لا يمكننا بحال من الأحوال أن نخفي فرحتنا العارمة بانتصار هوغو تشافيز على خصومه التابعين للإرادة الأمريكية. كما أن من حقنا هنا أن نهنيء فقراء فنزويلا بانتصار إرادتهم على الغطرسة الإمبريالية، وهم الذين كانت ثروات بلادهم تنهب أمام سمعهم وبصرهم. سمعنا تشافيز على الجزيرة قبل الاستفتاء فشعرنا بالانحياز لهذا الرجل الخارج على الإرادة الأمريكية، والمتحدي لفريقها اليميني بزعامة بوش، وكم تمنينا لو نسمع زعيماً عربياً واحداً يتكلم مثل هذه اللغة الرائعة. إذن لحمته الجماهير بالمقل والأرواح. وحتى الزعيم الليبي الذي تحدث عنه تشافيز بوصفه زعيماً ثورياً لم يعد كذلك بأي حال، فقد باع الرجل ثوريته على نحو مريع واشترى كرسيه بكل ما في قاموس السياسية من تنازلات. بانتصار تشافيز وقبله التحول الإسباني ومعه تحولات مشابهة في أمريكا اللاتينية تتعمق الموجة المناهضة للروح الإمبريالية التي تحكم الولاياتالمتحدة، فيما تمنح المقاومة العراقية الباسلة آمالاً عريضة لكل المراهنين على تقليم أظافر تلك القوة العاهرة المتغطرسة ومن ثم دفعها إلى إعادة حساباتها من جديد وانتهاج سياسة مختلفة في التعامل مع العالم. من المؤكد أن انتصار تشافيز هو نقلة نوعية وتأكيد على قدرة الشعوب على الانتصار لمنطق القوة والتحدي في مواجهة الباطل، مقابل التأكيد على عبثية الشعارات الأمريكية المطروحة بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وحيث يجري المتاجرة بها من أجل حسابات أخرى. في فنزويلا وكما في العراق نفط وثروات يسيل لها لعاب القائمين على القرار في الولاياتالمتحدة من تجار النفط وتجار السلاح والصهاينة الذين يستخدمون غطرسة تلك الدولة في تأمين متطلبات دولتهم الأم، وكذلك الحال في أفغانستان التي استخدمت منصة لزرع القواعد العسكرية في حوض بحر قزوين، على مشارف واحدة من أهم بؤر الاحتياطي النفطي في العالم. عندما تفوح رائحة النفط والهيمنة تفتضح شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإلا فمن هو الذي اقتنع بأن الولاياتالمتحدة قد ذهبت إلى العراق لكي تنشر الديمقراطية وتمنح العراقيين فرصة التمتع بالحرية والرفاه؟! في فنزويلا انحازت جماهير الفقراء إلى رئيسها حين انحاز إليها، وأعلن أنه سينتصر لمعاناتها حتى لو غضب عليه المترفون الذين يريدون امتصاص دم الشعب، وحين وقع الانقلاب عليه خرجت له الجماهير وأعادته معززاً مكرماً إلى القصر الرئاسي. وفي ذلك ولا شك تأكيد على قدرة الجماهير على الانتصار لمن ينحاز لهمومها في ذات الوقت الذي لا يمكنها أن تحمي فيه أنظمة ولغت في الدم والفساد من رأسها حتى أخمص قدميها. درس فنزويلا بالغ الأهمية، تماماً كما هي دلالاته الرائعة على مستقبل التعاطي الدولي مع الغطرسة الإمبريالية للولايات المتحدة، وسلوكها الأرعن المنافي لأبسط قواعد العدالة والحرية للشعوب. نستبشر خيراً بما جرى في فنزويلا وإسبانيا ودول أمريكا اللاتينية، فيما تبقى المقاومة العراقية هي شعلة الأمل الأكبر في هذه المرحلة من زاوية قدرتها على تمريغ أنف الغطرسة الأمريكية في التراب وإعادة تشكيل ميزان القوى الدولي على أسس جديدة أكثر عدلاً للجميع. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني