بينما يستفحل الانقسام الداخلي في أوكرانيا ويتصاعد الصراع الغربي - الروسي على النفوذ فيها، تتخذ المنظمات الصهيونية واليهودية من انعدام الأمن الناتج عن ذلك ذريعة لحث من لم يهاجر بعد من يهود أوكرانيا إلى فلسطينالمحتلة إلى اللحاق بمن سبقهم إليها، والنتيجة الحتمية المتوقعة لذلك هي إطلاق موجة هجرة يهودية جديدة تعزز الاستعمار الاستيطاني في فلسطين. إن حجم الدور اليهودي في استغلال الأزمة المتفاقمة في الجمهورية السوفياتية السابقة مغيب عن أضواء الإعلام، مع أن تلك المنظمات قد دعمت وحرضت على "تغيير النظام" في أوكرانيا ورعت الدور القيادي الذي لعبه يهودها في "ميدان الاستقلال" في العاصمة كييف لكنها في ذات الوقت تشن الآن حملة دولية واسعة تصور يهود أوكرانيا بأنهم معرضون للخطر وتدعوهم إلى الرحيل عن كييف وعن أوكرانيا بكاملها، وتستنجد بدولة الاحتلال الإسرائيلي لإنقاذهم. في الثالث من فبراير 2014 قال مدير اللجنة اليهودية الأوكرانية إدوارد دولينسكي لوكالة "جويش تلغرافيك ايجنسي" إنه طلب من وزير خارجية دولة الاحتلال أفيغدور ليبرمان المساعدة في إرسال "وفد من محترفي الأمن الإسرائيليين لتقييم الاحتياجات الأمنية للمؤسسات والمنظمات اليهودية في أوكرانيا". وفي الحادي والعشرين من الشهر ذاته حذر رئيس "مؤسسة التفاهم العرقي" مارك شناير في يومية "فوروورد" اليهودية من خطر استخدام يهود أوكرانيا ك"كبش فداء" لسوء حظ الأوكرانيين، مذكرا بتاريخ العنف ضد يهود أوكرانيا الذي أودى بحياة أكثر من مائة ألف منهم في القرن السابع عشر. وفي اليوم التالي نقلت هآرتس عن معاريف العبريتين قول الحاخام الأوكراني موشى روفين آزمان إنه حث يهود كييف على الرحيل "عن مركز المدينة أو عن المدينة بكاملها وحتى عن البلاد إن أمكن" بينما حثت سفارة دولة الاحتلال في كييف يهودها على عدم الخروج من بيوتهم. وفي اليوم الذي تلاه ذكرت "جويش تلغرافيك ايجنسي" أن الوكالة اليهودية العالمية أعلنت بأنها سوف تقدم "مساعدات فورية طارئة" ليهود أوكرانيا وتساعدهم في حماية أمن المؤسسات اليهودية فيها. وفي الرابع والعشرين من الشهر أصدر رئيس المؤتمر اليهودي الأوكراني ومالك قناة "جويش نيوز 1" التلفزيونية فاديم رابينوفيتش بيانا قال فيه إن علاقة المحتجين مع الطائفة اليهودية "متسامحة وسلمية" وأن "أي ادعاءات تقترح العكس هي استفزازات فحسب". لكن "ذى تايمز أوف اسرائيل" في اليوم التالي ذكرت أن رئيس الجمعية اليهودية الأوروبية الحاخام مناحيم مارجولين بعث رسالة إلى رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو طلب فيها بصفة عاجلة "إرسال حراس أمن مدربين لحماية التجمعات اليهودية في المدن والبلدات الأوكرانية" لأنها تشعر بالعجز في مواجهة "الموجة المتنامية للهجمات المعادية للسامية". وفي اليوم ذاته قالت "ذى جويش ويك" في نيويورك إن "الاضطرابات في أوكرانيا قد تركت واحدة من أكبر الجاليات اليهودية في أوروبا على المحك". وكانت المؤلفة ومديرة دراسات أوروبا الشرقية بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، اميليا جلاسر، تنشر مقالا في اليوم ذاته قالت فيه إن "بعض اليهود المولودين في أوكرانيا ممن هاجروا إلى إسرائيل وخدموا في جيشها قد عادوا إلى كييف ... من أجل وضع خبراتهم العسكرية موضع التطبيق"، مضيفة أن "عددا كبيرا من منظمي الاحتجاجات عبر أوكرانيا هم من المثقفين اليهود: فنانون ومدرسون وأكاديميون ضمن آخرين من أعمار مختلفة" وكذلك فعل "كثير من اليهود البارزين". وفي التاسع من الشهر الماضي خاطب اليهودي الفرنسي برنار - هنري ليفي المحتجين الذين احتلوا "ميدان الاستقلال" في كييف، وهو الذي حرض على غزو حلف الناتو لليبيا وقبل ذلك على التدخل العسكري الأميركي في البوسنة بينما يحض اليوم على غزو غربي لسورية وقد وصفته الجروزالم بوست بأنه يحتل المرتبة (45) بين اليهود الأكثر نفوذا في العالم. وتذكر تقارير الأخبار أن زعيم الحزب النازي الجديد "الحرية" الذي قاد أعمال العنف وخطف الاحتجاجات السلمية، تياجنيبوك فروتمان، هو نصف يهودي لكنه يعلن بأن "المافيا اليهودية الروسية" تسيطر على أوكرانيا، وأن مصرف "برافيتبانك" الذي يملكه اليهودي ايغور كولومويسكي من الممولين لهذا الحزب الذي تتخذ المنظمات الصهيونية واليهودية من نازيته حجة لإثارة الذعر في أوساط يهود أوكرانيا وذريعة لحثهم على الرحيل إلى فلسطينالمحتلة. وكانت الجروزالم بوست العبرية في الثالث عشر من كانون الأول / ديسمبر الماضي قد ذكرت بأن "اليهود الشباب كانوا في الخطوط الأمامية للاحتجاجات ضد الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش"، واقتبست من الناشطة اليهودية الكسندرا أولينيكوفا قولها إن "أصدقائي كانوا في خطوط القتال الأمامية ضد القوات" الحكومية لكنهم "لا يكشفون هويتهم اليهودية كثيرا هناك"، وأن "بعض اليهود الأوكرانيين الشباب ممن يعملون مع منظمات دولية" يهودية كانوا "ناشطين حقا" في تقديم الدعم وفي "تنظيم المتاريس". وبالرغم من كل ذلك قال رئيس اللجنة اليهودية الأوكرانية دولينسكي للصحيفة العبرية إن لجنته "شجعت" يهود أوكرانيا على "زيادة الأمن في كل مكان يهودي عام" خشية وقوع ما سماه "استفزازات" ضد اليهود ولهذا الغرض "تحدثنا أيضا مع اللجنة الأميركية اليهودية المشتركة ومع اللجنة اليهودية الأميركية ونود دعوة خبراء أمنيين إسرائيليين وغيرهم من اليهود من أجل وضع خطة أمنية شاملة" تحمي يهود أوكرانيا من الفوضى الأمنية التي يقومون بدور قيادي في خلقها! ويتضح من هذه الأمثلة أن أوكرانيا قد تحولت إلى ساحة مفتوحة مستباحة ل"الخبراء الأمنيين" الإسرائيليين واليهود يصولون ويجولون فيها بحجة حماية أمن اليهود. ولا يحتاج المراقب إلى كثير من الاجتهاد للاستنتاج بان هذه الحجة ليست إلا ذريعة للتغطية على دورهم في استغلال أزمة أوكرانيا، كما استغلوا الأوضاع المماثلة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، لتنظيم هجرة من تبقى من يهودها إلى فلسطينالمحتلة، حيث تسابق دولة الاحتلال الإسرائيلي الزمن لتعديل الميزان الديموغرافي الذي يعمل لصالح عرب فلسطين. فهجرة يهود العالم إليها في تراجع، وفي سنة 2011 لم يهاجر منهم إليها سوى (17500) فقط، وهذا أدنى معدل للهجرة في تاريخها كما كتب بن بيرنباوم في الواشنطن تايمز في الثامن من آذار / مارس العام التالي. وحسب ما كتبت د. بتسي جيدويتز في "مركز القدس للشؤون العامة" الإسرائيلي في الخامس عشر من أيار / مايو 2007، هاجر (315) ألف يهودي أوكراني إلى فلسطين منذ عام 1989. وكان اسحق بن زيفي ثاني رئيس لدولة الاحتلال من يهود أوكرانيا وقد وصفهم بأنهم كانوا "رأس رمح الحركة الصهيونية المعاصرة" أثناء اجتماع له في الشهر السادس عام 1961 مع (150) شخصية منهم، ضمت جنرالات في الجيش ووزراء وبرلمانيين وعلماء وشعراء وكتاب وأكاديميون. ونقلت "جويش تلغرافيك ايجنسي" عن الوكالة في الثالث والعشرين من الشهر الماضي أن حوالي (200) ألف يهودي ما زالوا في أوكرانيا وكانت دائرة الإحصاء الأوكرانية قد ذكرت بأن عددهم كان (106) آلاف عام 2001 لكن معهد تخطيط سياسة الشعب اليهودي قدر عددهم عام 2005 ب(84) ألفا. وحسب موسوعة "ويكيبيديا" فإنهم كانوا عام 2012 خامس أكبر جالية يهودية في أوروبا والحادية عشر في العالم.