* في مقامات الأحرف التي تعطي للمعنى معاني جرارة تحصد كل أنواع خزعبلات اللامعنى التي تقع في مسارها، والهرطقات الواقعة ف تاريخها، أحرفا أبت إلا أن تنطق بنفسها بإفراز هرمونات مضادة تهطل على الورقة البيضاء الطاهرة المقدسة والتي لا زالت منذ الأزل قادرة على إخراج رأس النعامة من حجرها من أجل ما يحاك حولها، قادرة على النقش على الماء مهما استطال وحوشها، قادرة على إزالة الأمطار مهما سادت غيومها، أحرفا ستجد نفسها في مواجهة أسطول من العقول المغيبة داخل القوالب المفبركة، داخل الأعشاش المقعدة تحت يافطة وشعار الدين تارة والسياسة تارة أخرى، لقد تم تدنيس هاذين الحقلين بتبريرات العقول الهشة والمصالح الضيقة لشخصيات سحرت أتباعها بالكلام وتزييف الوعي، مع الزمن أصبحت شماعة تعلق فيها كل الاستئصالات الهمجية والسلوكيات المتطرفة والتحركات السياسية ملفقة، فأدخلت الدين الطاهر النقي إلى عالم الإعاقات الفكرية والثقافية، وقدمته في شكل أنماط تدينية مفخخة بالمصلحة والمنفعة السياسة، وأقحمت السياسة المعتدلة لتكهنات المنفعة والمصلحة الفردية والحزبية تحت مفاوضات سرية، فالغاية تبرر الوسيلة، فماذا يا ترى تركت هذه العقول المزيفة بالدين والسياسة لغيرها من العقول المخالفة لها مرجعيا وفكريا وخطا تحريريا والتي ترى فيها مروقا عن الدين وخارجة عن السياسة، صنفان اتفقا من غير تنظيم مسبق وبرمجة قبيلة على شيطنة الدين والسياسة كل من موقعه ومبرراته الضيقة، طبعا لقد استعانوا بنساك وتجار الدين والسياسة الذين ساهموا في نشر بصمة الجهل مقدس الذي يدغدغ الشعور والقلوب قبل العقول. * نترككم مع كوميديا العقم المنهجي الممزوجة بالحقد والكراهية، إنهم أبطال الحلقات مع مريدي وقداس ثقافة العنف ثقافة الانغلاق ثقافة وحدة الوجود، الثقافة الأحادية النمطية المتطرفة الحاقدة على أصول التفكير الإنساني والعقلاني، حاقدة على سنن الأخلاق والتسامح، منهج الوعي المؤسس لتأسيس ثقافة الغباء المصحوب بالصراخ وتمثيلية المظلوم، ثقافة الخروج عن زاوية العقل والتدبير الكوني للاختلاف والحكمة والروية في التعبير والسلاسة تصورا وتطبيقا، إنها ثقافة اللامعنى وما بعدي الطوفان في حقبة انفجار الجهل المقدس، وتوظيف نساك التجهيل المكهرب لصناعة العبث الفكري وترويجه مجتمعيا باسم الدين والطقوس والسياسة. * لقد أصيب العقل في قلبه حتى فقد بوصلة حكمة التعقل في الأفكار والتعبير عنها باللسان، عنجهية دونية أفقدت الإنسان إنسانيته داخل معركة "أنا الحق وأنت الباطل"، ومادمت أنت الباطل فمصيرك الجفاف والانكماش في حلقة التاريخ أو ما يقال انك في مزبلة التاريخ لمخالفتي أنا، فإما معي أو ضدي، هي الأبوية الجديدة ونظرة الاحتضان نيابة في عملية الاحتقان الاجتماعي، الكل يكفر الآخر - وكل له فلسفته في التكفير-، تكفير سياسي على ثقافي على فكري مع مقادير ثقيلة من التفكير الديني والاجتماعي وبالتالي صناعة إنسان منفجر في أي لحظة، انفجارا مطلقا منعدما من الأخلاق الكونية، ضرورة لا يقصد الانفجار المادي المؤدي للعنف الجسدي والدموي، أو الانفجار المعنوي بتكفير المخالف وإخراجه من دائرة التعبير والمعنى، ولكن انفجار اكبر وأوسع، انفجار على مستوى تفكك آليات اشتغال الضبط العقلي وخروجه من دائرة النضج والفطرة إلى دائرة أنا الواحد الأوحد في الكون وما دوني محال، إعلان الحالة البسيكلوجية "فهاماطور" الفهامة الأوحد لاشريك له، هو احتيال فني على ثقافة المجتمع المجروح الذي تعرض لأزمات كبرى في تاريخه أزمة التعقل أزمة التخلق، وخاصة أزمة الأنسنة. * نعم يكفيك أن تقنع أسطولا من العقول بفكرة أو أفكار بغض النظر عن طبيعتها وبنيتها المعرفية، وتغلفها باسم الدين أو السياسة حتى تصبح هذه العقول مع الزمن منصاعة لك عابدة لفكرك مستعدة أن تموت مكانك حتى تعيش أنت، مستعدة أن تجعلك الإنسان الأعظم تدافع عنك وهي لا تدري لماذا، ببساطة عندما يزغرد الجهل على العقول ويرقص فوق الرؤوس ستجدهم على استعداد دائما للقول نعم لبيك، نعم لا نقاش ولا تحليل في التعاطي مع الفكرة، ما تقوله لهم ينفعلون معه بدون تشكيك ولا محص ولا نقد، همهم الوحيد هو التصفيق والتطبيل والتصفير مجازا للفكرة، جرب أفتي لهم وقل لهم نعم الدين هو هذا، السياسة هي هذه، سترى فعل الصرف بدون نقاش، والواقع شاهد على اعتناق العقول لأي فكرة بشرط إتقان فن التغرير ولغة المواجهة، ستجد المنافحين وكذا المعارضين لمن ينافحون عنه، طبعا المعنى المدنس في قالب مقدس يستسيغه العقل المغيب. * الجهل المقدس يصنع الأعاجيب، لذلك لا غرابة إن وجدنا أول آية نزلت في الكتاب العزيز كتاب النهضة التنويرية لأمة الإسلام هي " اقرأ" بفعل الأمر، لان فعل القراءة ينتشل العقل من براكن الجهل وبراثن الوعي المزيف الذي أصبح عن طريق دعاته مع التاريخ عقيدة ومقدسا لدى نساك الجهالة، وهذا هو الحال مراتب عليا في صناعة الأمية، وسفلى في تخصيص أوقات للقراءة والتعلم للفرد مقارنة مع دول جعلت من القراءة عقيدة في حياتها، ماذا تنتظر إلا هذا " جهل مقدس" وذاك " وعي مزيف" وهؤلاء "أشخاص معصومين". *وعي مزيف يجدد عن طريق الجهل المقدس أكيد سيصنع مجتمعا ملبوسا وملبسا، والمجتمع الذي يعجز عن فتق مضاد للتخلف ويحرص على صنع ثقافة كيف تصبح قديسا للجهل في محراب الزيف في ثوان بدون معلم ، هو مجتمع يخيط كفنه للمغادرة الإجبارية من التاريخ. * باحث في الفلسفة وتاريخ المذاهب والأديان بجامعة محمد الخامس بالرباط.