وقف عشرات الأطفال وملامح وجوههم تبدي الإعجاب والدهشة أمام مشهد إطعام قردة الشامبنزي من قبل أحد العاملين بحديقة الحيوانات بالرباط. وبعد الانتهاء من إطعام الشامبنزي، انتقل مبارك زروال، معالج متمرس، وفضول الأطفال يرافقه، إلى مكان تواجد الفهود، لإطعامها هي الأخرى. زروال الذي خبرته في العناية بالحيوانات تجاوزت الثلاثين سنة، كان يتودد إلى القردة، ويستجيب لفضول الأطفال والحاضرين، لمعرفة التفاصيل المرتبطة بتغذية الشامبانزي وسلوكه أمام من يقترب منه من رواد الحديقة. ويقول زروال لوكالة الأناضول: "الشامبنزي هو الحيوان المفضل لديّ فإذا مرض أتعب نفسيًا أنا أيضًا، لذلك أحب أن أراهم دائمًا في صحة جيدة؛ لأسعد معهم، فهم مثلنا، لذلك أهتم بأكلهم فأحضّر لهم حصة يومية من الفاكهة المتنوعة تضم الموز والبرتقال والتفاح". ويتابع: "بالإضافة إلى الوجبة الرئيسية التي تكون عند الخامسة مساء، حيث أطبخ لهم البطاطس أو الأرز والقطاني (نوع من البقوليات)، فكل يوم أنوّع لهم الغذاء". ويضيف: "كما أحرص على النظام الغذائي لهذه الفهود فهي حساسة جدًا وتمرض بسرعة، فلكل فهد حصة 800 غرام يوميًا من اللحوم فإذا تجاوز هذه الكمية وازداد وزنه يكون لديه مشاكل في التوالد". فالفهود من الحيوانات المهددة بالانقراض، وتم إحضارها من دولة الإمارات، بحكم توقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين حديقة الرباط وحديقة دبي، بحسب زروال. هناء السلاوي، المدرسة التي ترافق هؤلاء الأطفال، ، تقول إن "هذه هي الزيارة السادسة لنا مع الأطفال، ونقوم بتنظيم رحلات للحديقة لتمكين الأطفال من التعرف على مختلف الحيوانات، واستكشاف فضاء عيشهم وقضاء يوم ممتع خارج الفصل الدراسي". وهو ما يؤكده التلميذ نوفل التيجاني بقوله: "أنا سعيد بتواجدي لأول مرة أمام الحيوانات التي كنت أحب دائمًا أن أكتشف كيف تأكل، وكيف تعيش كالأسود والفيل والفهود والقرود". وتلعب الحديقة دورًا حيويًا في التوعية بأهمية الحفاظ على التنوع البيئي والبيولوجي والحيواني بالمغرب، بحسب سلمى السليماني، مديرة الاستراتيجية والتسيير المالي والإداري بالحديقة. وتقول السليماني: "الأهداف المبتغاة من إنشاء هذه الحديقة هي إحداث مكان من أجل الترفيه، إلى جانب التربية البيئية بوجود عدة ورش للتوعية بأهمية الوحيش (الوحيش في اللغة هو ما لا يستأنس من دواب البر)، وأهمية المحافظة على البيئة والطبيعة". وتضيف: "لدينا أيضًا برامج في مجال البحث العلمي خاصة البحث الجيني لأسد الأطلس وقط الصحراء، والأروي التي تعد أصنافًا مغربية مهددة بالانقراض، وهذه الأبحاث تهدف إلى المحافظة على هذه الأصناف". وتؤكد سلمى السليماني أنه "تم اختيار الحيوانات من أصل أفريقي بصفة عامة ومن أصل مغربي بشكل خاص كأسد الأطلس والأروي والقردة، لتقديم منظومات تتلاءم والسياق المناخي بالمغرب". كما أغنت حديقة الحيوان الوطنية مجموعتها من الأصناف الحيوانية بحصولها على 3 فهود و3 من البج أو القط الأنمر (من فصيلة السنوريات) من حديقة حيوان العين بدولة الإمارات العربية المتحدة، ويعد استقدام هذه الحيوانات جزءًا من برنامج للتبادل بين الحديقتين المغربية والإماراتية، بحسب السليماني. كما استقبلت الحديقة 3 من وحيد القرن، و4 زرافات من جنوب أفريقيا، و6 من الليمور و5 من السرقاط من حديقة حيوان بلنسيا (إسبانيا)، و2 من الحمر الوحشية و2 من ظباء الماء من حديقة حيوان هانوفر. وبحسب سلمى السليماني تضم الحديقة اليوم 1500 عينة تمثل 123 نوعًا حيوانيًا، موزعة على خمس فضاءات هي: "فضاء جبال الأطلس" ويضم أسد الاطلس وقرد المكاك، و"فضاء الصحراء" الذي يضم الفهود ووحيد القرن والظباء، والغزلان، والمها، والنعام، و"فضاء الغابة الاستوائية" حيث نجد القرود والطيور والزرافة والفيل, بالإضافة إلى "فضاء المناطق الرطبة" حيث التمساح وفرس النهر، وقرية الزوار، و"فضاء الضيعة التعليمية" ويضم رسومًا توضيحية لأصناف الحيوانات، وظروف عيشها، وتفاصيل سلسلتها الغذائية، وأماكن تواجدها". وعن أعداد أسد الأطلس الموجودة بالحديقة تقول منال غوات، مديرة التسويق والتواصل بالحديقة: "نتوفر اليوم على 38 من أسود الأطلس التي تعود في الأصل إلى السلطان محمد الخامس ملك المغرب، الذي كان يحتفظ ببعضها في حديقته الخاصة، والتي قدمت له كهدايا من رؤساء القبائل المغربية كرمز للبيعة". وكان قد أعلن رسميًا سنة 1992 عن انقراض هذه الفصيلة من الأسود، إلا أن المغرب ما زال يتوفر على ما يمثل نصف العدد المتبقي في العالم والموزع على حدائق الحيوانات في المغرب وفي أوروبا. وترجع أسباب انقراض الأسد البربري أو أسد الأطلس إلى التراجع الكبير الذي عرفه الغطاء الغابوي في المغرب، وإلى استهدافه من طرف الصيادين بغية الحصول على فروه أو لمجرد المتعة، بحسب غوات. وفيما يخص الهندسة المعمارية للحديقة، فقد صممت بهدف خلق فضاء مفتوح شبيه بالفضاء الطبيعي الذي تعيش فيه الحيوانات، وتمكن المنظومات الإيكولوجية المعتمدة في الحديقة من خلق بيئة شبيهة بتلك التي تعيش فيها هذه الحيوانات في البرية، بحسب غوات. وتم بناء كهوف ومغارات بطريقة هندسية ملفتة، تمكن الزوار من معاينة هذه الحيوانات في مواطنها، وهي تتنقل بكل حرية في فضاءات روعيت فيها شروط الأمن والسلامة، مع توفير بطاقة تقنية عن كل حيوان تحدد اسمه وأماكن تواجده ومتوسط عمره ووزنه.. وتمتد الحديقة على مساحة 50 هكتارًا (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع)، استقطبت منذ افتتاحها في 9 يناير/كانون الثاني 2012 أكثر من مليون ونصف المليون زائر من مغاربة وأجانب، وهي بذلك تساهم في نشر الثقافة والتوعية بأهمية البيئة لدى عموم الزوار خاصة منهم الأطفال، بحسب غوات.