المذكرة التي وجهها الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية إلى رئيس الحكومة بخصوص حماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها تأتي في سياقين، الأول يتعلق بالدينامية المدنية للنقاش العمومي حول السياسة اللغوية التي سيضطلع المجلس الوطني للغات برسم توجهاتها الكبرى، وهذه الدينامية نظم الدستور الجديد شكلياتها وشروطها. والسياق الثاني، تاريخي يجعل من المبادرة حلقة ضمن سلسلة حلقات سابقة تروم حماية اللغة العربية وإعادة الاعتبار لها بصفتها تتمتع بالصبغة الدستورية مند أزيد من خمسة عقود. المبادرة الجديدة قدم من خلالها الائتلاف توصيفا للاختلالات التي اعترت تنزيل الطابع الرسمي للغة العربية وذلك في مجال التربية والتعليم، ومجال التشريع والإدارة والقضاء ومنظومة العدالة، وأيضا في مجال الإعلان والإعلام. تلك الاختلالات التي تعكس في جوهرها غياب الحماية القانونية والتشريعية للغة الرسمية وعدم الأجرأة القانونية والتشريعية للطابع الرسمي للغة العربية وتعليق المؤسسات المهتمة بتطوير اللغة العربية لاسيما منها أكاديمية اللغة العربية التي لم تر النور إلى الآن. والحقيقة أن المهم في المبادرة ليس فقط المقترحات التي قدمتها على مستوى الاستحقاقات الدستورية الثلاثة التي تنتظر اللغة العربية، حماية، وتطويرا، وتنمية استعمال، إنما المهم فيها هو الأثر الذي ستحدثه في النقاش العمومي، والانتقال من طور الدفاع إلى طور الاقتراح للنقاش العمومي وفق الأطر الدستورية والقانونية والاتجاه نحو بلورة سياسة لغوية وطنية منسجمة برؤية متوازنة لا تستعمل في عملية التدافع اللغوي ورقة إذكاء التوتر بين المكونات اللغوية الأخرى من أجل تحقيق مكاسب لمكون على حساب آخر، ولا تراعي في قضية الانفتاح على اللغات الأجنبية سوى المعايير الدستورية الثلاثة (نسبة التداول؛ تسهيل التفاعل والانخراط في مجتمع المعرفة، الانفتاح على مختلف الثقافات وعلى حضارة العصر). طبعا تبقى هذه مبادرة ضمن مبادرات مختلف مكونات المجتمع المدني، ذلك أن التدافع اللغوي مهما اتسعت رقعة ملعبه، إلا أنه لا يمكن بأي حال أن يخرج عن القواعد التي رسمها الدستور شكلا ومضمونا والتي ينبغي للمجتمع المدني أن يحضر فيها بما يعكس المكانة الجديدة التي بوأه الدستور إياها.