أثارت قضية محاكمة الشباب المتهمين بالانتماء إلى التنظيم المسمى "عبدة الشيطان" ردود فعل متباينة فبينما ذهب البعض إلى النظر إليها من الزاوية الحقوقية، وأنها محاكمة للحرية الشخصية وللاختيارات الفنية للشباب، ذهب البعض الآخر إلى اعتبارها محاكمة سياسية تقف من ورائها أجهزة أمنية تستهدف سحب البساط من تحت "الإسلاميين" والحد من تقدمهم السياسي على مستوى الساحة. وحسب هذا التحليل فإن هذه المحاكمة شأنها شأن مشروع قانون الإرهاب كما نسبت ذلك احدى الأسبوعيات الفرنكوفونية إلى مصدر مقرب من السيد الوزير الأول «ليس هدية تقدم للاسلاميين بل على العكس من ذلك فإن الدولة تسعى إلى استعادة "أسلحة" الإسلاميين كي تزاحمهم على أرضيتهم وتسحب البساط من تحت أرجلهم، فالشارع والمجتمع المغربيان اللذان يتميزان بطابعهما المحافظ لن يتركا بعد الآن للإسلاميين « "فنحن هنا أيضا" كما يقول المصدر المذكور. ومشروع قانون الإرهاب الذي تجري مناقشته داخل البرلمان حسب نفس التحليل غير موجه ضد "الارهابيين" وإنما ضد الإسلاميين «فالخلط بين الارهابيين والإسلاميين لا يصل إلى الدوائر العليا للقرار حيث أن خشية تلك الدوائر كما تقول الأسبوعية المذكورة ليس من أن يفجر إسلامي قنبلة ولكن أن ينتزع مقعدا إضافيا». قضية عبدة الشيطان .. وأزمة القيم في المجتمع المغربي وبعيدا عن هاتين القراءتين أي القراءة الايديولوجية التي تدافع عن "عبدة الشيطان" لحاجة في نفس يعقوب كما يقال ومن زاوية "حقوق الإنسان" كما تدعي، والقراءة السياسية التي ترى فيها وسيلة لجأت إليها الدولة لتصفية حساب مع اتساع شعبية الحركة الإسلامية! هنا قراءة ثالثة تذهب إلى أن المشكلة أعمق، حيث إن هذه القضية تطرح في العمق أزمة نظام القيم داخل كالمجتمع المغربي وانسحاب الأسرة والمدرسة واستقالتهما من أداء وظائفهما التربوية والثقافية التي هي الأساس وعليها المعول في تحصين الشباب والمجتمع المغربيين من عبادة الشيطان وعباد الشيطان وأئمته وقادته. "عبدة الشيطان " مذنبون أم ضحايا؟ ونحن في "التجديد" لم ننزلق مع القراءة الأولى لأننا متأكدون من أن الوقائع ذات الصلة بعبدة الشيطان وإن كنا لا نجزم بتوبتها قانونيا في حق الشباب المعروض منهم الآن على أنظار المحكمة لسبب بسيط هو لأننا لم نطلع على ملف القضية وأدوات الاثبات التي لدى النيابة العامة. غير أن اختراق هذا الانحراف العقائدي والسلوكي للشباب المغربي سواء تعلق الأمر بقضية "عبدة الشيطان" أو غيرها من الاختراقات مثل تفشي ظاهرة التنصير، والشذوذ الجنسي هي اختراقات ثابتة يدل عليها أكثر من دليل. فحسب شهادة لتلميذة تدرس باحدى أكبر ثانويات الدارالبيضاء يوجد في الثانوية المذكورة تلاميذ ينتمون لما يسمى بعبدة الشيطان عددهم ستة يطيلون شعورهم ويضعون الماكياج وقلم رسم العيون خاصة ليتشبهوا بالجماعات الموسيقية لما يسمى Rock and hard، يصبغون أظافرهم ويلبسون الأسود برسوم غريبة ، ومن شروط الانتساب إلى جماعتهم الكفر بالدين، حيث يضعون كتابة على أدرعهم كالتالي "باسم الشيطان"، والأفدح من ذلك كما تقول الشهادة المذكورة أنهم يتبولون على القرآن ويمارسون نشاطاتهم غير العادية بحفلات موسيقية خاصة من أهم شروطها أن تكون صاخبة جدا. كما يتعاطون في جلساتهم للمخدرات وعلى رأسها المارخوانا، وبسؤال التلميذة عن مصدر الماريخوانا وهي غالية الثمن ولا توجد إلا خارج المغرب قالت: إن التلاميذ الذين ينتمون إلى هذه الجماعة هم من الطبقات الراقية ولهم ما يكفي من المال لانفاقه على نزواتهم الحرام. كما أن علاقتهم بالنساء جد عادية ومن أهم سماتهم كرههم لمادة التربية الإسلامية التي تكون نقطهم فيها جد رديئة، كما يمارسون مازوشية خطيرة على أجسادهم بسبب تعاطيهم للمخدرات حيث يضرب الواحد منهم جسده بالسكين أو بشفرة الحلاقة دون أن يكون لديه إحساس بالإيلام كما قد يشعر به الإنسان العادي. ونقل عن شاب حضر ملتقى مغلق لهم أنه رآهم يشربون دما لقطة مذبوحة ويحدثون جرحا في أياديهم ثم يلصقون الأيدي بعضها ببعض فيها يشبه ميثاق صداقة ووفاء لأفكار الجماعة، وأن هذا الشاب أصيب بالإغماء.. وحتى إذا افترضنا صحة نسبة هذه الوقائع إلى الشباب المقدمين اليوم على أنظار المحكمة، فإننا نعتبر هؤلاء الشباب ضحايا للسياسة التربوية التي لم تعط ما يستحق من اهتمام للتربية الدينية والخلقية بل أن هناك سعيا متزايدا للتضييق عليها في المناهج والبرامج وافراغ هذه الأخيرة منها وفي السياسة الإعلامية سواء في القنوات الإعلامية التي يسير اتجاهها العام في اتجاه توهين مبادئ الدين والأخلاق والتبشير بقيم العنف والانحلال الخلقي وتمجيدها تحت شعار حرية الإبداع الفني، ولذلك من الطبيعي وفي ضعف عمليات التحصين التربوي والخلقي سواء داخل الأسرة أو المدرسة والإعلام، وسير هذا الأخير في الاتجاه المضاد لبعض ما تبقى من قيم الدين في الأسرة والمدرسة أن تنشأ مثل هذه الانحرافات السلوكية والعقدية والذوقية وكان من الأولى أن نتجه إلى أصول المشكلة وليس إلى مظاهرها أو نتائجها. ورغم ثبوت وجود هذه الظاهرة فنحن نرى أن المحاكمة وجب أن تتجه إلى السياسات التربوية والتعليمية والثقافية، وأن الإدانة كان ينبغي أن تتجه ليس إلى الضحايا الذين يسمون ب "عبدة الشيطان" بل إلى "شياطين الإنس" الذي أصبح بعضهم إماما وأستاذا لشيطان الجن كما قال تعالى: و»شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، وكما قال أيضا: "واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منهم فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين» كان أولى أن تتجه الادانة إلى أولئك الذين شنوا ويشنون حربا إرهابية فكرية ضد أئمة المساجد وضد العلماء وضد التربية الإسلامية في المناهج، وضد الحركات الإسلامية المعتدلة التي هي وسيلة من وسائل تقوية الحصانة الفكرية والدينية عوض التحريض عليها لهواجس انتخابية ضيقة خشية أن تسحب البساط من تحت أرجل "الديمقراطيين الحداثييين المزعومين". إن هؤلاء هم الذين يحتضنون الشيطان ويوفرون الجو الملائم لتزعزعه بين أظهرنا وفي أذواق وتوجهات شبابنا. وهم يفعلون ذلك لأنهم جعلوا من حداثتهم المزعومة شريعة الإسلام وأحكامه وحركاته ودعوة إلى علمنة الدعوة ودعوة للملكية المغربية إلى التخلي عن صفتها الدينية أن هؤلاء هم عبدة الشيطان الحقيقيين وأتباعه إذا لم نقل إنهم أئمته وأساتذته. إنهم هم الذين خصصوا له صحفا يومية جعلت من رسالتها الأساسية محاربة الفضيلة والتشكيك في الأحكام الشرعية واصطياد كل الآراء الشاذة والأخبار الكاذبة حول دعاة الإسلام في الداخل والخارج وتسليط الضوء على بعض النتوءات هنا وهناك لدى بعض الغلاة من المحسوبين على الحركة الإسلامية وتقديم الحركة الإسلامية بجميع تياراتها وكأنها هي تلك الصورة المشوهة. مرحبا بسحب البساط من تحت أرجل الإسلاميين...ولكن! أما عن القراءة السياسية للمحاكمة التي تقول إن هدفها هو سحب البساط من تحت أرجل الإسلاميين، فإننا نقول مرحبا بذلك إذا كان ذلك السحب المذكور سيذهب إلى معالجة أصول المشكلة لا إلي تقديم أكباش فداء.. نعم لسحب البساط من تحت أرجل الإسلاميين إذا كان يعني إعادة الاعتبار للتربية الإسلامية في الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام. نعم إذا كان ذلك سيكون من خلال تبني صادق وعملي للمرجعية الإسلامية وعمل بمقتضاها في البرامج الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإعلامية لا أن يكون ذلك مجرد تبني منافق، واستخدام "مخاتل" لمفهوم "الاجتهاد" الذي يعني أن يصبح الإسلام لا لون له ولا رائحة ولا طعم ويتخذ شكل الإناء الذي يوضع فيه...ويصبح شاهد على كل زور وباطل أي أن يصبح علمانيا مع العلمانيين وأمريكيا مع الأمريكيين، وساكتا عن قول الحق مهادنا لدعاة الإباحية في الإعلام والثقافة والفن، أي أن يصبح المنتمون إليه أيضا من الشياطين وليس فقط من عبدة الشياطين لأن «الساكت عن الحق شيطان أخرس» كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم. نعم إذا كان سحب البساط من الإسلاميين معناه أن يقدم الذين يتبنون ذلك من أنفسهم وسلوكهم وإدارتهم وأحزابهم نموذجا عمليا في العمل بأحكام الإسلام والدفاع عن مقاصده في مختلف السياسات. وما هم بحقوقيين..أو لهم غيرة على حقوق الإنسان تبقى الإشارة إلى أن بعض الذين دافعوا عن الشباب الذين يحاكمون في قضية "عبدة الشيطان" لم يفعلوا ذلك من منطلق حقوقي صادق، والدليل على ذلك أنهم سخروا أقلامهم وجرائدهم لتأييد حملة الاختطافات وتبرير مشروع قانون الإرهاب. وبقدر احترامنا لأولئك الذين كانوا منسجمين مع منطلقاتهم الحقوقية فكانوا حاضرين في هذه وتلك من القضايا ذات الصلة بالمس بالحقوق والحريات الفردية والجماعية، فإننا نعلن أننا لا نكن أي احترام أو تقدير للذين ركبوا هذه القضية دفاعا عن "الشيطان" أي فقط انطلاقا من خشية أن يكون ذلك في مصلحة "الإسلاميين" ودفاع عن كل خير وفضيلة وتصدي لكل فساد وانحراف لأنهم اختصروا "الحداثة" زورا وكذبا في محاربة الأخلاق والقيم الفاضلة، نقول لهؤلاء إن الطريق إلى الحل الجذري لمثل هذه الظواهر هو معالجة الظاهرة في أصولها وجذورها أي بالمعالجة التربوية والثقافية والخلقية وحينما نتبنى هذه المعالجة فإننا سنضع أيدينا على "عبدة الشياطين الحقيقيين" بل إننا سنضع أيدينا على أساتذته وأئمته..أولئك هم الشياطين الحقيقيون الذين هم أولى بالإدانة والمحاكمة. نقول هذا مع التأكيد على واجب التحفظ واحترام القضاء خاصة إذا كان مستقلا ونزيها، واحترام قراراته إذا لم تكن نتيجة تدخلات وضغوط سياسية من أية جهة كانت.. ونتمنى أن يأتي اليوم الذي يصل فيه قضاؤنا إلى هذا المستوى بحيث لا يخضع لأي ضغط سياسي وابتزاز إيديولوجي. أما أن يقيم قوم الدنيا ويقعدوها على محاكمة "عبدة الشيطان" ويعتبرونها محاكمة لحرية الذوق وحرية الرأي لمجرد أنهم قد توهموا أن في ذلك مغازلة للإسلاميين أو منافسة لهم على ساحتهم.. ويسكتوا عن الاختطافات ويبرروها ويصورون المغرب وكأنهم أصبح مهددا ب"إرهاب" موهوم مسايرة للمنطق الأمريكي...فتلك هي عين الشيطنة..وأصحابها هم عبرة الشيطان الحقيقيون بل أئمته وقادته. محمد يتيم