"يهود الوطن العربي" هو عنوان الدراسة التي صدرت حديثاً عن مركز زايد للتنسيق والمتابعة، المخصصة لاستعراض ملف الطوائف اليهودية في العالم العربي الذي بقي ملفاً مرشحاً لكثير من التطورات في المستقبل. وتحوي هذه الدراسة ما تمت مناقشته من أبحاث وأوراق عمل في ندوة يهود الوطن العربي، التي نظمها المركز الذي يتخذ من أبو ظبي مقراً له والذي يعمل تحت مظلة جامعة الدول العربية. وبداية أوضحت الدراسة أنّ ما أثبته التاريخ من وقائع يؤكد كذب الافتراءات اليهودية باضطهاد العرب والمسلمين لطوائفهم، ويثبت أنهم لقوا من المعاملة الحسنى والحظوة لدى بعض الحكام المسلمين ما جعلهم يرتقون المناصب العليا، ويضطلعون بأدوار فاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للشعوب العربية والإسلامية في فترات زمنية مديدة، فالدراسات الحيوية المتخصصة التي عُنيت بتفنيد جوانب العلاقة بين اليهود والعرب من مختلف زواياها، والتي استعانت بشواهد مستخلصة من وثائق تاريخية يهودية، يصعب على اليهود أنفسهم التنصل من فحواها، قطعت بأنّ اليهود لم يكونوا بمعزل عن المجتمع العربي والإسلامي بأحداثه المتشعبة وأحواله المتقلبة، إذ غطت مشاركاتهم مناحيه المتنوعة. ورأت الدراسة أنه ترتيباً على هذه مشاركة اليهود في مناشط المجتمع العربي والإسلامي ومناحيه المتنوعة؛ فإنّ الطرح الصهيوني لاستقلالية التاريخ اليهودي يجافي الحقيقة ويخالف الواقع؛ لأن استقلال التاريخ لا يعني سوى استقلالية أبنيته الاقتصادية والاجتماعية والحضارية. ويقود ذلك إلى عدم إمكانية التسليم بمقولة وجود تاريخ يهودي عام، نظراً لتباين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والفكرية ليهود الشرق عن نظيرتها لدى يهود الغرب، فها هو تاريخ اليهود في الأندلس في العصور الوسطى يمثل خير دليل على مدى اندماج اليهود في المجتمع العربي إبان هذه العصور وتأثيرهم في الأحداث الجارية، وتأثرهم بها دون تفرقة ترجع إلى عقيدتهم الدينية، فآلام التفرقة هذه لم يجترها هؤلاء اليهود إلا بعد أن وطأت أقدامهم أرض الميعاد المزعومة التي صدقت بها عقولهم المريضة المنحرفة عن جادة الحق والصواب، كما يرد في الدراسة. وأبانت الدراسة أنّ كتاب اليهود أنفسهم يعترفون بالتناقض والغرابة في شأن الانقسام اليهودي وسيادية بعض طوائفه على الأخرى، وأوضحت أنّ المتخصصين في الدراسات العبرية من الباحثين العرب يؤكدون أنّ هذا القول يأتي خير تعبير عن طبيعة الصراع الذي تشهده الدولة العبرية منذ أن تم تأسيسها عام 1948 بين يهود الشرق ويهود الغرب وحتى الآن، فتشرذم الواقع اليهودي الذي لا يتسم بالوحدة خاصة من الناحية الدينية، إذ تأخذ اليهودية شكل تكوين جيولوجي تراكمي غير متجانس؛ أدى إلى انقسام معتنقيها منذ البداية إلى طوائف متفرقة، برزت سعة الهوة بينها أكثر ما برزت في المجتمع الذي ظنته ملاذها الآمن وجنتها الغنّاء التي تركت من أجلها المجتمعات العربية والإسلامية، بما كفلته لها من حقوق إنسانية حضارية بعيداً عن أي تعصب أو تمييز، حسب الدراسة. وعند بحث الدراسة لإشكالية الاندماج والتبلور القومي بين اليهود العرب واليهود الغربيين الإشكناز، في ضوء مكونات الهوية الإسرائيلية؛ أكدت أنّ ثمة عوامل ترجع إلى تمييز المجتمع اليهودي بين طوائفه المختلفة كرست الطائفية بشكل حاد داخل الدولة العبرية، وشكلت حائلاً دون تكريس الطرح الإسرائيلي للهوية لأسباب منها؛ الاتجاه العنصري المتزايد بين يهود الشرق تجاه العرب عامة، والفلسطينيين بصفة خاصة، بالاتجاه نحو اليمين الصهيوني المتطرف المتمثل في حزب الصهيونية التنقيحية الليكود؛ ووجود حالة من الانعزال على المستوى المرتبط بالحفاظ على التقاليد الدينية السفاردية الخاصة، عن الكتلة الإشكنازية المتسيدة في المجتمع الإسرائيلي، وهو ما يحول دون تكوين ثقافة إسرائيلية عليا داخل المجتمع الإسرائيلي يلتزم بها مواطنوه من اليهود، وهو أحد شروط الطرح الخاص بالدولة/ الأمة الذي تنادي به الهوية الإسرائيلية؛ واتجاه اليهود الشرقيين إلى تكريس الاستقطاب الطائفي داخل إسرائيل بتكوين أحزاب سفاردية دينية، وهي ظاهرة تؤثر بشكل واضح على فعالية جهود الدولة من أجل تذويب اليهود الشرقيين في الثقافة الإشكنازية المتسيدة، وتؤدي على المدى البعيد إلى قيام هوية يهودية سفاردية مستقلة داخل المجتمع الإسرائيلي، وقيام هويات يهودية فرعية أخرى على أسس إثنية دينية وعلمانية. خدمة قدس برس