في كل مرة تقع فاجعة من الفواجع العمرانية ويذهب ضحيتها مواطنون يطرح سؤال المسؤوليات، وتتم المطالبة بفتح التحقيقات اللازمة، ثم تتقادم الفاجعة وتتقادم معها الأسئلة التي صاحبتها إلى أن تقع صدمة أخرى تنسينا في التي قبلها. لكن هذه المرة، لا ينبغي لفاجعة انهيار ثلاث عمارات بحي بوركون أن تتكرر هذه الحكاية، لأن الأمر هنا يتعلق بمقتل 23 شخصا وإصابة العشرات، ولا ندري إن كان المصاب سيتوقف عند هذا الحد أم أن الأيام القليلة القادمة ستزيد من حدته. ينبغي أن نطرح الأسئلة في هذا الصدد بوضوح كامل، ففي مثل هذه الحالات، هناك مسؤوليات محددة بشكل دقيق لا مجال فيها للتهرب أو التملص، فتصميم التهيئة يوضح طبيعة الحي، ورخص البناء التي تسلمها الجماعة أو اللجنة الإقليمية تحت رئاسة السيد الوالي إن تعلق الأمر بوضعية الاستثناء تعطي الضوء الأخضر للمنعش العقاري بمباشرة عملية البناء، والجماعة هي التي تعطي رخصة السكن بعد أن تتحقق من مطابقة البناء للتصميم الذي على أساسه منحت الرخصة، وفي حالة عدم إعطاء هذه الرخصة فإن مسؤولية الإدارة لا تنتهي، إذ يتطلب الأمر اتباع مسطرة المخالفات والتي تصل إلى حد الشكاية لوكيل الملك لاتخاذ المتعين في حق المخالف إما تغريما أو حكما بضرورة إرجاع البناء ليكون مطابقا للتصميم، وفي كل هذه المحطات هناك توثيق إداري صارم لا يمكن لأحد أن يتدخل لتغيير حيثيات الملف. المعلومات المستقاة من قسم التعمير بالجماعة الحضرية بالدار البيضاء تقول بأن العمارات المنهارة تم الترخيص ببنائها سنة 1999 بخمس طوابق (الطابق الرابع والخامس في صيغة ديبليكس)، وهي إلى اليوم لا تحظى برخصة السكن. لكن معلومات أخرى تم تداولها بكثافة تقول بأن تصميم التهيئة لهذا الحي، وبالتحديد المكان الذي بنيت فيه هذه العمارات مخصص للفيلات بما يعني أنه لا يتجاوز طابقين. إذا صحت هذه المعلومات، فإن المسؤولية مركبة، حتى ولو تم التركيز على قضية المخالفات وإعطائها حجما أكبر من المسؤوليات، إذ في العادة ما يتم الاختباء وراء هذه المخالفات للتملص من المسؤولية المتعلقة بمسطرة الاستثناء والتي تأتي غالب الكوارث من بوابتها، كما أنها تمثل باب الفساد المشرع الذي لا حدود لشروره. ثمة سوابق معروفة تؤكد بأن مجرى التحقيق اتجه إلى دراسة مخالفات البناء وأثرها في الانهيارات التي وقعت، إذ يتم تحكيم بعض المختبرات المختصة، ويتم الانتهاء إلى نتائج تحمل المنعش العقاري المسؤولية لاسيما إن كانت الإدارة قد قامت بمسطرة المخالفات كما هو منصوص عليه قانونا، وينتهي الموضوع، ثم تنزل كارثة أخرى، وهكذا دواليك دون أن يفتح ملف الاستثناء ويوضع في دائرة المساءلة. نريد من كارثة حي بوركون أن تخرج ملف الاستثناء إلى دائرة المساءلة، لطرح مبرراته وجدوى استمراره، ومناقشة تناقض الممارسة فيه مع الاعتبارات التقنية التي تحكمه، هذا دون أن نغفل الفساد الذي يدخل من هذا الثقب الخطير. لا ينبغي أن نكذب على أنفسنا، فوضعية الاستثناء التي يؤطرها القانون بمساطر ومعايير دقيقة أصبحت أشبه ما يكون بالقاعدة الأصلية في البناء، وقد انتشرت الظاهرة فصارت أشبه بالسرطان الذي يصعب استئصاله، إذ أصبح تصميم التهيئة عبارة عن أوراق للاستئناس أما التصاميم الموجودة على الأرض فهي التي تقررها اللجان الإقليمية أو تقرر باسمها. فاجعة حي بوركون ينبغي أن تشكل ناقوس خطر توضع فيه المساطر والممارسة على طاولة المساءلة سواء بسواء، وأن لا يتم الاختفاء وراء أخطاء صغرى لتبرير الاستمرار في الأخطاء الكبرى التي لا يتحمل وزرها إلا المواطنون الأبرياء.