أين تتجلى قيم التضامن في عيد الأضحى؟ يمكن التمييز بين نوعين من قيم التضامن بمناسبة عيد الأضحى؛ القيم المعنوية والقيم المادية. أما القيم المعنوية فتتجلى في الخطاب الذي ساد في المساجد طيلة عشرين يوما قبل عيد الأضحى وكان تحت إشراف المجالس العلمية المحلية والمندوبيات الجهوية لوزارة الأوقاف، وهو الخطاب الذي استحث فيه الخطباءُ والوعاظُ الناسَ على قيم التواد والتراحم والتعاون والتآزر وغيرها من صور التواصل الاجتماعي المفضية إلى بناء مجتمع متماسك يشعر فيه الموسر بآلام وأحزان المعسرين. وأما القيم المادية فتجلت في أعمال صالحة أسهمت في التخفيف من آلام المحتاجين وقد تولى أمرها جمعيات المجتمع المدني التي تلعب دور الوسيط بين الموسرين والمعسرين، وذلك بجمع المال وتوزيعه بأمانة وإنصاف على المحتاجين، ويكون هذا التوزيع إما نقدا أو باقتناء أضاحي وتوزيعها على الفقراء واليتامى والمساكين وغيرهم. وينضاف إلى هذه الجهود الطيبة مبادرات فردية يتفضل فيها بعض الناس بالبحث عن محتاجين أقعدهم الفقر عن اقتناء أضاحيهم. ونوع آخر من التضحية والتراحم الالتفات إلى الطلبة الأجانب ممن قصدوا بلدنا لاستكمال دراستهم فهؤلاء غالبا لا يفكرون في أضحية العيد مع ما نرى عندهم من اهتمام بشعائر العيد الأخرى فتتحرك الهمم لاستكمال فرحتهم بالعمل على اقتناء أضحيتهم. والجديد هذه السنة أن الهمم قد توجهت أيضا إلى المهاجرين الأفارقة الذين دخلوا بلدنا بحثا عن لقمة العيش، وذلك لا شك كان انسجاما مع المبادرة الوطنية الرامية إلى تجديد العلاقة مع المهاجرين بغض النظر عن البلد الذي ينحدرون منه. هل هذا التضامن كاف بين الناس؟ صور التضامن التي ذكرنا تُحقِّق والحمد لله تغطيةً لا بأس بها لبيوت الفقراء والمساكين، فجمعية مدنية واحدة في مدينة مراكش وزعت هذه السنة ما يزيد عن أربعمائة خروف، وقِس عليها جمعيات أخرى، وكل ذلك بفضل الله تعالى وتوفيقه، وبسخاء المحسنين وعطائهم، لكنّ العملية هذه تحتاج إلى مزيد من التعبئة والتوعية وتوجيه الموسرين وكسب ثقتهم لينخرطوا بأعداد كبيرة في هذا العمل الشرعي العظيم والمطلب الوطني الجليل. ثم إن لغة الأرقام لا معنى لها في هذا المقام لأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، وما لا يدرك منتهاه لا يُبرر تركه أو التخلي عنه، ومع ما ذُكر لا يملك الحصيف إلاّ أن يستبشر خيرا باقتناع الناس المتزايد سنة بعد سنة للتضامن مع إخوانهم الفقراء والمُعدِمين لفكّ أسرهم من الفقر وغلبة الدين. وأستحضر هنا أخي الكريم حادثة مؤلمة وقعت هذه السنة لإحدى الأسر في مراكش، فقد كاد الأمر أن يصل بها إلى التشتت والتمزق بعد أن عجز الزوج عن توفير ثمن الأضحية وحصل ما حصل بينه وبين زوجته إلى أن هدّدت الزوجة بمغادرة بيت الزوجية قبل العيد بيومين، فما كان من أحد المحسنين من الطبقة المتوسطة إلا أن تدخل ببعض ماله فأنقذ هذه الأسرة من الضياع والتمزق. وللأسف الشديد، فإن هذه الجهود التي تبذلها بعض الجمعيات وكذلك بعض الأفراد للتضامن مع المحتاجين لا تسلم أحيانا من مضايقات. كيف وأين يتجلى التضامن مع المهاجرين الأفارقة؟ نعلم أن المهاجرين الأفارقة في السنتين الأخيرتين قد ملأوا الأرجاء، فهم يكترون بيوتا في أحياء سكنية شعبية، ويمارسون بعض الأعمال الحرة أو يشتغلون في التجارة كباعة متجولين، أو يتعاطون للتسول أحيانا، فمن قَبلُ لم يكن يُلتفت إلى هذه الفئة إلا في الأقل الأقل، لكن هذه السنة التفت إليهم الناس بالعطاء والإنفاق والتضامن، فالمسلمون من الأفارقة استفادوا من أضاحي تصدق بها عليهم الميسورون، وأما غير المسلمين فقد أُهدي إليهم من لحوم الأضاحي في اليوم الثاني من العيد مراعاة لجوارهم أو سدا لجوعتهم أو تأليفا لقلوبهم، ومنهم من استفاد من قيمة الأضحية نقدا. كل ذلك إبرازا لمزايا الإسلام، وتحقيقا لمفهوم التعدد والتنوع المفضي إلى تحصيل أرقى صور التساكن والتعايش والتضامن.