو نقاش دستوري مهم. ماء العينين، خلصت إلى أن النقاش حول الترسانة القانونية المتعلقة بالانتخابات الجماعية و الجهوية، لا يجب أن ينطلق من حدود مسودة القانون التنظيمي للجماعات الترابية بقدر ما يجب أن يعود إلى القانون التنظيمي لانتخاب أعضاء المجالس الترابية 59/11 الذي يتضمن مقتضيات متعددة بخصوص أنماط الاقتراع و كيفيات الانتخاب وهو ما يؤثر لا محالة في طبيعة المجالس وأنماط التدبير.