هذه كلمات قرآنية جاءت على لسان نبي الله يوسف عليه السلام، وهو أمام خيار صعب، إما الفاحشة وإما السجن، "ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين". وغير خاف على كل ذي بصيرة أن المحنة مهما عظمت تبقى هينة أمام انتهاك حرمات الله، فالمحنة في سبيل الله أهون من الارتكاس في الرذيلة، وبهذا المنطق السليم فضل نبي الله يوسف، الذي كان من عباد الله المخلصين محنة السجن المنحة على منحة الفاحشة المحنة. وليست كبيرة التطبيع أقل خطرا من كبيرة الفاحشة، فكلاهما كبيرة، بل إن كبيرة التطبيع أخطر وأفحش وأشد ضررا، إذ في ذلك انتهاك لحرمة أمة. وإذا كان نبي الله يوسف عليه السلام، وهو يتعرض لأعظم امتحان أمام فاحشة الزنا، قد فاه بهذه الكلمات القرآنية الجليلة "رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه"، فما أحرانا نحن أمام فاحشة التطبيع أن نجهر بها، رب السجن أحب إلينا مما يدعوننا إليه، فلن نقبل التطبيع، وسنرضى بالسجن مهما قست ظروفه، وما كنا لنؤثر السجن وراء القضبان، فالمؤمن الصادق يحب أن يعيش داعيا لله حرا طليقا، لكن إذا اقتضت حكمة الله عز وجل أن يعيش داعيا إلى الله أسيرا، فما أحلى الأسر في الله، وهذا مقتضى كلام الله على لسان نبيه يوسف عليه السلام "رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه". ولن يكون الحب إلا للمنحة، والعاقل لا يحب المحنة وإن كان الظاهر أنها محنة، والعقلاء يميزون بين المنح والمحن. وأعقل البشر على الإطلاق هم أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام. بل إن الفطانة إحدى الصفات الواجبة في حقهم عليهم السلام. لم يكن نبي الله يوسف عليه السلام ليفضل السجن على أن يكون طليقا يؤدي رسالته. غير أن الرسالة تقتضي أحيانا أن يكون الأسر والسجن أفضل تعبير عنها، وسجن نبي الله يوسف كان أسمى أداء لرسالته النبيلة التي ترفض الفحشاء والمنكر، والوقوع في ما لا يرضي الله عز وجل، وهو حياة الجاهلية بمفهومها الصحيح، الذي هو رفض الاهتداء بهدي الله على حد تعبير صاحب "جاهلية القرن العشرين"، والجاهلية تتحقق بمجرد انتهاك حرمات الله، وهو ما كان يتقيه ويخشاه نبي الله يوسف عليه السلام حين قال: (وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) ومعاذ الله أن يكون يوسف عليه السلام، وهو نبي الله، من الجاهلين. وإذا كان الإنسان يعتقل من أجل دينه أو نفسه أو نسله أو عقله أو ماله فنعم الحبس ونعم الأسر ونعم السجن، ومن مات دون هذه الضرورات الخمس فهو شهيد، ومن أسر دون هذه الخمس فهو أسير الله، وما أبلغ قول الحق سبحانه وتعالى (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه)، فسجن يوسف عليه السلام كان من أجل حفظ النسل، واعتقال هؤلاء التسعة كان من أجل حفظ الدين، دين أمة الإسلام الذي يأبى التطبيع مع الصهاينة المحتلين لمسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالاعتقال من أجل محاربة التطبيع اعتقال من أجل حفظ الدين، إنه المسجد الأقصى. فمرحبا بالاعتقال من أجل حفظ الدين، وليطمئن إخواننا في فلسطين، ليطمئن المجاهدون في حركة حماس والجهاد الإسلامي والشرفاء من حركة فتح وكل المناضلين الصادقين، ونخاطبكم باسم المغاربة الأباة: نحن صامدون، وعلى الدرب سائرون، وللتطبيع رافضون، وعلى الصهاينة حاقدون، ولا مرحبا بالصهاينة ولو جاؤوا باسم الفن، وأهلا وسهلا بكل فن عربي إسلامي أصيل، ومرحبا بكل فنان عربي إسلامي غيور على دينه وأمته، وليخسأ المطبعون. ومن وحي قصة هذا النبي الكريم، نقول للشرذمة الكاذبة التي زعمت الاعتداء، هل مزقت ثيابكم من قبل فلستم كاذبين إذن، وإن مزقت ثيابكم من دبر فأنتم الكاذبون والله، والحال أن ثيابكم مزقت من دبر. أوليس الذين زعموا الاعتداء هم عمداء الشرطة وهم عادة دبر أعوانهم، وإن قميصكم قد قد من دبر، فكذبتم ونحن الصادقون، ولما رأى سيدكم القميص قد من دبر قال بلسان حاله إنه من كيد الشرذمة الكاذبة إن كيدها عظيم بئس الدم الكذب، فاللهم اصرف عنا كيد الصهاينة وكيد إخواننا ولا تجعلنا من الجاهلين، إنك أنت السميع العليم. حميد عنبوري