توفي زوال أمس بالقنيطرة المدرب القدير المهدي فاريا عن سن يناهز الثمانين عاما، بعد أن عانى في الأشهر الماضية من متاعب صحية، وقضى سنواته الأخيرة في عزلة في ظل أوضاع اجتماعية مزرية، رغم أنه قدم للكرة المغربية ما لم يقدمه غيره، وأعطى شهادة الميلاد لنجوم مغربية سطعت في الساحة العالمية، ورسم أحسن الملاحم الكروية مع المنتخب الوطني، حيث ظل يعيش رفقة ابنه وحيدا في شقة تضم غرفة واحدة في حي شعبي بالقنيطرة، منذ استقراره بها بعد أن حصل على الجنسية المغربية واعتنق الديانة الإسلامية وتزوج من مغربية من مدينة القنيطرة. ويبقى المهدي فاريا أو خوسي فاريا قبل أن يعتنق الإسلام مدربا ليس ككل المدربين الذين خاضوا تجارب في الأندية الوطنية وعلى رأس أسود الأطلس، فقد أعطى الكثير دون أن يأخذ شيئا في زمن كان بلوغ النجومية شاقا وعائد المستديرة لا يغني ولا يسمن من جوع. ولم تشفع إنجازاته وحبه للمغرب في أن يلتفت إليه المسؤولون، حتى أن مصاريف علاجه ظل يتكفل بها محسنون، وعندما تعرض لوعكة صحية في الأشهر الماضية لم يجد أمامه سوى لاعبي فريق النادي القنيطري الذين تكفلوا بنقله إلى المصحة العسكرية بالرباط. «فاريا» من أصول برازيلية ولد بمدينة «ري ودي جانيرو» في السادس والعشرين من شهر أبريل سنة 1933، من أسرة فقيرة، متوسطة الحال ابتدأ مسيرته الكروية بفريق برازيلي عمر به طويلا يدعى «فليمينانس»، وبعد اعتزاله دوليا ومحليا دخل عالم التدريب في سن 45 سنة عبر تدريب فئة الصغار للفريق الذي تعلم فيه أصول اللعبة، قبل أن يغادر بلاده صوب قطر التي قضاها بها ثلاث سنوات، ومنها حط الرحال بالرباط لتدريب فريق الجيش الملكي. خلال الفترة الممتدة من 1983 إلى غاية 1989، فاز «فاريا» مع الفريق العسكري بكل الألقاب، نال البطولة الوطنية ثلاث مرات وحاز كأس العرش ثلاث مرات أيضا، وفاز بكأس إفريقيا للأندية البطلة سنة 1985، وهو إنجاز غير مسبوق لم يحققه أي فريق مغربي في وقت كانت الأندية المصرية تجلس على عرش الكرة الإفريقية بدون منازع في الثمانينات. وعندما كان المغرب يمني النفس لإعادة التتويج بالكأس الإفريقية الوحيدة التي حازها في 1976 بأديس أبابا؛ أشرف «فاريا» على تدريب المنتخب ليخرّج للعالم جيلا ولا أورع. فقد احتل المنتخب المرتبة الرابعة في نهائيات كأس إفريقيا التي شارك فيها بمصر سنة 1986 وبالمغرب سنة 1988، وأهل المنتخب للألعاب الأولمبية بلوس أنجلس بالولايات المتحدةالأمريكية سنة 1984، وساهم في ميلاد لاعبين أمثال الزاكي والتيمومي وبودربالة وغيرهم. لكن يبقى أهم إنجاز هو حينما أهل المنتخب إلى نهائيات كأس العالم التي أقيمت بالمكسيك، وانتزع المرتبة الأولى في مجموعته أمام منتخبات قوية على الساحة العالمية وحقق السبق بتأهل المنتخب للدور الثاني كأول منتخب عربي وإفريقي يحقق هذه النتيجة.